رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 14 ديسمبر، 2015 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن «إن الله يبغض الفاحش البذيء»

يبتلى المرء أحيانا في بعض المجالس بإنسان مستقبح اللفظ، فاحش اللسان، بذيء المنطق، خلع جلباب الحياء، إذا تكلم انزوى منه الجليس، وانقبض الأنيس، ومجته الأذواق السليمة، وللأسف فبعض الحضور يأنس بذلك، ويشجعه على المزيد من البذاءة وفحش القول، كأن الرجولة مرتبطة بالبذاءة، فكلما زادت الوقاحة والتهتك زادت الرجولة والفروسية.

والإسلام يأمرنا بالعفة والحياء ويعد ذلك من الإيمان، ويحذرنا من البذاءة والوقاحة ويعد ذلك من النفاق، والأحاديث في ذلك كثيرة ودلالتها صريحة على ذلك.

الْحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ

     فعَنْ قُرَّةَ بن إياس قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْحَيَاءُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الْحَيَاءَ الْعَفَافُ، وَالْعِيَّ عِيُّ اللِّسَانِ لا عِيُّ الْقَلْبِ، والفقه مِنَ الإِيمَانِ، وَإِنَّهُنَّ يَزِدْنَ فِي الآخِرَةِ، وَيَنْقُصْنَ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا يَزِدْنَ فِي الآخِرَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَزِدْنَ فِي الدُّنْيَا، وإن الشح والعجز والبذاء من النفاق، وإنهن يزدن في الدنيا، وينقصن من الآخرة، وما ينقصن من الآخرة أكثر مما يزدن من الدنيا» أخرجه الطبراني وقال الألباني: صحيح لغيره.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار» أخرجه أحمد وقال الألباني: حسن صحيح.

عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق».أخرجه الترمذي وصححه الألباني

     قال النووي: «حَقِيقَةُ الحَياء خُلُقٌ يبْعثُ على تَرْكِ الْقَبِيحِ ، ويمْنَعُ منَ التقْصير في حَقِّ ذِي الحَقِّ». أما البذاء فهو كما قال الكفوي: هو التعبير عن الأمور المستقبحة، بالعبارات الصريحة. وقال الراغب: «الفحش، والفحشاء، والفاحشة: ما عظم قبحه، من الأفعال، والأقوال».

     قال الترمذي موضحا مفردات الحديث: «والعي قلة الكلام» أي: تحرزا عن الوقوع في الإثم أو فيما لا ينبغي، والبذاء هو الفحش في الكلام، والبيان هو كثرة الكلام مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيوسعون في الكلام، ويتفصحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله».

     وقوله: «الحياء والعي» أي: العجز في الكلام، والمراد به في هذا المقام هو السكوت عما فيه إثم من النثر والشعر، لا ما يكون للخلل في اللسان قاله القاري. وقال في المجمع: «العي التحير في الكلام، وأراد به ما كان بسبب التأمل في المقال، والتحرز عن الوبال».

     قوله: «شعبتان من الإيمان» أي أثران من آثاره، فإن المؤمن يحمله الإيمان على الحياء فيترك القبائح حياء من الله -تعالى- ويمنعه عن الاجتراء على الكلام شفقة عن عثرة اللسان، فهما شعبتان من شعب الإيمان، والحاصل أن الإيمان منشؤهما ومنشأ كل معروف وإحسان.

(والبذاء) فحش الكلام أو خلاف الحياء

(والبيان) أي: الفصاحة الزائدة عن مقدار حاجة الإنسان من التعمق في النطق وإظهار التفاصح للتقدم على الأعيان، وقال في المجمع: أراد بالبيان ما يكون سببه الاجتراء وعدم المبالاة بالطغيان والتحرز عن الزور والبهتان».

     (شعبتان من النفاق) قال في التيسير: «أي: هما خصلتان منشؤهما النفاق أو مؤديان إليه، وأراد بالبيان هنا كثرة الكلام، والتكلف للناس بكثرة التملق والثناء عليهم، وإظهار التفصح، ذلك ليس من شأن أهل الإيمان، وقد يتملق الإنسان إلى حد يخرجه إلى صريح النفاق وحقيقته».

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» متفق عليه.

ليس المؤمن بالطعان

     وعن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء» أخرجه الطبراني وقال الألباني: صحيح لغيره. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه» أخرجه الترمذي وصححه الألباني.

     وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» أخرجه الحاكم وصححه الألباني. وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء» أخرجه الترمذي.

قال ابن بطال في قوله: «ولا الفاحش». أي: فاعل الفحش أو قائله.

«ولا البذيء» وهو الذي لا حياء له، فعلى هذا يخص الفاحش بالفعل لئلا يلزم التكرار، أو يحمل على العموم، والثاني يكون تخصيصًا بعد تعميم بزيادة الاهتمام به؛ لأنه متعد.

وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء» أخرجه الترمذي وصححه الألباني.

قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: «ألأَمُ خُلق المؤمن، الفحش»، وقال: «من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله».

وقال الأحنف بن قيس: «أولا أخبركم بأدوأ الداء: اللسان البذيء، والخلق الدنيء».

سبيل الجنة

     فمما تقدم من الأحاديث الثابتة تبين أن الحياء من الإيمان وأنه سبيل للجنة، وأن البذاء من النفاق وأنه سبيل للنار؛ فعلى الإنسان أن يعود لسانه على العفة وقلبه على الحياء، ويتوقى الفحش في القول، ويحذر من أصحاب الوقاحة والتهتك؛ لأن التدرب على الأمرين سهل، فمن أمثال العرب: «اللسان مركب ذلول»، يعني أن الإنسان يقدر على قول الخير والشر، فلا يعود لسانه على مقالة السوء فقد قال ابن حبان البستي: «إنَّ الوقح إذا لزم البذاء، كان وجود الخير منه معدومًا، وتواتر الشر منه موجودًا؛ لأنَّ الحياء هو الحائل بين المرء وبين المزجورات كلها، فبقوة الحياء يضعف ارتكابه إياها، وبضعف الحياء تقوى مباشرته إياها».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك