رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 2 نوفمبر، 2014 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن {ولكل درجات مما عملوا}

أثنى الله تعالى على نفسه فقال سبحانه: {رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ}،(غافر:15) قال الشيخ ابن سعدي: «ذكر من جلاله وكماله ما يقتضي إخلاص العبادة له فقال‏:‏ ‏{رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ}‏ أي‏:‏ العلي الأعلى، الذي استوى على العرش واختص به، وارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به مخلوقاته، وارتفع به قدره، وجلت أوصافه، وتعالت ذاته، أن يتقرب إليه إلا بالعمل الزكي الطاهر المطهر، وهو الإخلاص، الذي يرفع درجات أصحابه ويقربهم إليه ويجعلهم فوق خلقه».

     وبين ابن عاشور معنى الدرجة فقال: والدرجات هي ما يرتقى عليه من أسفل إلى أعلى، في سلم أو بناء، وإن قصد بها النزول إلى محل منخفض من جب أو نحوه فهي دركات، ولذلك قال تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، (المجادلة:11) وقال:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}، (النساء: 145).

وقد جاء كثيرا في القرآن الكريم أن الله تعالى يرفع من يشاء درجات في الدنيا قبل الآخرة كما قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} (الأنعام:165).

قال ابن كثير: «أي : فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق، والمحاسن والمساوئ، والمناظر والأشكال والألوان ، وله الحكمة في ذلك».

وقال عز وجل:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} (الزخرف: 32).

قال ابن كثير: «قال تعالى مبينا أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة، وقوله:{ليتخذ بعضهم بعضاً سُخرياً} قيل: معناه ليسخر بعضهم بعضا في الأعمال، لاحتياج هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا».

وبين ربنا سبحانه أن الدرجات في الآخرة أعلى وأسمى كما قال تعالى:{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ} (طه: 75).

قال ابن كثير: «أي: ومن لقي ربه يوم المعاد مؤمن القلب، قد صدق ضميره بقوله وعمله {فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ} أي: الجنة ذات الدرجات العاليات، والغرف الآمنات، والمساكن الطيبات».

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة ومنها تخرج الأنهار الأربعة، والعرش فوقها، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس» .رواه الترمذي والإمام أحمد

وقال سبحانه:{انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ  وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا } (الإسراء:21)

     قال الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : انظر يا محمد بعين قلبك إلى هذين الفريقين اللذين هـمّ أحدهما الدار العاجلة، وإياها يطلب، ولها يعمل; والآخر الذي يريد الدار الآخرة، ولها يسعى موقنا بثواب الله على سعيه، كيف فضلنا أحد الفريقين على الآخر، بأن بصرنا هذا رشده، وهديناه للسبيل التي هي أقوم، ويسرناه للذي هو أهدى وأرشد، وخذلنا هذا الآخر، فأضللناه عن طريق الحق، وأغشينا بصره عن سبيل الرشد.

 {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ} يقول: وفريق مريد الآخرة أكبر في الدار الآخرة درجات بعضهم على بعض لتفاوت منازلهم بأعمالهم في الجنة، وأكبر تفضيلا بتفضيل الله بعضهم على بعض من هؤلاء الفريق الآخرين في الدنيا فيما بسطنا لهم فيها.

وبين لنا الله -تعالى- أسباب رفع الدرجات وطرائق تحصيلها، فمن ذلك النبوة والرسالة وذلك فضل الله يختص به من شاء كما قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} (البقرة:253).

ومن أسباب رفع الدرجات الإيمان كما قال عزوجل:{أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (الأنفال: 4).

قال الطاهر: «وقد دل قوله عند ربهم على الكرامة والشرف عند الله -تعالى- في الدنيا بتوجيه عنايته في الدنيا، وفي الآخرة بالنعيم العظيم». قال ابن كثير: «وقوله: {لهم درجات عند ربهم} أي: منازل ومقامات ودرجات في الجنات».

وكذلك أعمال الدين من الشعائر والهجرة والجهاد سبب لذلك كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (التوبة:20)

وطلب العلم من طرائق رفع الدرجات كما قال تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة:11).

     قال الطبري: «يقول - تعالى ذكره-: يرفع الله المؤمنين منكم - أيها القوم - بطاعتهم ربهم، فيما أمرهم به من التفسح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا، أو بنشوزهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انشزوا إليها، ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين الذين لم يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات، إذا عملوا بما أمروا به».

وقال تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} (الأنعام:83).

قال ابن سعدي: «كما رفعنا درجات إبراهيم عليه السلام في الدنيا والآخرة فإن العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات، ولاسيما العالم العامل المعلم، فإنه يجعله الله إماما للناس».

والخلاصة أن الناس يتفاوتون في أعمالهم ومقاصدهم؛ ولذا فدرجاتهم ودركاتهم متباينة كما قال سبحانه: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (الأنعام:132).

قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: ولكل عامل في طاعة الله أو معصيته، منازل ومراتب من عمله يبلغه الله إياها، ويثيبه بها، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} يقول جل ثناؤه: وكل ذلك من عملهم ، يا محمد، بعلم من ربك، يحصيها ويثبتها لهم عنده، ليجازيهم عليها عند لقائهم إياه ومعادهم إليه».

وقال تعالى:{هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (آل عمران:163).

قال ابن سعدي: «أي: كل هؤلاء متفاوتون في درجاتهم ومنازلهم بحسب تفاوتهم في أعمالهم؛ فالمتبعون لرضوان الله يسعون في نيل الدرجات العاليات، فيعطيهم الله من فضله وجوده، والمتبعون لمساخط الله يسعون في النزول في الدركات إلى أسفل سافلين كل على حسب عمله».

     فعلى المسلم أن يكون رفيع الهمة، سامي القصد ويسأل الله رفع الدرجات كما جاء في الحديث: «اللهم إنى أسألك خير المسألة, وخير الدعاء, وخير النجاح, وخير العمل, وخير الثواب, وخير الحياة, وخير الممات, وثبتنى وثقل موازينى, وحقق إيمانى, وارفع درجاتى, وتقبل صلاتى, واغفر خطيئتى, وأسألك الدرجات العلا من الجنة» أخرجه الحاكم عن أم سلمة مرفوعاً وصححه ووافقه الذهبي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك