رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 6 يناير، 2014 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن – الدعاء هو العبادة (2-2)

 

الدعاء له شروط وآداب حتى يكون صحيحا حريا بالإجابة، وقد ذكر العلماء هذه الشروط أخذا من النصوص الشرعية والقواعد الكلية، فمن هذه الشروط:

 

1- ألا يدعوَ إلا الله عز وجل، قال الله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}(البينة: 5)، وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «إذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» رواه الترمذي، والدعاء هو العبادة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فالإخلاص شرط لقبوله.

 

2- تجنب الاستعجال، فإنه من آفات الدعاء التي تمنع قبول الدعاء، وفي الحديث: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي». متفق عليه، وفي لفظ مسلم: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يتعجل. قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء».

3- أن لا يكون في الدعاء إثم ولا قطيعة كما في الحديث السابق: «يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم».

4- حسن الظن بالله قال صلى الله عليه وسلم : «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي». متفق عليه ويوضحه حديث أبي هريرة فيقول النبي[: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» رواه الترمذي وحسنه الألباني .

5- حضور القلب كما قال صلى الله عليه وسلم : «واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب لاه» رواه الترمذي وحسنه الألباني.

-6 إطابة المأكل قال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(المائدة: 27)، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم : «أن من موانع إجابة الدعاء أكل الحرام؛ ففي الحديث المشهور ذكر صلى الله عليه وسلم  الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذيَ بالحرام فأني يستجاب لذلك»؟ رواه مسلم .

قال ابن القيم: «وكذلك أكل الحرام يبطل قوته – يعني الدعاء – ويضعفها».

-7 تجنب الاعتداء في الدعاء فإنه -سبحانه وتعالى- لا يحب الاعتداء في الدعاء قال سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(الأعراف: 55)، ومن الاعتداء أن يسأل ما لا يحل له كمنازل الأنبياء ، أو يسأل شيئا محرما.

وأما آداب الدعاء  فهي عديدة منها:

1- أن يسأل اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى، قال الله تعالى{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }(الأعراف: 180).

2- الثناء على الله تعالى قبل الدعاء بما هو أهله، فعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ» رواه الترمذي وفي رواية له: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ»، قَالَ : ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «أَيُّهَا الْمُصَلِّي، ادْعُ تُجَبْ».

3- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كل دعاء محجوب حتى تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم » رواه الطبراني في «الأوسط» وصححه الشيخ الألباني.

4- استقبال القبلة، فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي ، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ» الحديث أخرجه مسلم.

قال النووي: «فِيهِ اِسْتِحْبَاب اِسْتِقْبَال الْقِبْلَة فِي الدُّعَاء ، وَرَفْع الْيَدَيْنِ فِيهِ».

5- رفع اليدين، فعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا». رواه أبو داود، وصححه الشيخ الألباني.

ويكون باطن الكف إلى السماء على صفة الطالب المتذلل الفقير، فعن مَالِكِ بْنَ يَسَارٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا». رواه أبو داود صححه الشيخ الألباني.

     وهل يضم يديه عند رفعهما أو يجعل بينهما فرجة ؟ نص الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «الشرح الممتع» أنها تكون مضمومة. ونص كلامه: «وأما التفريج والمباعدة بينهما فلا أعلم له أصلا لا في السنة ولا في كلام العلماء».

6- الجزم فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ، فَإِنَّ اللهَ لا مُكْرِهَ لَهُ» متفق عليه.

7 -  التضرع والخشوع والرغبة والرهبة، قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}(الأعراف: 55) وقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}(الأنبياء: 90).

 8- الدعاء ثلاثاً، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه في حديث طويل أنه قَالَ: وَكَانَ - أي النبي صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا، وَإِذَا سأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا».

9- إخفاء الدعاء وعدم الجهر به، قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}(الأعراف: 55)، وقال الله تعالى عن عبده زكريا عليه السلام :{إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}(مريم: 3). قال ابن مفلح: «يكره رفع الصوت بالدعاء مطلقا، قال المروزي سمعت أبا عبد الله - يعني الإمام أحمد - يقول: ينبغي أن يسرَّ دعاءه لقوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلً}(الإسراء:110) قال: هذا الدعاء».

     وعلى المسلم أن يحذر أمورا منها الدعاء على الأهل والمال والنفس، فعن جابرقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم» رواه مسلم.

     ومنها تكلّف السجع في الدعاء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلون إلا ذلك». يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب - أخرجه البخاري.

فهذه بعض شروط وآداب الدعاء، نسأل الله تعالى أن يوفقنا للدعاء ولا يحرمنا الإجابة، إنه سميع مجيب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك