رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 1 يوليو، 2014 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن – {وقد خاب من افترى}


النووي: «يقال: بهته بفتح الهاء مخففة: قلت فيه البهتان، وهو الباطل. و(الغيبة) ذكر الإنسان في غيبته بما يكره.

 

أمرنا الشرع المطهر بصدق الحديث، ونهانا عن الكذب والبهتان، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}(التوبة: 119)، وقال صلى الله عليه وسلم : «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا» متفق عليه.

     والكذب أنواع كما قال الراغب: «الكذب إما أن يكون اختراع قصة لا أصل لها، أو زيادة في القصة أو نقصانا يغيران المعنى، أو تحريفا يغير عبارة، فما كان اختراعا يقال له: الافتراء والاختلاق، فإن كان بزيادة والنقص يقال له ذنب وكل من أراد كذبا على غيره فإما أن يقول بحضرة المقول فيه أو بغيبته، وأعظم الكذب ما كان اختراعا بحضرة المقول فيه وهو المعبر عنه بالبهتان».

     فبعض الناس يصوغ زورا، ويفتري كذبا، ويلفق الأحاديث، ويفتعل الأخبار، يتقول الأقاويل، ولا يبالي بما يترتب على ذلك من آثار خطيرة، ونتائج وخيمة على الأفراد أو المجتمع، لا سيما في وسائل الاتصال الحديثة، وشغف الناس بشبكات التواصل الاجتماعي، ومتابعة كل ما ينقل دون عناية بالتأكد من صحة الأخبار وصدق الوقائع، فصار نقل الأكاذيب، وترويج الإشاعات تسلية لمستخدمي تلك الخدمة، وشغلا لفراغ مرتادي تلك الشبكة.

وقد حذرنا الشرع المطهر من الافتراء والبهتان فقال تعالى: {وقد خاب من افترى}(طه: 61).

قال الطبري: «يقول: لم يظفر من يخلق كذبا». فالخيبة: فوت المطلوب، قال تعالى: { وخاب كل جبار عنيد}(إبراهيم: 15)، {وقد خاب من دساها} (الشمس: 10)، {وقد خاب من حمل ظلما}(طه: 111).

وقال القرطبي: «وقد خاب من افترى أي خسر وهلك، وخاب من الرحمة والثواب من ادعى على الله ما لم يأذن به».

     وقال ابن سعدي: «فحين اجتمعوا من جميع البلدان، وعظهم موسى عليه السلام، وأقام عليهم الحجة، وقال لهم‏:‏ ‏{‏وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ‏}(طه: 61)‏ أي‏:‏ لا تنصروا ما أنتم عليه من الباطل بسحركم، وتغالبوا الحق، وتفتروا على الله الكذب، فيستأصلكم بعذاب من عنده، ويخيب سعيكم وافتراءكم، فلا تدركون ما تطلبون من النصر والجاه عند فرعون، ولا تسلمون من عذاب الله، وكلام الحق لا بد أن يؤثر في القلوب‏.» ‏

     ومن أعظم الافتراء (الافتراء على الله) كما قال تعالى: {فمن افترى على الله الكذب فأولئك هم الظالمون}(آل عمران: 94)، وقال عز وجل: {انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا}(النساء: 50)، وقال سبحانه: {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون}(النحل: 105)، وقال سبحانه: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون}(يونس: 17).

      ومن الافتراء على الله تعالى نسبة الشريك والصاحبة والولد إليه سبحانه وتعالى، ومن زعم أنه يوحى إليه أو أنه يأتي بمثل كلام الله -عز وجل- ومن الافتراء على الله -تعالى- القول في الدين بغير علم، ومن الافتراء على الله تعالى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم  ونسبة الأحاديث المكذوبة إليه وقد قال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى غَيْرِي, فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار». متفق عليه.

ومن الافتراء المحرم الافتراء على الآخرين فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته».أخرجه مسلم

قال النووي: «يقال: بهته بفتح الهاء مخففة: قلت فيه البهتان، وهو الباطل. و(الغيبة) ذكر الإنسان في غيبته بما يكره. وأصل البهت: أن يقال له الباطل في وجهه، وهما حرامان».

     وكان النبي صلى الله عليه وسلم  يأخذ البيعة من أصحابه على أمور منها ترك الافتراء والبهتان، فعن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا تَسْرِقُوا، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ، وَلا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثَمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عنه، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ». فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ.متفق عليه

قال ابن حجر: «قوله: (ولا تأتوا ببهتان) البهتان الكذب يبهت سامعه، وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال تقع بهما؛ إذ كانت هي العوامل والحوامل للمباشرة والسعي، وكذا يسمون الصنائع الأيادي. وقد يعاقب الرجل بجناية قولية فيقال: هذا بما كسبت يداك. ويحتمل أن يكون المراد لا تبهتوا الناس كفاحا وبعضكم يشاهد بعضا، كما يقال: قلت كذا بين يدي فلان.

ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأيدي والأرجل القلب; لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه، فلذلك نسب إليه الافتراء، كأن المعنى: لا ترموا أحدا بكذب تُزوِّرونَه في أنفسكم ثم تبهتون صاحبه بألسنتكم».

     وكذلك بايع النبي صلى الله عليه وسلم  الصحابيات على ترك الافتراء، فعَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فِي نِسْوَةٍ نُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلامِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا نَسْرِقَ، وَلا نَزْنِيَ، وَلا نَأْتِي بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلا نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ، فَقَالَ: «فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ»، فَقُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنَّا بِأَنْفُسِنَا، هَلُمَّ نُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنِّي لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إِنَّمَا قَوْلِي لَمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ, أَوْ مِثْلُ قَوْلِي لامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ».أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر

ومن الافتراء تغيير الحقائق والعبث بالأنساب، فقد روى البخاري عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم  ما لم يقل».البخاري

قال ابن حجر: «وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره، وقيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في الحالتين إثباتًا ونفيًا».

فعلى المسلم تحري الصدق في كل أحواله، والتثبت في نقل الأخبار كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}(الحجرات: 6)، وبالله التوفيق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك