رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 8 أبريل، 2014 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن- من نذر أن يطيع الله فليطعه


يشترط في النذر أن يصدر من ذي أهلية ـ وهو المكلف البالغ العاقل ـ لأنه تصرف قولي يترتب عليه أثر شرعي فلابد من الأهلية

 يستغرب بعض الناس حين يسمع أن الله تعالى أثنى على الموفين بالنذر في قوله تعالى:{يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا}، ثم يقال له إن النذر مكروه شرعا؛ لأن النبي[ نهى عنه، ولتوضيح الأمر فلابد من وقفات مع النذر لبيان حقيقته وحكمه وأنواعه.

فالنَّذْر في اللغة: مَصْدَرُ الفعل نَذَرْتُ، أَيْ: أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا.

 وفي الاصطلاح:هو إلْزَامُ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْقَوْلِ شَيْئًا غَيْرَ لَازِمٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ. فحقيقة النذر أن يوجب المسلم على نفسه شيئا لم يكن واجبا عليه شرعا، كنوافل العبادات من صلاة وصيام ونحوهما، أو أمر من المباحات كشرب الماء أو ركوب السيارة مثلا.

والنذر جائز شرعا كما دل على ذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة والإجماع.

     أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه} قال ابن كثير: «يخبر تعالى بأنه عالم بجميع ما يفعله العاملون من الخيرات من النفقات والمنذورات وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين لذلك ابتغاء وجهه ورجاء موعوده»، وهذا يستلزم مشروعية النذر.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فعن عَائِشَةُ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ». أخرجه البخاري، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ .

وَلَا يُسْتَحَبُّ النذر بل هو مكروه، فعن ابْنَ عُمَرَ أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  نَهَى عَنْ النَّذرِ وقَال:” لا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ “ متفق عليه

قال ابن قدامة: «وَهَذَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ، لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا مَدَحَ الله تعالى الْمُوفِينَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَنْبَهُمْ فِي ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ أَشَدُّ مِنْ طَاعَتِهِمْ فِي وَفَائِهِ؛ وَلِأَنَّ النَّذْرَ لَوْ كَانَ مُسْتَحَباً، لَفَعَلَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم  وَأَفَاضِلُ أَصْحَابِه».

     وبين النووي سبب الكراهة فقال: «قال المازري: يحتمل أن يكون سبب النهي عن النذر كون الناذر يصير ملتزما له، فيأتي به تكلفا بغير نشاط. قال: ويحتمل أن يكون سببه كونه يأتي بالقربة التي التزمها في نذره على صورة المعاوضة للأمر الذي طلبه فينقص أجره، وشأن العبادة أن تكون متمحضة لله تعالى، وقال القاضي عياض: ويحتمل أن النهي لكونه قد يظن بعض الجهلة أن النذر يرد القدر ويمنع حصول المقدر، فنهى عنه خوفا من جاهل يعتقد ذلك». ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم : «لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً، وإنما يستخرج به من مال البخيل»، قال النووي: «معناه أنه - أي البخيل - لا يأتي بهذه القربة تطوعا محضا مبتدأ، وإنما يأتي بها في مقابلة شفاء مريض وغيرها مما تعلق النذر به».

     وبين صلى عليه وسلم أن النذر لا يغير من القدر شيئا، فلا يقدم ولا يؤخر فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «لا يأتي ابنَ آدم النذرُ بشيء لم يكن قدر له، ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدر له ، فيستخرج الله به من البخيل، فيؤتى عليه ما لم يكن يؤتى عليه من قبل».متفق عليه.

قال الشيخ ابن عثيمين مبينا جواب الإشكال: «إن الله لم يثن على الناذرين، وإنما أثنى على الموفين، وفرق بين الأمرين، فقوله تعالى: {يوفون بالنذر}معناه أنهم إذا نذروا شيئا لم يهملوه بل قاموا به».

والنذر عبادة يجب أن يكون لله وحده، ولهذا أثنى على من نذر لله تعالى وأوفى بنذره، وصرفه لغير الله تعالى شرك، قال شيخ الإسلام:”وأما النذر للموتى من الأنبياء والمشايخ وغيرهم أو لقبورهم أو المقيمين عند قبورهم فهو نذر شرك ومعصية لله تعالى”.

ويشترط في النذر أن يصدر من ذي أهلية ـ وهو المكلف البالغ العاقل ـ لأنه تصرف قولي يترتب عليه أثر شرعي فلابد من الأهلية.

كما يشترط فيه القدرة الحسية والشرعية لقوله صلى الله عليه وسلم : «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك» أخرجه أحمد والنسائي، فلو نذر أن يصوم أمس فلا ينعقد النذر لتعذره حسا، ولو نذر أن يصوم يوم العيد فلا ينعقد لأنه ممنوع شرعا.

وذكر العلماء للنذر أنواعاً عديدة منها:

- أَحَدُهَا : نَذرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ: وَهُوَ الَّذِي يُخْرِجُهُ الناذر مَخْرَجَ الْيَمِينِ، لِيحَثِّ نفسه أو غيره عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ الْمَنْعِ مِنْهُ، غَيْرَ قَاصِدٍ بِهِ لِلنَّذرِ، وَلا الْقُرْبَةِ، كأن يقول: إن فعلت كذا فعليّ صوم أو حج أو صدقة، فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ فيخير بين ما التزمه أو كفارة اليمين، ودليل ذلك ما ثبت عن الصحابة الكرام:

فعن عائشة أنها سئلت عن رجل جعل كل مال له في رتاج الكعبة، في شيء كان بينه وبين عمة له ، قالت عائشة :” يكفره ما يكفر اليمين “.

وعن ابن عباس قيل له: ما تقول في امرأة جعلت بردها عليها هدياً إن لبسته ؟ فقال ابن عباس: في غضب أم في رضا؟ قالوا: في غضب قال: «إن الله تعالى لا يـُتـقرَّب إليه بالغضب، لتكفر عن يمينها».

     ومثله عن عمر وابن عمر وغيرهم، ووجه الدلالة أن الصحابة سموا نذر اللجاج والغضب (يميناً) لما فيه من معنى اليمين، ثم أوجبوا فيه كفارة اليمين، ولم يلزموا الحالف ما التزمه من الحج والصيام والصدقة، لأنه لم يلتزمه على وجه القربة، بل كان في الغضب بقصد الحض أو المنع .

- الثَّانِي: نَذرُ الطَاعَةٍ وَالتُبَرَّرُ:وَهو أن يلتزم الناذر ما يعد طاعة لله تعالى كالصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْحَج وَالْعُمْرَة وَالصَّدَقَة وَالِاعْتِكَاف، سَوَاءٌ: نذرَهُ مُطْلَقاً بِأَنْ يَقُولَ ابْتِدَاءً: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ، فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ مِثْلَ قَوْلِهِ: إنْ شَفَانِي اللَّهُ، أَوْ شَفَى فُلاناً، أَوْ سَلِمَ مَالِي الْغَائِبُ ونحوه، فَأَدْرَكَ مَا أَمَّلَ بُلُوغَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَيَلْزَمه الْوَفَاءُ بِهِ، وذكر ابن قدامة والنووي الإجماع على ذلك لقَوْلُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ»، وَذَمُّه الَّذِينَ يَنْذُرُونَ وَلَا يُوفُونَ كما بوب البخاري (باب إثم من لا يفي بالنذر) وذكر حديث: «خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم ينذرون ولا يوفون» الحديث، قال ابن بطال: «سوّى بين من يخون أمانته ومن لا يفي بنذره، والخيانة مذمومة فيكون ترك الوفاء بالنذر مذموما».

- الثَّالِثُ : نَذرُ الْمَعْصِيَةِ: كأن يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَّ أَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ أَقْتُلَ النَّفْسَ الْمُحَرَّمَةَ، قال ابن قدامة: «لا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ إجْمَاعاً؛ وَلِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم  قَال: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ»؛ وَلِأَنَّ مَعْصِيَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَحِلُّ فِي حَالٍ.

ويَجِبُ عَلَى النَّاذِرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لقوله صلى الله عليه وسلم : «لَا نَذرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ». أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني

- الرابع: نذر المباح: وهو نذر ما لم يرد فيه ترغيب من جهة الشارع، كما لو قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَرْكَبَ دَابَّتِي، أَوْ أَسْكُنَ دَارِي وَمَا أَشْبَهَهُ، لَمْ يَكُنْ هَذَا نَذْرَ طَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ فهذا ينعقد ويَتَخَيَّرُ النَّاذِرُبَيْنَ فِعْلِهِ فَيَبَرُّ بِذَلِكَ أو يكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ .

لِمَا أخرجه أبو داود أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَتْ: إنِّي نَذَرْت أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِك بِالدُّفِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «أَوْفِ بِنَذرِك».

- الخامس: النَّذْرُ الْمُبْهَمُ أو المطلق: وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَى نَذرٌ، دون أن يبين ما التزمه من أعمال ، فَهَذَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «كَفَّارَةُ النَّذرِ إذَا لَمْ يُسَمِّهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» أخرجه الترمذي وأبو داود .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك