رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: بدر الفيلكاوي 11 يوليو، 2019 0 تعليق

الحلم والأناة من أخلاق الأنبياء

 

أقامت لجنة الدعوة والإرشاد بجمعية إحياء التراث الإسلامي قبل فترة ندوة بعنوان الحلم والأناة للشيخ بدر الفيلكاوي؛ حيث تناول الشيخ بالشرح حديث الأشج عبد القيس حين قال عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله (الحلم والأناة) فقال أهما خلقان تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما ؟ قال بل جبلك الله عليهما؛ فقال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله».

     ومناسبة هذا الحديث أنه لما قدم الأشج عبد قيس (وهو مشهور بلقبه وإلا فهو اسمه المنذر بن عمرو أبو الحارث) لما قدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هو ومن معه من قومه أرادوا ان يسلموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أعلنوا إسلامهم؛ فلما ذهبوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ووصلوا هناك كان ذلك في الثامنة هجريا (وقيل في العاشرة).

     وكان أصحاب الأشج في لهفة لرؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - والحديث معه؛ فذهبوا إليه مسرعين، أما الأشج فتأنى ثم ذهب ليأخذ من راحلته ملابسه الجميلة النظيفة، وبدّل ملابسه بعد أن تطهر وتعطر وأحسن التهيؤ ثم ذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا يدل على حلمه وتأنيه وأنه غير مستعجل كأصحابه.

الأخلاق في الإسلام

     يقول له النبي - صلى الله عليه وسلم-: «إن فيك خلقين» فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يتحدث في هذا الحديث عن الأخلاق، والأخلاق في الإسلام هي شطر الإسلام أي نصف ديننا؛ ولذلك فإن من أجلّ مهام الأنبياء والمرسلين كانت غرس الأخلاق الفاضلة في الناس وتهذيب نفوسهم وتطهيرها؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم-: «إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق».

من مهام الأنبياء

     فمن مهام الأنبياء الكبرى تزكية النفوس وتهذيبها بالأخلاق الفاضلة؛ فالأخلاق عندنا في الإسلام لها حقٌ عظيم، ولذلك تجد أن المسلم أخلاقه تختلف عن غير المسلمين، وهذه الأخلاق في الحقيقة لا يُستهان بها كما يستهين بها كثير من الناس؛ فهي من أجلّ العبادات أي أن تحلي الإنسان بهذه الأخلاق بالكلمة الطيبة والابتسامة مثلا.. هذه من أجل العبادات عند الله، لذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «أكمل المؤمنين إيمانا أحاسنهم خلقا» ويقول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الترمذي «ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق» ما قال من صيام أو صلاة أو زكاة أو صدقة وإنما قال من حسن الخلق.

رفعة في الدرجات

     فبأخلاقك ترفع في الدرجات العلا يوم القيامة كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن المؤمن ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم»، فما فرض علينا محض العبادات كالصلاة والصيام والزكاة إلا لتزكية النفس وتهذيبها وإلا من أجل تهذيب أخلاقك ولأن تسموا بها كما قال الله -عز وجل-: «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر».

مجالات الأخلاق

- أولا: مع الله -عز وجل- أن تحسن الأدب مع الله في الامتثال لأوامره- سبحانه.

- ثانيا: مع الناس، لقولة - صلى الله عليه وسلم - «وخالق الناس( أي جميع الناس) بخلقٍ حسن» أي بمكارم الأخلاق.

     وإذا قلنا الأخلاق فإننا نتحدث عن الصورة الباطنة للإنسان؛ لأن الإنسان له صورتان صورة ظاهرة وصورة باطنة، الصورة الظاهرة هي خَلق الإنسان، شكله, بدنه, والإسلام يهتم بهذا الشكل بالنظافة والعناية ولكن ليس ذلك معيارا عند الله على صلاح العبد؛ فالله لا ينظر إلى صوركم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وجمالكم واجسادكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، يعني الصورة الباطنة يعني أنت مكانتك بإيمانك؛ فالله لا يلوم العبد لماذا أنت أبيض وأنت أسمر؟ أو يلومه لماذا أنت طويل وأنت قصير؟ وهكذا، لأن الله هو الذي خلقك علي هذه الشاكلة لكن نظره -سبحانه وتعالى- للعبد يكون علي إيمانه وما يظهر من إيمانه علي جوارحه وعلي بدنة بطاعة الله -عز وجل.

لذا فالصورة الباطنة: هي خلق الإنسان وحال هذه النفس الراسخة وما يصدر عنها من خير أو شر؛ فالحديث يتكلم عن خُلق الإنسان، عن الصورة الباطنة، عن محل نظر الرب للعبد.

المحمود والمذموم من الأخلاق

     والأخلاق كما نعلم منها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم، فالمحمود هو كل الأخلاق التي امرنا الله -عز وجل- أن نتحلى بها، مثل: الصدق والأمانة والصبر والوفاء والعدل وغيرها من الأخلاق الحميدة، وهناك أخلاق مذمومة لا يحبها الله -عز وجل- كالكذب والغيبة والنميمة، والغدر، والخيانة وغيرها؛ لذا فالسؤال هنا هو كيف يحصل الإنسان على هذه الأخلاق سواء كانت حسنة أم سيئة؟

منبع الأخلاق

     الأخلاق إما أن تكون طبعاً في الإنسان جُبل عليه، يعني الله خلق الإنسان وفيه بعض الأخلاق؛ فإن كانت من التي يحبها الله -سبحانه- فهي نعمة من الله -تعالى- لفئة من الناس الله يكرمهم بأخلاق حميدة طبعٌ فيهم وجبلة، وإما أن يكتسبها من الآخرين فتكون طبعاً يجاهد نفسه في اكتسابه والتطبع به، يعني: ما كانت فيه هذه الخصلة فتحلى بها، كان مثلاً كذاباً ثم بعد ذلك تحلى بالصدق حتى صار صادقاً، هذه يكتسبها من الآخرين. كيف نحصل على هذه الأخلاق (السيئة والصالحة) من صحبة الناس؟ فالإنسان يتأثر بمن يجلس معهم ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تصاحب إلى مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي»، لماذا؟ لأن الصحبة لها أثر في أخلاقك.

إما طبع وإما تطبع

     ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - مبيناً أن هذه الأخلاق تأتي إما طبع وإما تطبع حين قال: «إن فيك خلقين يحبهما الله الحلم والأناة»، قال الأشج: «أهما خلقان تخلّقت بهما»، (يعني اكتسبتهم من الناس) «أم جبلني الله عليهما»؟ يعني طبع فيَّ، الله خلقني بهذا الخلق؟ قال: «بل جبلك الله عليهما» يعني الله خلقك وفيك هذان الخلقان نعمة؛ ولهذا قال: «الحمد الله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله» (فضلٌ ونعمة).

أخلاق نبينا - صلى الله عليه وسلم

ولذلك أخلاق نبينا - صلى الله عليه وسلم- هي طبعٌ وسجية فيه - صلى الله عليه وسلم - الله خلقه وفيه هذه الأخلاق الفاضلة- - صلى الله عليه وسلم -، يعني ما كانت أخلاقه رديئة ثم تحلى بأخلاق حميدة، حاشاه - صلى الله عليه وسلم - فمنذ الصغر وهو معروف بأنه الصادق الأمين، ما اتصدف أبدا بخلقٍ مذموم - صلى الله عليه وسلم - طبعٌ فيه وسجية.

الحلم والأناة

     الحلم خلق حميدٌ محمود يحبه الله -سبحانه وتعالى-، وهو خلق بين خلقين مذمومين، الحلم هو خلقٌ بين الغضب وبين البلادة، الغضب لا يحبه الله -تعالى-، قال - صلى الله عليه وسلم -: «الغضب من الشيطان»، ولذلك جاء رجل إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: أوصني يا رسول الله؟ قال: «لا تغضب»، طيب هو يريد وصية طويلة عريضة، لكنها كانت كلمة واحدة، قال: أوصني يا رسول الله قال: «لا تغضب»، قال: أوصني قال: «لا تغضب» ما زاد عليها - صلى الله عليه وسلم .

     فلما ذهب وفكر بعد ذلك ملياً علم أن الغضب من الشيطان، القتل والمشاجرات والطلاق وغيره كله بسبب الغضب، وانظر الوصية العظيمة التي وصى بها - صلى الله عليه وسلم - هذا الصحابي قال: لا تغضب، إذاً الحلم هو ما بين الغضب وهو من الشيطان وما بين البلادة.

السكون عند الغضب

     والحلم هو السكون عند الغضب، يعني إنسان إذا سمع كلمة تزعجه، أو تصرُف يزعجه في البيت أو خارج البيت في الشارع أحدهم خاطبه بكلمة غير مناسبه أو تصرف معه تصرفا يغضبه فإذا هو يمسك بلجام نفسه ويكظم غيظه فيُهدئ غضبه، هذا هو الحلم «السكون عند الغضب»، أما سريع الغضب فهذا ليس بحليم؛ ولذلك نرى بعض الناس بسرعة يغضب لهذا أمسك نفسك وعود نفسك على هذا الخُلُق، وروضها كما قال الله -تعالى-: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس7: 10)، أفلح من زكاها يعني من هذبها، من طهرها، من ألزمها بكتاب الله وسنة نبيه من أمره بالتحلي بالأخلاق الفاضلة؛ لذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم».

سر نجاح دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم

     ولذلك سر نجاح نبينا - صلى الله عليه وسلم - في دعوته -بتوفيقٍ من الله- هذه الأخلاق الحميدة قال الله -تعالى- عنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، يعني سبب الناس أنهم يحبونك ويقبلون على دعوتك أنك هين لين سهل - صلى الله عليه وسلم - ما فيك غلظة وشدة، لو كانت صفاتك فيها الشدة والغلظة ما سمعوك ولا استجابوا لك.

يحبه الله

     لذلك فخلق اللين والرفق يحبه الله بل هي من صفات الله -تعالى- يقول - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين: «لا يكون الرفق في شيءٍ إلا زانه ولا ينزع منه إلا شانه»، ويقول - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين: «إن الله رفيقٌ يحب الرفق في الأمر كله»، ويقول - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: «إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»، يعني من الأجر والحسنات.

أمر مطلوب

     فالرفق واللين أمر مطلوب، كلما صرت هينا لينا مبتسما مع زوجتك، مع عيالك، مع جيرانك، مع الناس، مع المسلمين، حتى مع غير المسلمين، تتبسم ويظهر عليك أنك لين هين سمح هذا خلق يحبه الله -سبحانه وتعالى-، ثم ماذا يأتي الآن بعد أن صرت هينا لينا؟ ماذا سيصدر منك؟ هل العنف بعد الحلم والتأني وإنما سيصدر منك لين وسماحة ورفق ورحمة؟ ثم ماذا ينتج منه؟ ليس إلا العفو والصفح والتسامح.

من صفة الأنبياء

     وهي كذلك من صفة الأنبياء والمرسلين يقول ابن مسعود عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -، في غزوة أحد بعد أن انهزم المسلمون في نهاية المعركة وحاصره الكفار وأخذوا يضربونه من كل مكان - صلى الله عليه وسلم - كادوا أن يقتلوه، ضرب على رأسه فشج رأسه، وكسرت أسنانه وضرب على كتفه - صلى الله عليه وسلم -، وسقط في حفرة فتأثرت قدمه منها أكثر من سبع أو ثماني جراح فيه، والدم يسيل من رأسه ومن فمه - صلى الله عليه وسلم -، وهو - صلى الله عليه وسلم - مع ذلك يقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».

     تأمل سماحة النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا خلق من خلق الأنبياء ألا وهو العفو والصفح، فمن أفضل الأخلاق التي يتحلى بها المسلم خلق العفو، ولهذا يقول الله -تعالى- عن أهل الإيمان: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التغابن:14)، يعني الجزاء من جنس العمل.

اعفو عنه

     لذلك جاء رجلٌ كما قال ابن عمر في حديثه: جاء رجل إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - -فقال له: كم نعفو عن الخادم إذا أخطأ؟ سكت عنه - صلى الله عليه وسلم -، ثم أعاده مرة ثانية كم نعفو عن الخادم يا رسول الله؟ سكت عنه - صلى الله عليه وسلم -، ثم عاد: كم نعفو عن الخادم يا رسول الله؟ نظر إليه - صلى الله عليه وسلم - فقال: «اعفُ عنه في كل يوم سبعين مرة»، ونحن لو الخادم غلط غلطة واحدة كيف نفعل به، النبي قال اعفُ عنه سبعين مرة، خلق محمود الله -تعالى- يحبه خلق العفو.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك