رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 22 سبتمبر، 2014 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن «إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمادون»

شاع لدى بعض الناس -وللأسف- البحث عن السلبيات وتضخيمها، والحديث عن المصائب وتسليط الضوء عليها، فما تكاد تجلس مجلسا إلا وتبدأ أحاديث الضجر والتسخط تتقاذف من كل جانب، ويتبارى القوم في ذكر أسوأ ما يعلمون، وتخرج من المجلس محبطا كأن البلد يعيش على حافة الفقر، والناس تكافح من أجل رغيف العيش الذي لا تجده في أي مكان، ونحو ذلك من مبالغات وإرجافات بعيدة عن الحقيقة، فمن يتأمل حال الناس هنا وحال غيرهم في بلاد الله الواسعة يجد أننا نتقلب في نعم كثيرة، وآلاء عظيمة يتمنى غيرنا عشرها بل أقل من ذلك.

     وجحود النعم والغفلة عنها شيء مذموم، حذرنا الله -تعالى- منه، وأمرنا بضده من الحمد والشكر وتذكر النعم العظيمة والمنن الكثيرة التي حبانا الله بها لنقوم بحقها. والجحود هو الإنكار مع العلم، يقال: جحده حقه: إذا أنكره، كما يطلق الجحد على قلة الخير، يقال: عام جحد أي: قليل المطر، ويقال: رجل جحد شحيح: قليل الخير يظهر الفقر.

     ويبين الغزالي -رحمه الله- سبب التقصير في الشكر فيقول: «لم يقصر بالخلق عن شكر النعم إلا الجهل والغفلة، فإنهم منعوا بالجهل والغفلة عن معرفة النعم، ولا يتصور شكر النعمة إلا بعد معرفة كونها نعمة، ثم إنهم إن عرفوا نعمة ظنوا أن الشكر عليها أن يقول اللسان: الحمد لله والشكر لله، ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن يستعمل النعمة في إتمام الحكمة التي أريدت بها وهي طاعة الله عز وجل، فلا يمنع من الشكر بعد حصول هاتين المعرفتين إلا غلبة الشهوة واستيلاء الشيطان.

     وأما الغفلة عن النعم فلها أسباب، وأحد أسبابها أن الناس بجهلهم لا يعدون ما يعم الخلق ويسلم لهم في جميع أحوالهم (نعمة)، فلذلك لا يشكرون على ما عمّ الله به الخلق من شتى النعم في الكون والنفس.

     وهذا الجاهل الذي لم يقدر نعمة الله عليه مثل العبد السوء، حقه أن يضرب دائما، حتى إذا ترك ضربه ساعة تقلد به (منة)، فإن ترك ضربه على الدوام غلبه البطر وترك الشكر، فصار الناس لا يشكرون إلا المال الذي يتطرق إليه الاختصاص من حيث الكثرة والقلة، وينسون جميع نعم الله -تعالى- عليهم، ولو أمعن الإنسان النظر في أحواله رأى من الله نعما كثيرة تخصه لا يشاركه فيها الناس».

     وقد ذم الله تعالى الجحود في مواضع كثيرة من الكتاب منها قوله سبحانه: {إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}(العاديات:6). قال الحسن: «هو الذي يعد المصائب وينسى نعم الله عليه». وأخبرنا بأن الجاحدين ظالمون فقال سبحانه: {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}(الأنعام:33)، قال ابن عشور: «ذما لهم وإعلاما بأن شأن الظالم الجحد بالحجة، وتسجيلا عليهم بأن الظلم سجيتهم».

     وقال تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}(العنكبوت:49). قال ابن عاشور: «وشأن الظالمين جحد الحق، يحملهم على جحده هوى نفوسهم للظلم، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}(النمل:14). فهم متوغلون في الظلم».

ولأن الجحود صفة بعض النساء استحققن الوعيد كما قال صلى الله عليه وسلم : «أريت النار، فإذا أكثر أهلها النساء؛ يكفرن» قيل: أيكفرن بالله؟ قال: «يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط» متفق عليه.

      ويحثنا النبي صلى الله عليه وسلم  على تذكر النعم وشكرها مهما قلت فيقول: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب» أخرجه أحمد وصححه الألباني.

     ويحذر ابن الأثير من اعتياد التسخط حتى لا يفضي إلى ما هو أخطر وأكبر فيقول: «من كان عادته وطبعه كفران نعمة الناس، وترك شكره لهم، كان من عادته كفر نعمة الله عزوجل، وترك الشكر له».

فالحمد: هو الثناء على الجميل من جهة التعظيم من نعمة وغيرها، وهو إخبار عن محاسن المحمود وإجلاله وتعظيمه، فحمد لله تعالى هو الثناء عليه بالفضيلة.

والحمد أنواع:

- الحمد القولي: هو حمد اللسان وثناؤه على الحق بما أثنى به على نفسه على لسان أنبيائه.

- الحمد الفعلي: هو الإتيان بالأعمال البدنية ابتغاء وجه الله تعالى.

- الحمد الحالي: هو فعل يشعر بتعظيم المنعم كالتخلق بالأخلاق الدينية. فقوله تعالى في سورة الفاتحة: {الحمد لله رب العالمين}(الفتاحة:2) هو إخبار عن حمد الله تعالى لنفسه، وهو أمر للمكلفين بحمده والثناء عليه سبحانه وتعالى.

والحمد هو كلام المؤمنين إذا دخلوا الجنة كما أخبر تعالى عنهم فقال: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}(الزمر:74).

وقال سبحانه: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ  وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} (الأعراف:43).

وأرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم  إلى أن الحمد من أفضل الكلام فقال: «أحب الكلام إلى الله أربع؛ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر لايضرك بأيهن بدأت» رواه مسلم.

     والحمد ولو على أقل النعم سبب لرضى الله -تعالى- كما قال صلى الله عليه وسلم : «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها،أو يشرب الشربة فيحمده عليها» رواه مسلم، وقال أيضا: «من أكل طعاما فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه» أخرجه أبو داود

     وكان النبي صلى الله عليه وسلم  دائم التذكر لنعم الله -تعالى- والثناء عليه سبحانه، فعن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي» رواه مسلم

     وقال صلى الله عليه وسلم : «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها» رواه مسلم.

قال النووي: «هذا حديث عظيم أصل من أصول الاسلام، قد اشتمل على مهمات من قواعد الاسلام. وقوله صلى الله عليه وسلم : «والحمد لله تملأ الميزان»: فمعناه عظم أجرها، وأنه يملأ الميزان».

     ولعظم منزلة الحمد فإن أصحابه في منزلة رفيعة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمادون» أخرجه أحمد وصححه الألباني، والحمادون هم من يكثر من قول الحمد لله في السراء والضراء.

وقال أبو العالية: «إني لأرجو ألا يهلك عبد بين اثنتين؛ نعمة يحمد الله عليها، وذنب يستغفر منه».

وقال الفضيل: «من عرف نعمة الله بقلبه، وحمده بلسانه لم يستتم حتى يرى الزيادة، لقوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } (إبراهيم:7).

     فنحن ننعم بفضل الله -تعالى- بكثير من الخيرات والمسرات، ووقانا الله -تعالى- كثيرا مما ابتلى به كثيرا من عباده، وأعلى ذلك سلامة الدين من الفتن، وسلامة الدنيا من الخوف، فأحدنا يعبد ربه دون فتن، ويمشي في الأرض دون خوف ولا وجل، فكفى بذلك نعمة لو كانوا يعلمون كما قال صلى الله عليه وسلم : «من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» وأخرجه الترمذي وحسنه الألباني.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك