رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 14 يوليو، 2014 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن {ولا تسألون عما كانوا يعملون}



من أركان الإيمان الواجب الإيمان بالبعث والنشور؛ حيث يبعث الله تعالى عباده بعد موتهم، ويحاسبهم على أعمالهم، ويجازيهم عليها، فكل الخلائق سيسألون عن أعمالهم، قال تعالى: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}(الأعراف: 6)، وقال سبحانه {فوربك لنسألنهم أجمعين. عما كانوا يعملون}(الحجر: 92 - 93)، وقال عز وجل: {وقفوهم إنهم مسئولون}(الصافات: 24)، والآيات في هذا كثيرة.

     ومما سيسأل العبد عنه النعم التي آتاه الله إياها والذنوب التي وقع العبد فيها، كما قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُدْنِي الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَضَعُ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ كَذَا وَكَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ كُلِّهَا وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ: «فَإِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ». قَالَ: ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، قَالَ: وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ: {وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.

وجاء في الحديث أن الله تعالى يسأل العبد يوم القيامة فيقول: أَيْ فُلانُ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أُسَوِّدْكَ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ؟ أَلَمْ أَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ قَالَ: بَلَى أَيْ رَبِّ؟ قَالَ فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لا، فَيَقُولُ إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي».

     ولابد من العلم بأن الإنسان مسؤول عن أعماله مسؤولية فردية، فلا يسأل عن أعمال غيره ولا يجازى عليها، قال تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى. وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى. أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزَآءَ الأَوْفَى}(النجم: 36 - 41)، وقال سبحانه: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى}(الأنعام: 164).

     قال الطبري: «يقول: ولا تجترح نفس إثما إلا عليها، أي: لا يؤخذ بما أتت من معصية الله تبارك وتعالى وركبت من الخطيئة سواها، بل كل ذي إثم فهو المعاقب بإثمه والمأخوذ بذنبه، {ولا تزر وازرة وزر أخرى}(فاطر: 18)، يقول: ولا تأثم نفس آثمة بإثم نفس أخرى غيرها، ولكنها تأثم بإثمها، وعليه تعاقب، دون إثم أخرى غيرها».

وقال ابن كثير: «إخبار عن الواقع يوم القيامة في جزاء الله -تعالى- وحكمه وعدله، أن النفوس إنما تجازى بأعمالها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وأنه لا يحمل من خطيئة أحد على أحد، وهذا من عدله تعالى كما قال: {وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى}(فاطر: 18).

     ويتجلى مبدأ المسؤولية الفردية يوم القيامة كما قال تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً. اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً. مَّنِ اهْتَدَى فإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}(الإسراء: 13 - 15).

ومبدأ المسؤولية الفردية يشمل الأفراد كما يشمل الأمم، فكل فرد يسأل عن عمله الذاتي قال تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُم مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ}(النور: 11)، وقال الله سبحانه: {كُلُّ امْرِئِ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}(الطور: 21).

قال الطبري: «يقول: كل نفس بما كسبت وعملت من خير وشر مرتهنة، لا يؤاخذ أحد منهم بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه».

قال ابن كثير: «لما أخبر عن مقام الفضل، وهو رفع درجة الذرية إلى منزلة الآباء من غير عمل يقتضي ذلك، أخبر عن مقام العدل، وهو أنه لا يؤاخذ أحدا بذنب أحد، بل {كل امرئ بما كسب رهين} أي: مرتهن بعمله، لا يحمل عليه ذنب غيره من الناس، سواء كان أبا أم ابنا».

وقال الله سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}(المدثر: 38)، عن ابن عباس: «مأخوذة بعملها».

وقال ابن كثير: «معناه: كل نفس مرتهنة بعملها السيئ إلا أصحاب اليمين، فإنه قد تعود بركات أعمالهم الصالحة على ذراريهم».

وقال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما}(طه: 112)، قال ابن عباس: «لا يخاف ابن آدم يوم القيامة أن يظلم فيزاد عليه في سيئاته، ولا يظلم فيهضم في حسناته».

قال الطبري: «يقول: فلا يخاف من الله أن يظلمه، فيحمل عليه سيئات غيره، فيعاقبه عليها «ولا هضما» يقول: لا يخاف أن يهضمه حسناته، فينقصه ثوابها».

وقال تعالى: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا}(الجن: 13)، فعن ابن عباس قال: «لا يخاف نقصا من حسناته، ولا زيادة في سيئاته».

وقال الطبري: «فمن يصدق بربه {فلا يخاف بخسا} يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازى عليها; {ولا رهقا} ولا إثما يحمل عليه من سيئات غيره، أو سيئة (لم) يعملها».

     ويؤكد سبحانه هذا المبدأ ولو مع الكفار فيأمرنا أن نقول لهم: {قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون}(سبأ: 25)، يوضح الطاهربن عاشور أن هذا من باب التوسع في الاحتجاج فيقول: «إذا نحن أجرمنا فأنتم غير مؤاخذين بجرمنا، وإذا عملتم عملا فنحن غير مؤاخذين به، أي: أن كل فريق مؤاخذ وحده بعمله، فالأجدى بكلا الفريقين أن ينظر كل في أعماله وأعمال ضده ليعلم أي الفريقين أحق بالفوز والنجاة عند الله».

وكذلك من آثار مبدأ المسؤولية الفردية ألا تسأل أمة عن أعمال أمة أخرى، قال تعالى: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} (البقرة: 134).

قال ابن كثير: «وقوله تعالى: {تلك أمة قد خلت} أي: مضت، {لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} أي: إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيرا يعود نفعه عليكم، فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم، {ولا تسألون عما كانوا يعملون}(البقرة: 134).

     فالمطلوب من المسلم أن يعد لهذا السؤال الحتمي جوابا يخلصه من التبعة، ويدرأ عنه العذاب، وذلك بأن يعرف ما أرسل الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق في العقائد والأعمال والأخلاق أولا، ثم يعمل وفق طاقته بما يقدر عليه من ذلك الهدى، ويتوب إلى الله تعالى مما قصر فيه أو أذنب، كما قال تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}(الفرقان: 70)، ويحرص على ألا يضيع عمره ولا جهده في مراقبة الآخرين أو لومهم أو محاسبتهم وانتقادهم، بل عليه أن يشتغل بإنقاذ نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح والتوبة النصوح، فهذا من حسن إسلام المرء كما قال صلى الله عليه وسلم : «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيه» أخرجه الترمذي، وعن الحسن قال: «من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك