رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 4 فبراير، 2014 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن- {إنا كل شيء خلقناه بقـدر} (1-2)


الإيمان بالقدر له ارتباط كبير بالإيمان بالله وصفاته وأفعاله تعالى، وله ارتباط بعلم الله وإرادته ومشيئته وخلقه

 

وردت نصوص كثيرة تؤكد على أن الإيمان بالقدر من أركان الإيمان الستة التي لا يصح إيمان المسلم حتى يقر بها، منها قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(القمر: 49)، وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}(الفرقان: 2)، وقال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}(الأعلى: 2 - 3).

ومن السنة المطهرة قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم لجبريل حين قال: ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره».

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل شيء بقدر حتى العجز. أي: «الخيبة والخسران»،  والكَيْس. أي: الجد في طاعة الرحمن».

عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء».

     وعن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: دخلت على أبي وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي، فقال: أجلسوني؛ فلما أجلسوه، قال: يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان ولن تبلغ حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت: يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلميقول: «أول ما خلق الله القلم قال: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة...» يا بني إن مِتَ ولست على ذلك دخلتَ النار.

فما معنى الإيمان بالقدر؟

القدر في اللغة: من الفعل ( قدر ) الشيء إذا أحاط بقدره. وفي الاصطلاح: هو ما قدره الله سبحانه وتعالى في الأزل أن يكون في خلقه بناء على علمه السابق بذلك.

هل هناك الفرق بين القضاء والقدر؟

لم يرد في النصوص الشرعية ذكر القضاء والقدر مجتمعين، بل ورد كل منهما على انفراد، مثل قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(القمر: 49)، وقال تعالى: {فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(غافر: 68).

وأما القضاء فهو في اللغة: الحكم والفصل.وفي الاصطلاح: هو ما قضى به الله تعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير.

     والفرق كما قال بعض العلماء: أن القدر هو تقدير الشيء قبل قضائه، والقضاء هو الفراغ من ذلك الشيء.مثاله ولله المثل الأعلى: أن القدر مثل تقدير الخياط للثوب قبل أن يفصله، يقدره فيزيد وينقص، فإذا فصله وخاطه فقد قضاه وفرغ منه، فالتقدير سابق للقضاء، ولله المثل الأعلى.

ما حكم الإيمان بالقدر؟

الإيمان بالقدر واجب، وهو أحد أركان الإيمان الستة؛ كما قال النبي  صلى الله عليه وسلملجبريل حين قال: ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره».

قال الشيخ ابن عثيمين: «وللإيمان بالقدر فوائد؛ منها:

أولاً: أنه من تمام الإيمان، ولا يتم الإيمان إلا بذلك.

ثانياً: أنه من تمام الإيمان بالربوبية؛ لأن قدر الله من أفعاله.

ثالثاً: رد الإنسان أموره إلى ربه؛ لأنه إذا علم أن كل شيء بقضائه وقدره؛ فإنه سيرجع إلى الله في دفع الضراء ورفعها، ويضيف السراء إلى الله، ويعرف أنها من فضل الله عليه.

رابعاً: أن الإنسان يعرف قدر نفسه، ولا يفخر إذا فعل الخير.

خامسا: تهون المصائب على العبد؛ لأن الإنسان إذا علم أنها من عند الله؛ هانت عليه المصيبة؛ كما قال تعالى: {ٹٹٹٹﭪُ}(التغابن: 11)؛ قال علقمة رحمه الله: «هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم».

سادساً: إضافة النعم إلى مُسديها؛ لأنك إذا لم تؤمن بالقدر؛ أضفت النعم إلى من باشر الإنعام، وهذا يوجد كثيراً في الذين يتزلفون إلى الملوك والأمراء والوزراء؛ فإذا أصابوا منهم ما يريدون؛ جعلوا الفضل إليهم، ونسوا فضل الخالق سبحانه.

صحيح أنه يجب على الإنسان أن يشكر الناس؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من صنع إليكم معروفاً؛ فكافئوه»، ولكن يعلم أن الأصل كل الأصل هو فضل الله عز وجل جعله على يد هذا الرجل.

سابعاً: أن الإنسان يعرف به حكمة الله عز وجل؛ لأنه إذا نظر في هذا الكون وما يحدث فيه من تغيرات باهرة؛ عرف بهذا حكمة الله عز وجل؛ بخلاف من نسي القضاء والقدر؛ فإنه لا يستفيد هذه الفائدة.

كيف يتحقق الإيمان بالقدر؟

قبل ذكر كيفية الإيمان بالقدر لابد من ذكر أمور مهمة:

الأول: القدر سر الله عز وجل:

سأل رجل علي بن أبي طالب عن القدر قال له: «طريق مظلم فلا تسلكه»، قال: «أخبرني عن القدر»، قال: «بحر عميق فلا تلجه»، قال: أخبرني عن القدر قال: «سر الله فلا تكلفه».

ومعنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد أخفى علم القدر عن خلقه فلم يطلع عليه أحد، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فمن هو دونهم أولى بالجهل بالقدر، فعلى المسلم أن يؤمن به ويسلم لمقادير الله ولا يتعمق في البحث فيه.

الثاني: لابد من متابعة النصوص الشرعية في باب القدر والتوقف عندها:

     القدر من علم الغيب، ولا يستطيع الإنسان الخوض في الغيب بعقله دون الاستعانة بالوحي (القرآن والسنة الصحيحة)؛ حتى يعرف الحق والصواب في هذا الموضوع كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}(الجن: 26 - 27)، فسبيل المسلم في هذا الموضوع اتباع النصوص الشرعية ولا يستخدم القياس العقلي؛ لأن العقل لا يقدر على الإحاطة بهذا العلم إلا من طريق الوحي، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلمعن الخوض في القدر بغير هداية من الوحي، فعن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، فكأنما تفقأ في وجهه حَبُّ الرمان من الغضب فقال لهم: «ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض، بهذا هلك من كان قبلكم»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكر القدر فأمسكوا».

الثالث: إحسان الظن بالله تعالى:

     الإيمان بالقدر له ارتباط كبير بالإيمان بالله وصفاته وأفعاله تعالى، وله ارتباط بعلم الله وإرادته ومشيئته وخلقه، ولهذا يجب على المسلم أن يعظم الله سبحانه وينزهه عن الجهل والظلم والعبث، فعلى المسلم أن يتذكر أن الله تعالى له الكمال المطلق، وله العلم الكامل والعدل الكامل والحكمة الكاملة، فالله تعالى لا يجهل، ولا يظلم، ولا يعبث.

الرابع: تكوين الفهم الشامل من خلال النصوص الشرعية:

     النصوص الشرعية من القرآن والسنة ذكرت كيفية الإيمان بالقدر ذكرا متكاملا في نصوص متفرقة، فلابد من جمع النصوص حتى نفهم القدر فهما شاملا لا يتناقض، أما الاعتماد على بعض النصوص وإهمال الباقي فإنه يعطي فهما ناقصا وحكما خطأ، وهذا ما وقع فيه بعض المذاهب المنحرفة في باب القدر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك