رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 10 نوفمبر، 2013 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن- الشؤم في ثلاثة


التفاؤل هو انشراح القلب، وتوقع الخير بما يسمعه الإنسان من الكلم الطيب، والقرآن الكريم يدعونا للتفاؤل قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(آل عمران: 139).  وقال تعالى: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}(يوسف: 87).، وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة» متفق عليه.

إلا أن بعض المسلمين يبحث عن النكد، ويعشق الكآبة، ويغض الطرف عما أنعم الله به عليه، فلا ينظر إلا إلى السلبيات، ويتوقع الشر من كل شيء، ويقلب المنح إلى محن ومصائب.

     ولعل بعضهم يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم : «الشؤم في الدار والمرأة والفرس» وفي رواية: «إنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار» متفق عليه.

     وقد نقل الإمام النووي والحافظ ابن حجر وابن القيم وغيرهم من المحققين اختلاف العلماء في توجيه هذا الحديث وبيان المراد به، فذكروا مذاهب كثيرة، بعضها وجيه وبعضها ضعيف، إلا أنهم نفوا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم  قرر الطيرة بمعناها الجاهلي المحرم، كيف وقد جاء في أحاديث صحيحة قوله صلى الله عليه وسلم : «لاطيرة»، وقال: «الطيرة شرك».

     فقالت طائفة في شرح الحديث: لم يجزم النبي صلى الله عليه وسلم  بالشؤم في هذه الثلاثة بل علقه على الشرط، فقال: «إن يكن الشؤم في شيء»، ولا يلزم من صدق الشرطية صدق كل واحد من مفرديها، فقد يصدق التلازم بين المستحيلين، مع أن كل واحد منهما غير ممكن الوقوع بذاته.

     وقالت طائفة أخرى: إن هذا من باب المجاز، فالشؤم ليس فيها، بل قد يحصل عندها مقارنا لها قدرا، كالدار يكون قد قضى الله تعالى عليها أن يميت فيها خلقا من عباده، كما يقدر ذلك في البلد الذي ينزل الطاعون به، فيضاف ذلك إلى المكان مجازا والله خلقه عنده وقدره فيه، فالدار التي يهلك بها أكثر ساكنيها توصف بالشؤم؛ لأن الله -تعالى- قد خصها بكثرة من قبض فيها كتب الله عليه الموت في تلك الدار .

     وقالت طائفة أخرى: شؤم الدار ضيقها ومجاورة جار السوء، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها في سبيل الله وغلاء ثمنها، وشؤم المرأة أن لا تلد وسوء خلقها.

     وقالت طائفة أخرى منهم الخطابي هذا مستثنى من الطيرة أي أن الطيرة منهى عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم، فليفارق الجميع بالبيع والطلاق ونحوه ولا يقيم على الكراهة والتأذي به؛ فإنه شؤم، أو لأنه متى استمر فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم.

     وقالت طائفة أخرى: إن هذا من باب العقوبة، فالشؤم في هذه الثلاثة إنما يلحق من تشاءم بها وتطير بها فيكون شؤمها عليه، ومن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير لم تكن مشؤمة عليه. قالوا: ويدل عليه حديث أنس: «الطيرة على من تطير»، وقد يجعل الله -سبحانه- تطير العبد وتشاؤمه سببا لحلول المكروه به، كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به.

     وقالت طائفة أخرى: معنى الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم عن الأسباب المثيرة للطيرة الكامنة في الغرائز، يعنى أن المثير للطيرة في غرائز الناس هي هذه الثلاثة، فأخبرنا بهذا لنأخذ الحذر منها، فقال: «الشؤم في الدار والمرأة والفرس» أي: أن الحوادث التي تكثر مع هذه الأشياء والمصائب التي تتوالى عندها تدعو الناس إلى التشاؤم بها.

     قال ابن القيم موضحا حقيقة الأمر: «فمن اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  نسب الطيرة والشؤم إلى شيء من الأشياء على سبيل أنه مؤثر بذلك دون الله فقد أعظم الفرية على الله وعلى رسوله وضل ضلالا بعيدا، والنبي صلى الله عليه وسلم ابتدأهم بنفي الطيرة والعدوى ثم قال: «الشؤم في ثلاث» قطعا لتوهم المنفية في الثلاثة التي أخبر أن الشؤم يكون فيها فقال: «لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاثة» فابتدأهم بالمؤخر من الخير تعجيلا لهم بالإخبار بفساد العدوى والطيرة المتوهمة من قوله: «الشؤم في ثلاثة»، وبالجملة فإخباره صلى الله عليه وسلم بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها، وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشؤومة على من قاربها وسكنها، وأعيانا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، وهذا كما يعطى سبحانه الوالدين ولدا مباركا يريان الخير على وجهه، ويعطى غيرهما ولدا مشؤما نذلا يريان الشر على وجهه، فكذلك الدار والمرأة والفرس، والله سبحانه خالق الخير والشر والسعود والنحوس، فيخلق بعض هذه الأعيان سعودا مباركة، ويقضى سعادة من قارنها وحصول اليمن له والبركة، ويخلق بعض ذلك نحوسا يتنحس بها من قارنها، وكل ذلك بقضائه وقدره، كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة، فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة ولذذ بها من قارنها من الناس، وخلق ضدها وجعلها سببا لإيذاء من قارنها من الناس، والفرق بين هذين النوعين يدرك بالحس، فكذلك في الديار والنساء والخيل، فهذا لون والطيرة الشركية لون آخر».

     وأما ما رواه أبو داود عن أنس: «قال رجل: يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا وأموالنا فتحولنا إلى أخرى فقل فيها ذلك فقال: «ذروها ذميمة»، قال: وإنما أمرهم بالخروج منها لاعتقادهم أن ذلك منها وليس كما ظنوا، لكن الخالق جل وعلا جعل ذلك وفقا لظهور قضائه، وأمرهم بالخروج منها لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء فيستمر اعتقادهم.

     وقال الشيخ ابن باز: «الطيرة نوعان: الأول من الشرك وهي التشاؤم من المرئيات أو المسموعات فهذه يقال لها: طيرة وهي من الشرك ولا تجوز، الثاني: مستثناة وهذا ليس من الطيرة الممنوعة؛ ولهذا في الحديث الصحيح: «الشؤم في ثلاث: في المرأة وفي الدار وفي الدابة»، وهذه هي المستثناة وليست من الطيرة الممنوعة؛ لأن بعضهم يقول: إن بعض النساء أو الدواب فيهن شؤم وشر بإذن الله، وهو شر قدري، فإذا ترك البيت الذي لم يناسبه، أو طلق المرأة التي لم تناسبه، أو الدابة أيضاً التي لم تناسبه فلا بأس فليس هذا من الطيرة».

     وقال الشيخ ابن عثيمين: «ربما يكون بعض المنازل أو بعض المركوبات أو بعض الزوجات مشؤوما يجعل الله -بحكمته- مع مصاحبته إما ضررا أو فوات منفعة أو نحو ذلك ، وعلى هذا فلا بأس ببيع هذا البيت والانتقال إلى بيت غيره ، ولعل الله أن يجعل الخير فيما ينتقل إليه ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الشؤم في ثلاث: الدار، والمرأة والفرس»، فبعض المركوبات يكون فيها شؤم، وبعض الزوجات يكون فيهن شؤم، وبعض البيوت يكون فيها شؤم، فإذا رأى الإنسان ذلك فليعلم أنه بتقدير الله – عز وجل – وأن الله -سبحانه وتعالى بحكمته -قدر ذلك لينتقل الإنسان إلى محل آخر».

     فعلى المسلم أن يحسن الظن بربه، ويعقد قلبه بالتوكل عليه، وينطلق في حياته محققا مصالحه الدينية والدنيوية، بعيدا عن الكسل والتقاعس، أو التطير والتشاؤم، فالإسلام حرر الإنسان من الأوهام، وبنى عقيدته على اليقين بالله - تعالى- ربا وخالقا وملكا مدبرا، وإلها واحدا لا شريك له في ربوبيته ولا ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته، فالخير بيديه، والأمر إليه، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك