رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 5 يناير، 2015 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن- أيـن اللـه؟

أمرنا الله -تعالى- أن نتعرف عليه، ونتعلم من هو الله العظيم الذي خلق الكون وما فيه؟ وخلقنا لعبادته فقال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }(الطلاق: 12).

قال الطاهر بن عاشور: «والمعنى: أن مما أراده الله من خلقه السموات والأرض، أن يعلم الناس قدرة الله على كل شيء وإحاطة علمه بكل شيء؛ لأن خلق تلك المخلوقات العظيمة وتسخيرها وتدبير نظامها في طول الدهر يرشد أفكار المتأملين إلى أن مبدعها يقدر على أمثالها فيستدلون بذلك على أنه قدير على كل شيء؛ لأن دلالتها على إبداع ما هو دونها ظاهرة، ودلالتها على ما هو أعظم منها وإن كانت غير مشاهدة، فقياس الغائب على الشاهد يدل على أن خالق أمثالها قادر على ما هو أعظم.

     وأيضا فإن تدبير تلك المخلوقات بمثل ذلك الإتقان المشاهد في نظامها، دليل على سعة علم مبدعها وإحاطته بدقائق ما هو دونها، وأن من كان علمه بتلك المثابة لا يظن بعلمه إلا الإحاطة بجميع الأشياء».

وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(المائدة: 98)، وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ}(محمد: 19).

ومن العلم بالله -تعالى- العلم بأنه سبحانه وتعالى في العلو المطلق، فقد تضافرت الأدلة من القرآن والسنة على إثبات صفة العلو لله تعالى، فالله -تعالى- له علو الذات وعلو القدر وعلو القهر.

    قال الشيخ ابن سعدي: «فجميع معاني العلو ثابتة لله من كل وجه، فله علو الذات: فإنه فوق المخلوقات، وعلى عرشه استوى، أي علا وارتفع، وله علو القدر: وهو علو صفاته وعظمتها، فلا يماثله صفة مخلوق، بل لا تقدر الخلائق كلها أن تحيط ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته، وله علو القهر: فإنه الواحد القهار، الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه مانع، وما لم يشأ لم يكن». فمن الأدلة على إثبات صفة العلو لله تعالى:

أولاً: التصريح بالاستواء على العرش فمن ذلك:

     ورد في سبع آيات من القرآن ذكر استواء الرحمن على العرش، قال تعالى في سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ}(الأعراف: 54)، وقال سبحانه في سورة طه: {الرحمن على العرش استوى}.

ثانياً: ما جاء من أسماء الله الحسنى التي تدل على ثبوت جميع معاني العلو لله تعالى:

     قال تعالى: {وهو العلي العظيم}، وقال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى}، وقال تعالى: {عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال}، وقال تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} وجاء في مسلم قوله صلى الله عليه وسلم : «وأنت الظاهر فليس فوقك شيء».

ثالثاً: التصريح بالفوقية:

كقوله تعالى عن الملائكة: {يخافون ربهم من فوقهم}، وقوله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده}.

ثالثاً: التصريح بالعروج إليه نحو قوله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه}،وقولـه:{يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه}.

رابعاً: التصريح بالرفع إليه كما قال تعالى لعيسى: {إني متوفيك ورافعك إلي}، وقال تعالى: {بل رفعه الله إليه}.

خامساً: التصريح بالصعود إليه كقولـه تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}(فاطر: 10).

سادساً: التصريح بأنه في السماء كقولـه سبحانه: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ} والمراد بالسماء هنا العلو المطلق، وليس المقصود أن السماء تحويه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

سابعاً: التصريح بتنزيل الكتاب منه سبحانه: فمن ذلك قولـه تعالى:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}(غافر: 2)، وقولـه سبحانه: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}(فصلت: 2)، وقولـه تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (فصلت: 42).

ثامنا: إخباره عن فرعون أنه أراد الصعود إلى السماء ليطّلع إلى إله موسى فيكذبه فيما أخبره من أنه سبحانه فوق السماوات قال تعالى:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا}(غافر: 36 - 37).

والأدلة من السنة أيضاً كثيرة جداً منها:

1- قال صلى الله عليه وسلم : «ألا تأمنوني وأنا أمين مَن في السماء؟» متفق عليه.

2-وعن معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- قال: كانت لي جارية ترعى غنماً لي قِبَـلَ أحد والجوانية، فاطّـلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بنى آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكّـة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  فعظّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها. فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها، فإنها مؤمنة. رواه مسلم

3- حديث عروج النبي صلى الله عليه وسلم  إلى السماء في ليلة الإسراء وفرض الصلاة.

4- وقد روى البخاري عن أنس أن زينب بنت جحش كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم  فتقول: «زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات».

5 - عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل, وملائكةٌ بالنهار, ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر. ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلمُ بهم فيقول: كيف تركتم عبادي فيقولون: تركناهم وهم يصلون , وأتيناهم وهم يصلون». أخرجه البخاري.

6 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه, فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي» رواه البخاري.

7 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها, فتأبي عليه, إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها, حتى يرضى عنها» رواه مسلم.

 8- وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». أخرجه أبو داود.

ودليل الفطرة يدل على علوه سبحانه، فكل إنسان يتجه بقلبه ويرفع يديه إلى الأعلى عند الدعاء أو التماس النجاة أو النصرة.

     وأما احتجاج بعضهم بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}(الزخرف: 84)، على نفي صفة العلو، فالجواب أن معنى الإله: المعبود، قال قتادة: «يعبد في السماء وفي الأرض، لا إله إلا هو».

     وقال ابن كثير: «أي: هو إله من في السماء، وإله من في الأرض، يعبده أهلهما، وكلهم خاضعون له، أذلاء بين يديه. وهذه الآية كقوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ}(الأنعام: 3)، أي: هو المدعو الله في السموات والأرض».

وقال القرطبي: «فيه أجوبة: أحدها: أي: وهو الله المعظم أو المعبود في السماوات وفي الأرض؛ كما تقول: زيد الخليفة في الشرق والغرب أي: حكمه.

ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتدبير في السماوات وفي الأرض; كما تقول: هو في حاجات الناس وفي الصلاة».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك