رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 8 مارس، 2015 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن- لا يغرّنكم صلاة امرئ ولا صيامه

يغتر كثير من الناس بالسلوك الظاهر للشخص، فإذا وجدوا منه عبادة ظاهرة، وصلاحا ظاهريا، حكموا عليه بالاستقامة وصحة المنهج، ثم نسبوا ما قد يصدر عنه من تصرفات غريبة، وسلوك منحرف إلى الإسلام؛ لأنه مسلم صالح بزعمهم، فيتهمون الدين بتهم كاذبة، وإدعاءات مفتراة بسبب عدم التمييز بين الدين المنزل وتصرفات بعض من ينتسب إلى الدين.

في حين أن الأدلة الشرعية والآثار السلفية تدل على أن حقيقة الصلاح إنما تكون بصحة الاعتقاد، وسلامة المنهج، وحسن الخلق، والعاقل لا يغتر بصلاح الظاهر حتى يتحقق من سلامة المنهج وحسن التطبيق وجودة التدين.

     قال تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (المنافقون: 1)، قال ابن كثير: «يقول تعالى مخبرا عن المنافقين: إنهم إنما يتفوهون بالإسلام إذا جاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم  فأما في باطن الأمر فليسوا كذلك، بل على الضد من ذلك».

     ثم قال سبحانه عن المنافقين:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ}(المنافقون: 4)، قال الطاهر في معنى{تسمع لقولهم}: «الإصغاء إليهم لحسن إبانتهم وفصاحة كلامهم مع تغريرهم بحلاوة معانيهم تمويه حالهم على المسلمين».ونقل القرطبي عن ابن عباس أنه قال: «كان عبد الله بن أبي -رأس المنافقين- وسيما جسيما صحيحا صبيحا ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم  مقالته».

     وعن أنس قال: ذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «يخرج فيكم أو يكون فيكم قوم يتعبدون ويتدينون حتى يعجبوكم وتعجبهم أنفسهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» أخرجه ابن أبي عاصم وقال الألباني: إسناده صحيح.

     وعن علي قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم  يقول: «سيخرجُ في آخرِ الزمانِ قومٌ أحداثُ الأسنانِ، سُفهاءُ الأحلامِ، يقولون من خيرِ قولِ البريَّةِ، يقرؤون القرآنَ لا يجاوزُ حناجرَهم، يمرُقون من الدِّينِ كما يمرقُ السَّهمُ من الرَّميَّةِ، فإذا لقيتُموهم فاقتُلوهم، فإنَّ في قتلِهم أجرًا لمن قتلهم عند اللهِ يومَ القيامةِ».أخرجه مسلم

قوله: «حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام»: أي صغار الأسنان ضعاف العقول.

قال في النهاية: وقوله: «يقولون من خير قول البرية» أي: خير ما يتكلم به الخلائق، وقيل: أراد بخير قول البرية القرآن، والظاهر أن المراد بخير البرية النبي صلى الله عليه وسلم .

     وقال النووي في معنى «لا يجاوز حناجرهم»: فيه تأويلان أحدهما: معناه لا تفقهه قلوبهم، ولا ينتفعون بما تلوا منه، ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم والحنجرة والحلق؛ إذ بهما تقطيع الحروف، والثاني: معناه لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا تتقبل».

      وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زمانا من دهره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملا سيئا، وإن العبد ليعمل زمانا من دهره بعمل لو مات دخل النار ثم يتحول فيعمل عملا صالحا، فإذا أراد الله بعبده خيرا استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح» أخرجه ابن أبي عاصم في السنة 1/174 وقال الألباني: إسناده صحيح .

فالعبرة ليست بكثرة العبادة وحسن السمت، إنما العبرة بسلامة المنهج، وصدق التدين، وحسن الخلق، وعفة اللسان، والتورع عن الحرام، والبعد عن أذى الناس بالقول أو الفعل.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا يغرّنكم صلاة امرئ، ولا صيامه، ولكن انظروا من إذا حدّث صدق، وإذا ائتمن أدّى، وإذا أشفى ورع».أشفى أي: اقترب من الحرام تورع.

وقال: «ما أخاف على هذه الأمة من مؤمن ينهاه إيمانه، ولا من فاسق بيّن فسقه، ولكني أخاف عليها رجلا قد قرأ القرآن حتى أزلفه بلسانه، ثم تأوله على غير تأويله».

     وقد حذرنا سلف الأمة من التعلق بأهل الصلاح والاستقامة، وتقليدهم في كل ما يقولون ويفعلون دون تمييز بين الصواب والخطأ، فكيف بمن هو دونهم في العلم والاستقامة، بل من ثبت انحرافه عن منهجهم وسبيل المؤمنين، لاشك أنهم أولى وأجدر بالحذر والتوقي.

فعن ابن عباس قال: «ويل للأتباع من عثرات العالم، قيل: كيف ذلك؟ قال: يقول العالم شيئا برأيه ثم يجد من هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منه فيترك قوله ذلك ثم تمضي الأتباع».

      وقال علي بن أبي طالب: «إياكم والاستنان بالرجال، فإن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة؛ ثم ينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل النار فيموت وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار؛ فينقلب لعلم الله فيه، فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت وهو من أهل الجنة، فإن كنتم لا بد فاعلين فبالأموات لا بالأحياء» أخرجه ابن عبد البر في الجامع.

وقال ابن مسعود: «ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في البشر» .

     وقال أيضا: «من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  كانوا أفضل هذه الأمة؛ أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على أثرهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم«.

وقال عبد الله بن المبارك: «رب رجل في الإسلام له قدم حسن وآثار صالحة كانت منه الهفوة والزلة لا يُقتدى به في هفوته وزلته».

وقال الإمام مالك: «ليس كل ما قال رجل قولا – وإن كان له فضل – يتبع عليه لقول الله تعالى: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}.

     قال ابن القيم: ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور، بل مأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين».

     أما التعلق بالأشخاص واتباعهم في أقوالهم وآرائهم واجتهاداتهم وقبولها على الإطلاق دون نظر في مدى موافقتها للحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم  من ربه فهو مسلك خطير مخالف لهدي سلف الأمة كما قال الشاطبي: «إن تحكيم الرجال من غير التفات إلى كونهم وسائل للحكم الشرعي المطلوب شرعا ضلال، وأن الحجة القاطعة والحاكم الأعلى هو الشرع لا غيره ، ثم نقول: إن هذا مذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن رأى سيرهم والنقل عنهم وطالع أحوالهم علم ذلك علما يقينيا ».

     وقال أيضا: «ولقد زل بسبب الإعراض عن الدليل، والاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل»، وقال: «اتباع الرجال شأن أهل الضلال».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك