رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 10 سبتمبر، 2012 0 تعليق

الحكمـة ضالـة المؤمن (61) تاجروا الله بالصدقة تربحوا

هذه الكلمة الحكيمة قالها أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، يحث المسلمين على الصدقة ؛ لأن الصّدقة شكر للّه تعالى على نعمه ، وهي دليل لصحّة إيمان مؤدّيها وتصديقه ، ولهذا سمّيت صدقةً، كما قال صلى الله عليه وسلم:« والصدقة برهان»أخرجه مسلم؛ ولأن للصدقة فضائل عديدة، وثمرات كثيرة في الدنيا والآخرة، منها :

1ـ أن صدقة التطوع تكمِّل زكاة الفريضة وتجبر نقصها؛ لقوله عليه السلام: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمَّها كتبت له تامة، وإن لم يكن أتمها قال الله لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوِّعٍ فتكملون بها فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك»أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني

2ـ والصدقة يحصل بها مضاعفة الأجر على حسب الإخلاص لله تعالى؛ لقول الله : {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }؛ ولحديث أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله : «لك بها يوم القيامة سَبْعمائة ناقةٍ كلها مخطومة».

3ـ والله تعالى يبارك في الصدقة وينميها لقوله صلى الله عليه وسلم:«إن العبد إذا تصدق من طيب تقبلها الله منه وأخذها بيمينه فرباها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله أو قال في كف الله حتى تكون مثل الجبل فتصدقوا». أخرجه ابن خزيمة .

4ـ والصدقة تجلب البركة والزيادة والخلف من الله تعالى، قال الله سبحانه:{ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}،وقال صلى الله عليه وسلم :«ما نقصت صدقة من مال»رواه مسلم

5ـ  وهي الخير الباقي حقيقة لقوله عليه السلام: «يقول العبد مالي مالي وإنما له من ماله ثلاث؛ ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، ما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس»رواه مسلم

6- والصدقة وقاية من النار فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة» وفي رواية :«من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل» رواه البخاري ومسلم.

7- وعن جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكعب بن عجرة يا كعب بن عجرة الصلاة قربان والصيام جنة والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار يا كعب بن عجرة الناس غاديان فبائع نفسه فموثق رقبته ومبتاع نفسه في عتق رقبته»رواه أبو يعلى بإسناد صحيح

8- وعن معاذ  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الصدقة لتطفىء عن أهلها حر القبور، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته»رواه الطبراني في الكبير والبيهقي وهو حسن.

9- عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«كل امرىء في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس». قال يزيد فكان أبو الخير مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو بكعكة أو بصلة رواه أحمد وابن خزيمة

10- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله [: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا مَلَكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً» . متفق عليه

قال القرطبي‏: «وهو يعم الواجبات والمندوبات، لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ولو أخرجه‏».‏

11- والصدقة سبب لقضاء الحاجات، وتفريج الكربات؛ لأن الجزاء من جنس العمل؛ فعن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من نفَّس عن مؤمن كُربَة من كُرب الدنيا نفَّس الله عنه كُربةً من كُربِ يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».

والصدقة معنى واسع يشمل القربات المالية وغير المالية، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده أن شرع قربات تناسب جميع المسلمين على اختلاف أحوالهم، فالأغنياء والمقتدرون لهم قربات تناسب أحوالهم المالية والبدنية، وكذلك للفقراء والعاجزين قربات تناسب فقرهم وعجزهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «كل معروف صدقة»، فمن أبواب المعروف والصدقة غير المالية:

1ـ العزم المخلص والنية الصادقة، فعن أبي كبشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الدنيا لأربعة نفر؛ عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية؛ يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته ، فأجرهما سواء» الحديث أخرجه الترمذي .

2- والأذكار مما يعود نفعه على المسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: «فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة» أخرجه مسلم

3- والمشي إلى الصلاة لقوله عليه السلام: «وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة» متفق عليه

4- وصلاة الضحى لقوله صلى الله عليه وسلم: «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» متفق عليه

5- ومن الصدقات التي يتعدى نفعها إلى الأخرين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،والكلمة الطيبة، وإعانة المحتاجين، فعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«على كل نفس في كل يوم طلعت عليه الشمس صدقة منه على نفسه، من أبواب الصدقة: التكبير ، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله ، واستغفر الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويعزل الشوك عن طريق الناس والعظم والحجر ، وتهدي الأعمى ، وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه، وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك،» الحديث أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني.

6- ومن الصدقة التسليم على المسلمين فعن أبي ذر مرفوعا:«يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة، تسليمه على من لقيه صدقة» أخرجه أبو داود وصححه الألباني

7- التبسم في وجه المسلم من الصدقة فعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تبسمك في وجه أخيك لك صدقة» أخرجه الترمذي قال في تحفة الأحوذي:«يعني إظهارك البشاشة والبشر إذا لقيته تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة».

8- وكذلك مشاركة المنفرد صلاته ليحصل له أجر الجماعة من الصدقة، فعن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يصلي وحده فقال:«ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه» أخرجه أبو داود ، قال في عون المعبود:«أي يتفضل عليه ويحسن إليه ليحصل له ثواب الجماعة، فيكون كأنه قد أعطاه صدقة، وسماه صدقة؛ لأنه يتصدق عليه بثواب ست وعشرين درجة».

9- وإذا عجز المسلم عن بذل المعروف فأقل الصدقة هو الامتناع من الشرور وإيذاء الخلق فعن أبي موسى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ» فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ:» يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ»أخرجه البخاري

       والخلاصة أن التجارة مع الله تعالى رابحة ولا شك متى ما اتصف العمل بالإخلاص والاتباع، وأبواب المعروف والصدقات كثيرة تناسب كل إنسان ، والسعيد من هداه الله ووفقه وأعانه .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك