رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 19 أكتوبر، 2015 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن- الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ مِثْلُ الصَّائِمِ الصَّابِرِ

يظن بعض المسلمين أن العبادة الأفضل دائما هي الأشق والأكثر تعبا، في حين أن النصوص الشرعية تقرر أن بعض الأعمال اليسيرة قد تدرك فضل الأعمال الشاقة إن لم تفضلها؛ وذلك أن العبرة ليست بالمشقة، بل بما يقوم في قلب العابد العامل من الإخلاص وتعظيم الله تعالى، والله تعالى قد فتح أبواب الخيرات المتنوعة ليدخلها المكلفون كل على حسب طاقته وظروفه، فلا يحرم أحد من الأجر والفضل لفقره أو عجزه أو مرضه، وإنما العبرة بما يكون في القلوب من تقوى الله تعالى وتعظيمه.

     ومما يدل على هذا الأصل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بأمر إِنْ أَخَذْتُمْ به أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ» الحديث متفق عليه.

فضل الغني الشاكر

     قال النووي: «وفي هذا الحديث دليل لمن فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر». وقال ابن حجر: «وفيه أن العمل السهل قد يدرك به صاحبه فضل العمل الشاق». وقال: «وفيه أن العمل القاصر قد يساوي المتعدي خلافا لمن قال:إن المتعدي أفضل مطلقا». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحب، فمن ضن بالمال أن ينفقه، وخاف العدو أن يجاهده، وهاب الليل أن يكابده، فليكثر من قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر». رواه الطبراني وصححه الألباني.

فضل الذكر

     ومعنى الحديث أن من ابتلي بشيء من هذا جُعل له ما يعوضه من الذكر المأثور. وقال النبي[: «إن للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر» أخرجه  الحاكم وصححه الألباني، وعند البخاري في الصحيح معلقا، وابن خزيمة في الصحيح بلفظ: «الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ مِثْلُ الصَّائِمِ الصَّابِرِ». والحديث عند الترمذي وغيره بلفظ: «الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر» وبعضهم بلفظ : «له مثل أجر» أخرجه الترمذي وابن ماجه، وصححهما الألباني.

شكر الطاعم

    قال ابن حبان في صحيحه: «شكر الطاعم الذي يقوم بإزاء أجر الصائم الصابر هو أن يطعم المسلم ثم لا يعصي باريه، يقويه ويتم شكره بإتيان طاعاته بجوارحه؛ لأن الصائم قرن به الصبر لصبره عن المحظورات، وكذلك قرن بالطاعم الشكر؛ فيجب أن يكون هذا الشكر الذي يقوم بإزاء ذلك الصبر يقاربه أو يشاكله، وهو ترك المحظورات على ما ذكرناه». وفي شرح الترمذي: «أي الطاعم الشاكر لله -تعالى- بمنزلة الصائم الصابر؛ لأن الطعم فعل والصوم كف, فالطاعم بطعمه يأتي ربه بالشكر، والصائم بكفه عن الطعم يأتيه بالصبر».

أقل الشكر

     قال القاري: «أقل شكره أن يسمي إذا أكل، ويحمد إذا فرغ، وأقل صبره أن يحبس نفسه عن مفسدات الصوم». وفي شرح سنن ابن ماجه للسندي قوله: «الطاعم الشاكر»، ‏‏أي: الذي يعرف قوة ذلك الطعام في طاعته -تعالى- ‏‏«بمنزلة الصائم» ‏في أن كلا منهما في الطاعة المقصودة من خلق الإنسان، فإن المقصود من خلق الإنسان الطاعة لا خصوص الصوم، وظاهر الحديث الآتي المساواة في الأجر، لكن الظاهر أن يراد في أنهما متساويان في أن كلا منهما مأجور».

ثواب الصائم الصابر

وقال الحافظ ابن حجر: «قال ابن التين: الطاعم هو الحسن الحال في المطعم. وقال ابن بطال: هذا من تفضل الله على عباده أن جعل للطاعم إذا شكر ربه على ما أنعم به عليه ثواب الصائم الصابر».

     وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: التَّشْبِيه هُنَا فِي أَصْل الثَّوَاب لَا فِي الْكَمِّيَّة وَلَا الْكَيْفِيَّة, وَالتَّشْبِيه لَا يَسْتَلْزِم الْمُمَاثَلَة مِنْ جَمِيع الْأَوْجُه. وَقَالَ الطِّيبِي: رُبَّمَا تَوَهَّمَ مُتَوَهِّم أَنَّ ثَوَاب الشُّكْر يَقْصُر عَنْ ثَوَاب الصَّبْر، فَأُزِيل تَوَهُّمه, أَوْ وَجْه الشَّبَه اِشْتِرَاكهمَا فِي حَبْس النَّفْس , فَالصَّابِر يَحْبِس نَفْسه عَلَى طَاعَة الْمُنْعِم، وَالشَّاكِر يَحْبِس نَفْسه عَلَى مَحَبَّته. وقال الحافظ: في الحديث الحث على شكر الله على جميع نعمه؛ إذ لا يختص ذلك بالأكل.

الغني والفقير سواء

     وفيه رفع الاختلاف المشهور في الغني الشاكر والفقير الصابر وأنـهما سواء، كذا قيل، ومساق الحديث يقتضي تفضيل الفقير الصابر؛ لأن الأصل أن المشبه به أعلى درجة من المشبه. والتحقيق عند أهل الحذق ألا يجاب في ذلك بجواب كُلِّي بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص والأحوال، نَعَم عند الاستواء من كل جهة وفَرْضِ رَفْعِ العَوَارِضِ بأسرها؛ فالفقير أسلم عاقبة في الدار الآخرة، ولا ينبغي أن يُعْدَلَ بالسلامة شيءٌ والله أعلم».

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «والغني الشاكر والفقير الصابر أفضلهما أتقاهما لله، فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة».

أفضلهما اقتاهما

     قال ابن القيم -رحمه الله-: «والتحقيق أن يقال: أفضلهما أتقاهما لله -تعالى- فإن فُرِض استواؤهما فى التقوى استويا فى الفضل، فإن الله -سبحانه- لم يُفَضِّل بالفقر والغِنَى، كما لم يفضل بالعافيةِ والبلاء، وإنما فَضَّلَ بالتقوى، كما قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}(الحجرات: 13)، وقد  صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربى على عجمى ولا فضل لعجمى على عربى إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب».

والتقوى مبنيةٌ على أصلين: الصبر والشكر، وكل من الغَنِي والفقير لا بد له منهما، فمن كان صبْرُه وشُكْرُه أتم كان أفضل».

فإن: قيل فإذا كان صبرُ الفقير أتم، وشكرُ الغني أتم، فأيهما أفضل؟ قيل: أتقاهما لله في وظيفته ومقتضى حاله، ولا يصح التفضيل بغير هذا البتة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك