رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 8 سبتمبر، 2015 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن – إنه لا يحب المستكبرين

من يتأمل أحوال الناس، ويتفكر في بواعث تصرفاتهم، ودواعي أعمالهم ولاسيما السيئة منها يجد أن سببها في كثير من الأحيان يرجع إلى التكبرعلى الخلق والعجب بالنفس.

فالكبر يسيطر على نفوس بعض الناس، فلا يبالي بدماء الآخرين ولا حقوقهم؛ لأنه لا يرى إلا نفسه، ولا يهتم إلا بذاته، إلا من تولاه الله تعالى بالدين وحسن الخلق.

والكِبْر: هو استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس، واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضع له.

وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم الكبر فقال: «الكِبْر بطر الحق، وغمط الناس». متفق عليه

قال النووي: «هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف، وهو الارتفاع على الناس واحتقارهم، ودفع الحق».

     ولهذا فإن الكبر من أكبر أسباب الكفر، ومن أهم عوامل الضلال، قال ابن القيم: «أصول الخطايا كلها ثلاثة؛ الكبر: وهو الذي أصار إبليس إلى ما أصار، والحرص: وهو الذي أخرج آدم من الجنة، والحسد: وهو الذي جرأ ابني آدم على أخيه، فمن وقي شر هذه الثلاث فقد وقي الشر، فالكفر من الكبر، والمعاصي من الحرص، والبغي من الحسد».

     وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم : «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْر» أخرجه مسلم، قال القاسمي: «وَإِنَّمَا صَارَ حِجَابًا دُونَ الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهَا، وَتِلْكَ الْأَخْلَاقُ هِيَ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَالْكِبْرُ وَعِزَّةُ النَّفْسِ يُغْلِقُ تِلْكَ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحِبَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَاضُعِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الْحِقْدِ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَدُومَ عَلَى الصِّدْقِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الْغَضَبِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الْحَسَدِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى النُّصْحِ اللَّطِيفِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَبُولِ النُّصْحِ، وَلَا يَسْلَمُ مِنَ الْإِزْرَاءِ بِالنَّاسِ وَمِنِ اغْتِيَابِهِمْ».

وقد ذم الله تعالى الكبر والمتكبرين في القرآن الكريم بأساليب مختلفة منها:

1- قرر القرآن الكريم أن الكبرياء صفة الله تعالى، ولا يجوز مشاركته في صفاته العليا: فقال تعالى: {وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} (الجاثية:37).

      وقد ورد اسم الله تعالى المتكبر في آية واحدة من القرآن وهو قول الله تعالى: {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ}، ومن معاني اسم الله المتكبر أنه سبحانه تكبر عن كل سوء وظلم، ومنها التكبر عن صفات الخلق وعن مشابهة الحوادث، ومنها التكبر والتعاظم على كل شيء دونه، فكل شيء دونه حقير صغير، أما الله فهو الكبير المتكبر سبحانه، وهو الذي له الكبرياء في السموات والأرض أي له السلطان والعظمة.

     فالتكبر لا يليق إلا به سبحانه، فهو صفة مدح في حقه، أما العبد فصفته التذلل والخشوع والخضوع، فالتكبر في حقه مذموم شرعا، فواجب المؤمن أن يكون ذليلاً لله تعالى.

     وفي الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحد منهما قصمته، ثم قذفته في النار».

2- أخبر الله تعالى أنه لا يحب المستكبرين، قال تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ. لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} (النحل:22-23).

فجملة: {إنه لا يحب المستكبرين} واقعة موقع التعليل; لأن الذي لا يحب فعلا - وهو قادر - يجازي فاعله بالسوء.

ويقول تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18).

     قال القرطبي: «معنى الآية: ولا تمل خدك للناس كبرا عليهم وإعجابا واحتقارا لهم. وهذا تأويل ابن عباس وجماعة. وقيل: هو أن تلوي شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره ; فالمعنى: أقبل عليهم متواضعا مؤنسا مستأنسا، وإذا حدثك أصغرهم فأصغ إليه حتى يكمل حديثه. وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل».

3- بين القرآن الكريم أن أول ذنب عصي به الله تعالى هو الكبر:

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن أول ذنب عصي الله به كان من أبي الجن وأبي الإنس، وكان ذنب أبي الجن أكبر وأسبق، وهو ترك المأمور به وهو السجود إباء واستكبارا».

     قال تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} (البقرة:34)، قال قتادة: «حسد عدو الله إبليس آدم عليه السلام، على ما أعطاه الله من الكرامة، وقال: أنا ناري، وهذا طيني، وكان بدء الذنوب الكبر،استكبرعدو الله أن يسجد لآدم عليه السلام».

     فعاقب الله تعالى إبليس بالطرد من الجنة بسبب كبره كما قال تعالى: {قال فاهبط منها فما يكونُ لكَ أن تتكبّر فيها فاخرج إنّك من الصاغرين} (الأعراف:13).

4- أكد القرآن الكريم في مواضع كثيرة أن سبب معاندة الناس لرسلهم هو الكبر، فقال الله تعالى: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا} (الفرقان:21).

قال الطاهر: «ومقصدهم من مقالهم أنهم أعلى من أن يتلقوا الدين من رجل مثلهم ولذلك عقب بقوله:{لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا} على معنى التعجيب من ازدهائهم وغرورهم الباطل.

     واستكبار الكفار كان عن التوحيد والانقياد لله تعالى كما قال الله عز وجل: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات:35).

     وكذلك كانوا يستكبرون عن آيات الله تعالى فيعرضون عن سمعها وعن التأمل فيها والانقياد لها كما قال الله سبحانه: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} (الجاثية:31).

5- قال تعالى مبينا أن الكبر من أسباب رد الحق والجدال بالباطل: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير} (غافر:56).

والمعنى: ما يحملهم على المجادلة في آيات الله إلا الكبر على الذي جاءهم بها وليست مجادلتهم لدليل لاح لهم.

6- النهي عن الكبر والبطر، فقد نهى الله تعالى المؤمنين عن الاتصاف به أو مشابهة المتكبرين، فقال تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً. كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} (الإسراء:37-38).

قال قتادة: «لا تمش في الأرض فخرا وكبرا، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال، ولا تخرق الأرض بكبرك وفخرك».

7- قرر القرآن الكريم أن من عقوبة المتكبرين الخذلان وعدم الهداية فقال سبحانه: {سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتخذّوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغيّ يتخّذوه سبيلا ذلكَ بأنهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} (الأعراف:146).

     وقد نقل الطبري الاختلاف في معنى ذلك: فنقل أن معناه: سأنزع عنهم فهم الكتاب. ثم ذكر عن ابن عيينة أنه قال في الآية المذكورة: «أنزع عنهم فهم القرآن، وأصرفهم عن آياتي».

     وذهب بعضهم إلى أن المراد سأصرفهم عن الاعتبار بالحجج، وذكرعن ابن جريج أنه قال في الآية: {سأصرف عن آياتي} قال: عن خلق السموات والأرض والآيات فيها، سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا».

ومن العقوبات الربانية الطبع على قلوب المتكبرين، قال تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} (غافر:35).

     قال الطبري: «يقول: كما طبع الله على قلوب المسرفين الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر على الله أن يوحده، ويصدق رسله. جبار يعني: متعظم عن اتباع الحق».

8- بين القرآن الكريم عذاب المستكبرين عند الاحتضار فقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} (الأنعام:93).

     قال ابن كثير:» إن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال، والأغلال والسلاسل، والجحيم والحميم، وغضب الرحمن الرحيم، فتتفرق روحه في جسده، وتعصى وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم، قائلين لهم: {أخرجوا أنفسكم اليوم} الآية، أي: اليوم تهانون غاية الإهانة، كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته، والانقياد لرسله».

9- حرمان المتكبرين من الجنة قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص:83).

     قال الطبري: «يقول تعالى: تلك الدار الآخرة نجعل نعيمها للذين لا يريدون تكبرا عن الحق في الأرض وتجبرا عنه ولا فسادا، ولا ظلم الناس بغير حق، وعملا بمعاصي الله فيها».

وقال ابن سعدي:» وعلم من هذا الحصر في الآية الكريمة، أن الذين يريدون العلو في الأرض أو الفساد، ليس لهم في الدار الآخرة نصيب، ولا لهم منها نصيب».

10- توعد الله سبحانه وتعالى المتكبرين بأشد العذاب يوم القيامة فقال سبحانه: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} (الأحقاف:20).

     قال الألوسي:{وبما كنتم تفسقون} أي: تخرجون من طاعة الله عز وجل أي بسبب استكباركم وفسقكم المستمرين، وفي البحر أريد بالاستكبار الترفع عن الإيمان، وبالفسق معاصي الجوارح وقدم ذنب القلب على ذنب الجوارح إذ أعمال الجوارح ناشئة عن مراد القلب».

     وقال الله عز وجل:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} (الزمر:60). قال ابن كثير: «أي: أليست جهنم كافية لها سجنا وموئلا لهم فيها دار الخزي والهوان، بسبب تكبرهم وتجبرهم وإبائهم عن الانقياد للحق».

     وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(غافر:60). قال الطبري: «يقول: إن الذين يتعظمون عن إفرادي بالعبادة، وإفراد الألوهة لي {سيدخلون جهنم داخرين} بمعنى: صاغرين.

وقد قيل:إن معنى قوله: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي}: إن الذين يستكبرون عن دعائي.

     والآيات في ذم الكبر والتحذير منه وبيان عاقبته في الدنيا والآخرة كثيرة جدا، وفيما ذكر كفاية للتنبيه على المقصود وهو أن من أسباب الانحراف عن معالم الشخصية الإسلامية التي رسمها القرآن الكريم هو الكبر على الله تعالى ورسوله الكريم برد الحق، والاستعلاء على الخلق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك