رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 1 نوفمبر، 2015 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن- إذا كان الشُّغلُ مَجهدةً فإنَّ الفراغَ مَفسَدةٌ

يعيش بعض الناس في فراغ قاتل، وكسل مهلك، لايسعى في مصلحة نفسه، ولا في نفع غيره من أهل أو وطن، قد تعود الراحة، وألف البطالة، لا من عجز بدني، ولا من نقص عقلي، بل من سقوط الهمة، وفتور العزم.

والدين الحنيف يحث على النشاط والعمل، ويحذر من البطالة والكسل، ويأمر المسلم أن يكون مشغولا بصلاح دينه ودنياه وعمارة آخرته فقال تعالى: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}(المزمل: 20).

 

     قال ابن عاشور:«وقد كان بعض الصحابة يتأول من هذه الآية فضيلة التجارة والسفر للتجر؛ حيث سوى الله بين المجاهدين والمكتسبين المال الحلال، يعني أن الله ما ذكرهذين السببين لنسخ تحديد القيام إلا تنويها بهما؛ لأن في غيرهما من الأعذار ما هو أشبه بالمرض، ودقائق القرآن ولطائفه لا تنحصر» .

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عمر قال: «ما من حال يأتيني عليه الموت بعد الجهاد في سبيل الله أحب إلي من أن يأتيني وأنا بين شعبتي جبل ألتمس من فضل الله تعالى وتلا هذه الآية {وآخرون يضربون في الأرض}.

وقال سبحانه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}(الجمعة: 10).

قال الشوكاني:«أي إذا فعلتم الصلاة وأديتموها وفرغتم منها فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف فيما تحتاجون إليه من أمر معاشكم وابتغوا من فضل الله، أي: من رزقه الذي يتفضل به على عباده بما يحصل لهم من الأرباح في المعاملات والمكاسب».

وندبنا الله -تعالى- إلى السعي في الأرض لاكتساب الأرزاق فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(الملك: 15).

قال السعدي: «أي: هو الذي سخر لكم الأرض وذللها، لتدركوا منها كل ما تعلقت به حاجتكم، من غرس وبناء وحرث، وطرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية والبلدان الشاسعة، فامشوا في مناكبها أي: لطلب الرزق والمكاسب».

     والله -تعالى- يدعونا إلى الأخذ بالمفيد من الأعمال الدنيوية وعدم إهمال الوظائف الدينية فقال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}(الشرح: 7-8)، قال ابن كثير: «أي: إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها، فانصب في العبادة، وقم إليها نشيطا فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة».

وقال مجاهد: «إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة، فانصب لربك».

ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم فضل العمل النافع فعَنِ الْمِقْدَامِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ -عليه السلام- كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»رواه البخاري.

وقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا، لَا فِي عَمَلِ الدُّنْيَا، وَلَا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ».

     وبين النبي  صلى الله عليه وسلم  أن مهنة متواضعة خير من الكسل والسؤال فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «لأن يحتطِبَ أحدكم حُزْمَةً على ظهرِهِ خيرٌ من أن يسألَ أحداً فيُعْطيَهُ أو يمنعَهُ» رواه البخاري، قال عمر -رضي الله عنه-: «مَكْسَبَةٌ فيها دناءة خيرٌ من مسألة الناس».

     ولا ينبغي للقادر أن يترك السعي على نفسه وعلى من تحت يده، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» رواه أبو داود وصححه الألباني؛ مما يؤكد أهمية العمل والكسب حتى ينفق على نفسه وعلى من يعول ممن تلزمه نفقتهم.

وقَالَ  صلى الله عليه وسلم  مشيرا إلى فضل العمل: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» متفق عليه، والساعي: هو الكاسب لهما، ولا يتحقق ذلك إلا بالعمل.

     وأقر النبي  صلى الله عليه وسلم  الجد والنشاط فعن كعب بن عجرة قال: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  وَأَصْحَابِهِ، فَرَأَوْا مِنْ جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ! فَقَالَ  صلى الله عليه وسلم : «إنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ» رواه الطبراني وصححه الألباني.

وقال عمر: «ما من موضع يأتيني الموت فيه أحبَ إليَّ من موطن أتسوَّق فيه لأهلي أبيع وأشتري».

وقال عمر: «أرى الفتى فيعجبني، فإذا قيل: لا حرفة له، سقط من عيني».

     وسئل الإمام أحمد عن رجل قعد في بيته أو في مسجد وقال:لا أعمل شيئًا حتى يأتينى رزقي، فقال: «هذا رجل جهل العلم، فقد قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي». وقال: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا». فذكر أنها تغدو وتروح في طلب الرزق. لقد كان أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم، والقدوة بهم».

ويوضح الراغب الأصفهانى خطورة البطالة والكسل فيقول: «من تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية، وصار من جثث الموتى، وحق على الإنسان أن يتأمل قوته ويسعى بحسب ذلك إلى ما يفيده السعادة».

وقال: «ومن تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة، فحب الهوينى يكسب النصب، وقد قيل: إذا أردت ألا تتعب فاتعب لئلا تتعب.

وقيل أيضا: إياك والكسل والضجر، فإنك إن كسلت لم تؤد حقا، وإن ضجرت فلن تصبر على الحق».

وقد تعوذ النبي  صلى الله عليه وسلم  من الكسل فقال: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل والجبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال». أخرجه مسلم

ويحثنا النبي  صلى الله عليه وسلم  على ما فيه مصلحتنا فيقول: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز»متفق عليه

يقول الشيخ العثيمين:الحرص: بذل الجهد لنيل ما ينفع من أمر الدين أو الدنيا، والمعنى أي: اهتم بما ينفعك اهتمام الحريص الذي يحتاط كثيرا في الأمور».

     ويبين الشيخ ابن عثيمين خطورة الفراغ على الشباب فيقول: «الفراغ داء قتّال للفكر والعقل والطاقات الجسمية؛ إذ النفس لابد لها من حركة وعمل، فإذا كانت فارغة من ذلك؛ تبلد الفكر، وثخن العقل، وضعفت حركة النفس، واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب، وربما حدث له إرادات سيئة شريرة ينفّس بها عن هذا الكبت الذي أصابه من الفراغ.

وعلاج هذه المشكلة أن يسعى الشباب في تحصيل عمل يناسبه؛ مما يحول بينه وبين هذا الفراغ، ويستوجب أن يكون عضوا سليما عاملا في مجتمعه لنفسه ولغيره».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك