رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 1 فبراير، 2016 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن- لا يحل لمسلم أن يروع مسلما

يتجاوز بعض الناس حدود المشروع والمقبول في المزاح والمرح، إلى حد يؤذي الآخرين في مشاعرهم بل وفي أبدانهم وأموالهم، وقد يقع ذلك بسبب الجهل بحكم مثل هذا التصرف، أو بسبب عدم المبالاة، وإدمان الضحك المقيت، وافتعال المواقف الهزلية لنشرها على مواقع التواصل تقليدا للسفهاء من الناس والبطالين من ضعاف العقول والأخلاق.

والشرع المطهر يؤكد حرمة المسلم في نفسه وماله وعرضه، وينهى عن إيذاء المؤمنين بأي طريقة كانت، إلا بحق دلت عليه النصوص الشرعية كالعقوبات المشروعة.

     قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}، قال الشيخ ابن سعدي: أذية المؤمنين عظيمة، وإثمها عظيم؛ ولهذا قال فيها: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا}(؟؟؟؟)، أي: بغير جناية منهم موجبة للأذى فقد احتملوا على ظهورهم بهتانا؛ حيث آذوهم بغير سبب وإثما مبينا؛ حيث تعدوا عليهم، وانتهكوا حرمة أمر الله باحترامها.

     وأخرج الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ»، قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْإِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ».

     ولأن الأمان والطمأنينة أمر ضروري للفرد والمجتمعات، رتب الشرع المطهر عقوبة شديدة لمن تعرض لأمن المجتمع وأفراده كما قال -تعالى-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ  ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

قال ابن سعدي:»المحاربون لله ولرسوله، هم الذين بارزوه بالعداوة، وأفسدوا في الأرض بالكفر والقتل، وأخذ الأموال، وإخافة السبل.

     والمشهور أن هذه الآية الكريمة في أحكام قطاع الطريق، الذين يعرضون للناس في القرى والبوادي، فيغصبونهم أموالهم، ويقتلونهم، ويخيفونهم، فيمتنع الناس من سلوك الطريق التي هم بها، فتنقطع بذلك، فأخبر الله أن جزاءهم ونكالهم -عند إقامة الحد عليهم- أن يفعل بهم واحد من هذه الأمور».

وقد نهـي النبي صلى الله عليه وسلم عــن ترويع المسلم فقال: «لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جاداً» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترغيب

قال الشوكاني: «المتاع: المنفعة والسلعة وما تمتعت به من الحوائج، الجمع أمتعة، قوله:(لا لاعبا) فيه دليل على عدم جواز أخذ متاع الإنسان على جهة المزح والهزل».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعبا أو جادا؛ فمن أخذ عصا أخيه فليردها إليه».أخرجه الترمذي وصححه الألباني.

     وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:حدثنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه، فأخذه ففزع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما» رواه أبو داود وصححه الألباني .

قال الشوكاني: «فيه دليل على أنه لا يجوز ترويع المسلم ولو بما صورته صورة المزح».

والمزاح بالسلاح أشد حرمة وتغليظا فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار».أخرجه مسلم

     قال النووي: «قوله: «يشير» وهو نهي بلفظ الخبر كقوله تعالى: {لا تضار والدة} وقد قدمنا مرات أن هذا أبلغ من لفظ النهي. و(لعل الشيطان ينزع) ضبطناه بالعين المهملة، وكذا نقله القاضي عن جميع روايات مسلم ومعناه: يرمي في يده، ويحقق ضربته ورميته. وروي في غير مسلم بالغين المعجمة وهو بمعنى الإغراء أي: يحمل على تحقيق الضرب به، ويزين ذلك».

وعن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم : «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها وإن كان أخاه لأبيه وأمه» أخرجه مسلم.

قال النووي: «فيه تأكيد حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه. وقوله صلى الله عليه وسلم : «وإن كان أخاه لأبيه وأمه» مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد، سواء من يتهم فيه، أم من لا يتهم، وسواء كان هذا هزلا ولعبا، أم لا; لأن ترويع المسلم حرام بكل حال؛ ولأنه قد يسبقه السلاح كما صرح به في الرواية الأخرى، ولعن الملائكة له يدل على أنه حرام».

     بل ذهب الفقه الإسلامي إلى أبعد من ذلك كما قال ابن حجر الهيتمي:» من ائتمنه المالك كوديع يمتنع عليه أخذ ما تحت يده من غير علمه؛ لأن فيه إرعابا له بظن ضياعها، ومنه يؤخذ حرمة كل ما فيه إرعاب للغير، ودليله أن زيد بن ثابت نام في حفر الخندق فأخذ بعض أصحابه سلاحه فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم».

ونقل عن الزركشي أنه قال: إن ما يفعله الناس من أخذ المتاع على سبيل المزاح حرام وقد جاء في الحديث: «لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعبا ولا جادا»، جعله لاعبا من جهة أنه أخذه بنية رده وجعله جادا؛ لأنه روع أخاه المسلم بفقد متاعه».

     وقال ابن عبد البر في التمهيد معللا كراهة اتخاذ الكلاب بغير حاجة مشروعة؛ بأنها تخيف الناس بنباحها فقال: «وقد أجاز مالك وغيره من الفقهاء اقتناء الكلاب للزرع والصيد والماشية، وإنما كُره من ذلك اقتناؤها لغير منفعة وحاجة وكيدة فيكون حينئذ فيه ترويع الناس، وامتناع دخول الملائكة في البيت، والموضع الذي فيه الكلب، فمن هاهنا - والله أعلم - كره اتخاذها».

     وذهب بعض الفقهاء إلى تعزير من أخاف مسلما، وصور له أنه يريد قتله أو إيذاءه، فقال السرخسي في المبسوط: «والرجل يخترط السيف على الرجل، ويريد أن يضربه ولم يفعل، أو شد عليه بسكين أو عصا ثم لم يضربه بشيء من ذلك هل يعزر؟ قال : نعم; لأنه ارتكب ما لا يحل من تخويف المسلم، والقصد إلى قتله».

فينبغي على المسلم أن يتعلم أمر دينه، ويبحث عن هدي نبيه صلى الله عليه وسلم ، ليحقق كمال الامتثال لله -تعالى- في شرعه، ويجتنب الزلل في القول والعمل، فكما جنى الجهل على الناس، وأوردهم المهالك في الدنيا ولآخرة، وبالله التوفيق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك