رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 16 سبتمبر، 2014 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن- لا خلافة إلا عن مشورة

عند اختيار الإمام من قبل أهل الحل والعقد لابد من المشورة، ولا ينفرد بعضهم بالاختيار دون الآخرين

 

الخلافة منصب عظيم، تتوق له نفوس المسلمين؛ حيث ساد قرونا طويلة، وكان رمزا لوحدة المسلمين على اختلاف أماكنهم، واجتماع رايتهم تحت قيادة واحدة، ثم أسقطت الخلافة العثمانية، وقسم العالم الإسلامي إلى دويلات عديدة، عانت من ويلات الاستعمار ما لايخفى على مطلع.

والخلافة أو الإمامة كما يسميها الجويني: «رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة، في مهمات الدين والدنيا، متضمنها: حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الجنف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين».

وقال الماوردي: «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع، وإن شذ عنهم الأصم».

وهذا الوجوب على الكفاية وليس متعينا على كل مسلم كما قال الماوردي: «فإذا ثبت وجوب الإمامة ففرضها على الكفاية».

     وكسائر الأحكام الشرعية، باب الإمامة له شروط شرعية وطرائق مشروعة يجب مراعاتها والإتيان بها ليصح ذلك الحكم، فبعض الناس لفرط عاطفته الدينية، وجهله بالأحكام الشرعية، يريد إقامة الأحكام الشرعيةـ ومنها الخلافة دون نظر في شروطها ولا في طرائق انعقادها، ويتعاطف مع من ينادي بها، دون أن يحكم ذلك بالضوابط الشرعية أو الرجوع إلى أهل العلم الراسخين الذين هم أكثر علما، وأعظم حرصا على الدين، وأشد نصحا لسائر المسلمين.

 

وطرائق عقد الإمامة ثلاثة باتفاق أهل السنة كما جاء في الموسوعة الفقهية:

الأولى: بيعة أهل الحل والعقد، وهم علماء المسلمين ورؤساؤهم، ووجوه الناس، الذين يتيسر اجتماعهم حالة البيعة بلا كلفة، ويشترط فيهم: العدالة بشروطها، والعلم بشروط الإمامة، والرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح، وبتدبير المصالح أقوم وأعرف.

ويبين الجويني أن عقد الإمامة لا مدخل فيه للنساء، ولا للعبيد، ولا للعوام الذين لا يعدون من العلماء وذوي الأحلام، قال: «فخروج هؤلاء عن منصب الحل والعقد ليس به خفاء».

الثانية: ولاية العهد(الاستخلاف)، وهي عهد الإمام الخلافة إلى من يصح إليه العهد يكون إماما بعده، قال الماوردي: «انعقاد الإمامة بعهد من قبله مما انعقد الإجماع على جوازه، ووقع الاتفاق على صحته، لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما:

- أحدهما: أن أبا بكر عهد بها إلى عمر، فأثبت المسلمون إمامته بعهده.

- والثاني: أن عمرعهد بها إلى أهل الشورى، فقبلت الجماعة دخولهم فيها.

الثالثة: الاستيلاء بالقوة: قال الدسوقي في حاشيته في طرائق ثبوت الإمامة: «وإما بالتغلب على الناس؛ لأن من اشتدت وطأته بالتغلب، وجبت طاعته، ولا يراعى في هذا شروط الإمامة؛ إذ المدار على درء المفاسد، وارتكاب أخف الضررين».

     وكان ابن عمر امتنع أن يبايع ابن الزبير أو عبد الملك بن مروان فلما غلب عبد الملك بايعه، كما أخرج البخاري عن عبد الله بن دينار قال: «شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك قال: كتب إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت، وإن بنيّ قد أقروا بمثل ذلك»، قال ابن حجر: «والمراد بالاجتماع اجتماع الكلمة وكانت قبل ذلك مفرقة».

وقال الإمام الشافعي: «كل من غلب على الخلافة بالسيف، حتى يسمى خليفة ويجمع الناس عليه، فهو خليفة».

     وعند اختيار الإمام من قبل أهل الحل والعقد لابد من المشورة، ولا ينفرد بعضهم بالاختيار دون الآخرين، فقد غضب عمر رضي الله عنه من هذا الأمر وحذر منه أشد التحذير، ولك فيما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: «كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها؛ إذ رجع إليّ عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت». فغضب عمر ثم قال: «إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم»، في حديث طويل فلما قدم عمر المدينة خطب الناس خطبة طويلة وقال فيها: «إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: «والله لو قد مات عمر بايعت فلانا»، فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا» وقال في آخر الحديث: «فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا».

وجاء في رواية: «إنه لا خلافة إلا عن مشورة» رواه النسائي في الكبرى - كتاب الرجم - باب تثبيت الرجم - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف.

قال ابن حجر: «في رواية معمر من وجه آخر عن عمر: «من دعي إلى إمارة من غير مشورة فلا يحل له أن يقبل».

قال ابن حجر: «قوله: «تغرة أن يقتلا» أي حذرا من القتل، والمعنى أن من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل».

وقال أيضا: «والذي يظهر من سياق القصة أن إنكار عمر إنما هو على من أراد مبايعة شخص من غير مشورة من المسلمين».

- والخلاصة: أن ظهور ادعاء الخلافة من بعض الناس، لا يعني بالضرورة صدق تلك الدعوى، أو ثبوتها شرعا، بل لابد من توافر شروطها، والنظر في طريق انعقادها، وهذا النظر لا يصلح لآحاد الناس، بل إن الأمور العامة، والمسائل الجسيمة يرجع فيها لأهل العلم الراسخين، من علماء الأمة وفقهائها، وهم متوافرون -بحمد الله- في كل بلد وقطر،يمكن بسهولة الرجوع إليهم وسؤالهم كما أمرنا الله -تعالى- بقوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }(النساء:83) يقول الشيخ ابن سعدي: «هذا تأديب من الله لعباده، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة، ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم؛ أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها». نٍسأل الله تعالى الهداية والتوفيق والسلامة من الفتن والزلل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك