رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 25 نوفمبر، 2013 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا

يعجب المرء حين يتأمل أحوال الناس، فيجد بعضهم قد تمادى في ضلاله، وأوغل في عمايته، وغلا في جهالته، لا تجدي فيه النصيحة، ولا ينفع معه الوعظ، قد أعجب برأيه، وزين له سوء عمله، يظن أن ذلك من رجاحة العقل، وقوة الشخصية، وسداد الرأي، وما درى أن ذلك قد يكون عقوبة من الله تعالى على بعض سيئاته، ومجازاة له على سوء اعتقاده أو سوء عمله.

     قال ابن القيم وهو يعدد بعض العقوبات التي يمكن أن يعاقب بها الله تعالى بعض عباده فذكر منها التزيين فقال: «وأما التزيين، فقال تعالى:{وكذلك زينا لكل أمة عملهم}، وقال: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء}، وقال: {وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون}؛ فأضاف التزيين إليه منه سبحانه خلقا ومشيئة، وحذف فاعله تارة، ونسبهُ إلى سببه ومن أجراه على يده تارة.

     وهذا التزيين منه سبحانه حَسَنٌ، إذ هو ابتلاء واختبار لعبيده ليتميز المطيع منهم من العاصي، والمؤمن من الكافر، كما قال تعالى:{إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا}.»

     وبين رحمه الله أن التزيين قد يكون من الشيطان بإذن الله تعالى كما قال سبحانه عنه:{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}.

     قال ابن القيم: فتزيينه سبحانه للعبد عملَه السيئ عقوبة منه له على إعراضه عن توحيده وعبوديته، وإيثار سيء العمل على حسنه، فإنه لابد أن يعرّفَه سبحانه السيء من الحسن، فإذا آثر القبيح، واختاره وأحبه ورضيه لنفسه زيّنَه سبحانه له، وأعماه عن رؤية قبحه بعد أن رآه قبيحا، وكل ظالم وفاجر وفاسق لابد أن يريه الله تعالى ظلمه وفجوره وفسقه قبيحا، فإذا تمادى عليه ارتفعت رؤية قبحه من قلبه، فربما رآه حسنا عقوبة له، فإنه إنما يكشف له عن قبحه بالنور الذي في قلبه، وهو حجة الله عليه، فإذا تمادى في غيِّه وظلمه ذهب ذلك النور، فلم ير قبحه في ظلمات الجهل والفسوق والظلم.

     ومع هذا فحجة الله قائمة عليه بالرسالة، وبالتعريف الأول، فتزيين الرب تعالى عدل، وعقوبته حكمة، وتزيين الشيطان إغواء وظلم، وهو السبب الخارج عن العبد، والسبب الداخل فيه حبه وبغضه وإعراضه، والرب سبحانه خالق الجميع، والجميع واقع بمشيئته وقدرته، ولو شاء لهدى خلقه أجمعين، والمعصوم من عصمه الله، والمخذول من خذله الله، {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}.

     وهذا الصنف من الناس قد أشار إليه القرآن الكريم مبينا حاله، ومنبها على سبب ضلاله، ومحذرا من مشابهته وسوء عاقبته، فقال تعالى:{أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا}(فاطر:8)

     قال الشيخ ابن سعدي: أفمن حسن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر وعبادة ما دونه من الآلهة والأوثان فرآه حسنا جميلا, كمن هداه الله تعالى, فرأى الحسن حسنا والسيئ سيئا؟ فإن الله يضل من يشاء من عباده, ويهدي من يشاء, فلا تهلك نفسك حزنا على كفر هؤلاء الضالين, إن الله عليم بقبائحهم وسيجازيهم عليها أسوأ الجزاء.

     قال الشيخ ابن عاشور: «لما جرى تحذير الناس من غرور الشيطان وإيقاظهم إلى عداوته للنوع الإنساني، وتقسيم الناس إلى فريقين: فريق انطلت عليه مكائد الشيطان واغتروا بغروره ولم يناصبوه العداء، وفريق أخذوا حذرهم منه واحترسوا من كيده وتجنبوا السير في مسالكه.

     ففرع على جميع ما تقدم قوله:{ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} فأشير إلى أن وقوعه في هذه الحالة ناشئ من تزيين الشيطان له سوء عمله، فالمزين للأعمال السيئة هو الشيطان قال تعالى: {وزين لهم الشيطان أعمالهم} فرأوا أعمالهم السيئة حسنة، فعكفوا عليها ولم يقبلوا فيه نصيحة ناصح ، ولا رسالة مرسل » باختصار .

وقال تعالى:{أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله}(محمد:14)

     قال الشيخ ابن سعدي: أي: «لا يستوي من هو على بصيرة من أمر دينه، علما وعملا قد علم الحق واتبعه، ورجا ما وعده الله لأهل الحق، كمن هو أعمى القلب، قد رفض الحق وأضله، واتبع هواه بغير هدى من الله، ومع ذلك يرى أن ما هو عليه من الحق، فما أبعد الفرق بين الفريقين، وما أعظم التفاوت بين الطائفتين، أهل الحق وأهل الغي.

     وقال تعالى:{كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون}(يونس:12)، قال الإمام الطبري: يقول:كما زين لهذا الإنسان الذي وصفنا صفته ، استمراره على كفره بعد كشف الله عنه ما كان فيه من الضر،كذلك زين للذين أسرفوا في الكذب على الله وعلى أنبيائه، فتجاوزوا في القول فيهم إلى غير ما أذن الله لهم به، ما كانوا يعملون من معاصي الله والشرك به.

     وأخبر تعالى في أكثر من موضع أن الكافرين وقعوا في سوء أعمالهم وفساد عقائدهم واتباعهم للشيطان فقال تعالى:{زين للذين كفروا الحياة الدنيا}(البقرة:212)، وقال تعالى:{بل زين للذين كفروا مكرهم}(الرعد:33)،وقال تعالى:{كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون}(الأنعام:122)قال الشيخ ابن سعدي: «فلم يزل الشيطان يحسن لهم أعمالهم، ويزينها في قلوبهم، حتى استحسنوها ورأوها حقا. وصار ذلك عقيدة في قلوبهم، وصفة راسخة ملازمة لهم، فلذلك رضوا بما هم عليه من الشر والقبائح. وهؤلاء الذين في الظلمات يعمهون،وفي باطلهم يترددون، غير متساوين».

     وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: التزيين: جعل الشيء زينا أو الاحتجاج لكونه زينا؛ لأن التفعيل يأتي للجعل ويأتي للنسبة كالتعليم وكالتفسيق والتزكية ، والزين شدة الحسن .

     وحذف فاعل التزيين؛ لأن المزين لهم أمور كثيرة: منها خلق بعض الأشياء حسنة بديعة كمحاسن الذوات والمناظر، ومنها إلقاء حسن بعض الأشياء في نفوسهم وهي غير حسنة كقتل النفس، ومنها إعراضهم عمن يدعوهم إلى الإقبال على الأمور النافعة حتى انحصرت هممهم في التوغل من المحاسن الظاهرة التي تحتها العار لو كان باديا، ومنها ارتياضهم على الانكباب على اللذات دون الفكر في المصالح، إلى غير ذلك من أمور يصلح كل منها أن يعد فاعلا للتزيين حقيقة أو عرفا ، فلأجل ذلك طوي ذكر هذا الفاعل تجنبا للإطالة .مختصرا

- ثم بين رحمه الله تعالى أن المراد من ذكر التزيين للكفار ذمهم والتحذير من خلقهم، ثم قال: وقد استقريت مواقع التزيين المذموم فحصرتها في ثلاثة أنواع :

- الأول: ما ليس بزين أصلا لا ذاتا ولا صفة؛ لأن جميعه ذم وأذى، ولكنه زين للناس بأوهام وخواطر شيطانية وتخييلات شعرية كالخمر . الثاني: ما هو زين حقيقة لكن له عواقب تجعله ضرا وأذى كالزنا. الثالث: ما هو زين لكنه يحف به ما يصيره ذميما كنجدة الظالم.

     وقد بين لنا سبحانه سبيل النجاة من تزيين الشيطان وأتباعه وذلك بالإيمان بالله تعالى وإخلاص الدين له؛ اعتقادا وقولا وعملا، ظاهرا وباطنا فقال تعالى عن محاورة الشيطان لربه:{قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين. قال هذا صراط علي مستقيم. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}

      قال الطبري: وعنى بقوله: {لأزينن لهم في الأرض} لأحسنن لهم معاصيك، ولأحببنها إليهم في الأرض{ولأغوينهم أجمعين} يقول: ولأضلنهم عن سبيل الرشاد {إلا عبادك منهم المخلصين} يقول: إلا من أخلصته بتوفيقك فهديته، فإن ذلك ممن لا سلطان لي عليه ولا طاقة لي به.

وقال البغوي: {إلا عبادك منهم المخلصين} المؤمنين الذين أخلصوا لك الطاعة والتوحيد، ومن فتح اللام، أي : من أخلصته بتوحيدك واصطفيته .

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص والاتباع، ويحفظنا من الشيطان وتزيينه والدنيا وزخرفها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك