رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 8 سبتمبر، 2014 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }(الجاثية:18)

تظهر على الساحة الإسلامية أحداث خطيرة، وتغيرات جسيمة، تؤثر على واقع الأفراد والمجتمعات مباشرة، ثم تجد من الناس من يتخذ مواقف معينة؛ مؤيدة أو معارضة، دون الرجوع إلى أهل العلم والحكمة والرزانة، وإنما يحتكم لعقله القاصر، وعلمه الناقص، أو ما يصل إلى هاتفه النقال من فتاوى عجيبة، أو أكاذيب مفتراة، قد تكون صادرة عن غير أهل العلم، أو قال بها أصحاب الأهواء والفتن، فيتبناها دون تمحيص بين الصواب والخطأ، أو تمييز بين الحق والباطل، ويبدأ ينقل تلك المزاعم على أنها حقائق أكيدة، وأحكام صائبة، وهو ليس من أهل العلم ولا من طلبته، بل هو معدود في معيار الفقه من المقلدين الذين يجب عليهم الرجوع إلى المؤهلين لسؤالهم عن أمر دينه.

وقد أمرنا الله -تعالى- بطاعته وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } (النساء:59)، وأمرنا باتباع كتابه ودينه فقال تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } (الأعراف:3).

     وأمرنا أن نسأل أهل العلم الراسخين إذا تعذر علينا تحصيل العلم بأنفسناـ وهو حال الغالب من الناس ـ فقال سبحانه:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ  } (الأنبياء: 7)، وقال تعالى:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء:83). يقول الشيخ ابن سعدي: «هذا تأديب من الله لعباده، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة، ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم؛ أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها».

ونهى الله تعالى عن القول بلا علم، وعن العمل بلا بصيرة ، ونهانا عن اتباع من لا يعلم، ومن اتبع هواه، ولاسيما أصحاب الفتنة الذين يتبعون الشهوات والمتشابهات.

فقال تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } (الإسراء:36).

     قال الشيخ ابن باز-رحمه الله-: «الله ينهى عن كون الإنسان يتكلم فيما لا يعلم، (ولا تقف) يعني لا تقل في شيء ليس لك به علم، بل تثبت، فالواجب عليه أن يتثبت وأن يعتني حتى لا يتكلم إلا عن علم، ولا يفعل إلا عن علم، ولا يعتقد إلا عن علم، ولهذا قال جل وعلا:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف:33). فجعل القول على الله بغير العلم فوق هذه الأشياء كلها، فالواجب على الإنسان يتعلم حتى يكون على علم».

وقال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الجاثية:18).

     قال الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ثم جعلناك على طريقة وسنة ومنهاج من أمرنا الذي أمرنا به من قبلك من رسلنا، فاتبع تلك الشريعة التي جعلناها لك، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون، يقول: ولا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون بالله، الذين لا يعرفون الحق من الباطل، فتعمل به، فتهلك إن عملت به» .

ففي الآية أمر للمسلمين بأن يحذروا من أهواء الذين لا يعلمون، فلا يسمعوا لقولهم، ولا يعملوا بأمرهم، ولا يأمنوا لجانبهم، وإن زخرفوه بالفصاحة، وأيدوه بالشبهات المضلة التي تنطلي على السذج، ويعرفها العلماء وطلبة العلم.

ويوضح الشيخ ابن سعدي المقصود بالذين لا يعلمون فقال: «‏الذين تكون أهويتهم غير تابعة للعلم ولا ماشية خلفه، وهم كل من خالف شريعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هواه وإرادته فإنه من أهواء الذين لا يعلمون‏.‏»

وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام:{قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }(يونس:89)، قال الشوكاني: «والمعنى: النهي لهما عن سلوك طريقة من لا يعلم بعادة الله سبحانه في إجراء الأمور على ما تقتضيه المصالح تعجيلا وتأجيلا».

وقال ابن سعدي: «{‏فَاسْتَقِيمَا‏}‏ على دينكما، واستمرا على دعوتكما، ‏{‏وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏ أي‏:‏ لا تتبعان سبيل الجهال الضلال، المنحرفين عن الصراط المستقيم، المتبعين لطرق الجحيم».

وقال تعالى:{‏ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف:28)‏

قال ابن سعدي: «أي‏:‏ صار تبعا لهواه؛ حيثما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهذا قد نهى الله عن طاعته؛ لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به».

     قال: «ودلت الآية، على أن الذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للناس، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه، فحقيق بذلك، أن يتبع ويجعل إماما» .

     وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب الأهواء وآرائهم الشاذة ومذاهبهم الضالة فعن عائشة قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (آل عمران:7) إلى قوله:{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» أخرجه  البخاري.

قال ابن حجر: «وَالْمُرَاد التَّحْذِير مِنْ الْإِصْغَاء إِلَى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِه مِنْ الْقُرْآن, وَأَوَّل مَا ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْ الْيَهُود, ثُمَّ أَوَّل مَا ظَهَرَ فِي الْإِسْلَام مِنْ الْخَوَارِج حَتَّى جَاءَ عن اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ فَسَّرَ بِهِمْ الْآيَة».

وأخرج الطبري بسنده أن قتادة كان إذا قرأ هذه الآية :{فأما الذين في قلوبهم زيغ} قال: إن لم يكونوا الحرورية الخوارج والسبائية ، فلا أدري من هم ؟!

     وجاء في السنة المطهرة ما يبين أن اتباع العلماء سبيل النجاة، وأن اتباع الجهال سبيل الضلال، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» متفق عليه

قال النووي: «هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه، ولكن معناه أنه يموت حملته، ويتخذ الناس جهالا يحكمون بجهالاتهم فيضلون ويضلون».

فالواجب على المسلم أن يسأل قبل أن يعمل، وأن يتروى قبل أن يحكم، وأن يشاور من هو أعلم منه وأكثر حكمة وتجربة قبل أن يندم، ولاسيما في الأمور العامة التي جعلها الله -تعالى- لأولي الأمراء والعلماء ، وبالله التوفيق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك