رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 4 سبتمبر، 2012 0 تعليق

الحكمـة ضالـة المؤمن (60) شرف المؤمن صلاته بالليل

قيام الليل هو قضاء الليل ولو ساعة بالصلاة أو غيرها كما قال تعالى: }يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا{، والتهجد: هو صلاة التطوع بالليل بعد النوم كما قال تعالى: }ومن الليل فتهجد به نافلة لك{، وقد جاء في فضل قيام الليل نصوص كثيرة، فمن القرآن الكريم:

1- قوله عز وجل في صفة المتقين: {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون}، قال الشيخ ابن سعدي: «من أفضل أنواع الإحسان في عبادة الخالق، صلاة الليل، الدالة على الإخلاص، وتواطؤ القلب واللسان؛ ولهذا قال: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} أي: كان هجوعهم، أي: نومهم بالليل، قليلاً، وأما أكثر الليل، فإنهم قانتون لربهم، ما بين صلاة، وقراءة، وذكر، ودعاء، وتضرع {وَبِالْأَسْحَارِ} التي هي قبيل الفجر {هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الله تعالى، فمدوا صلاتهم إلى السحر، ثم جلسوا في خاتمة قيامهم بالليل، يستغفرون الله تعالى، استغفار المذنب لذنبه، وللاستغفار بالأسحار فضيلة وخصيصة ليست لغيره، كما قال تعالى في وصف أهل الإيمان والطاعة: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}».

2- قوله عز وجل في صفة عباد الرحمن: {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما}، قال الشيخ ابن سعدي: «أي: يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له».

3- قوله عز وجل: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون} قال الشيخ ابن سعدي: «أي: ترتفع جنوبهم، وتنزعج عن مضاجعها اللذيذة، إلى ما هو ألذ عندهم منه وأحب إليهم، وهو الصلاة في الليل، ومناجاة اللّه تعالى، ولهذا قال: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} أي: في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية، ودفع مضارهما، {خَوْفًا وَطَمَعًا} أي: جامعين بين الوصفين، خوفًا أن ترد أعمالهم، وطمعًا في قبولها، خوفًا من عذاب اللّه، وطمعًا في ثوابه،وأما جزاؤهم، فقال: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} من الخير الكثير، والنعيم الغزير، والفرح والسرور، واللذة والحبور، كما قال تعالى على لسان رسوله: «أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»، فكما صلوا في الليل، ودعوا، وأخفوا العمل، جازاهم من جنس عملهم، فأخفى أجرهم؛ ولهذا قال: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

4- قوله عز وجل: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} قال ابن سعدي: «قانت أي: مطيع للّه بأفضل العبادات وهي الصلاة، وأفضل الأوقات وهو أوقات الليل، فوصفه بكثرة العمل وأفضله، ثم وصفه بالخوف والرجاء، وذكر أن متعلق الخوف عذاب الآخرة، على ما سلف من الذنوب، وأن متعلق الرجاء، رحمة اللّه، فوصفه بالعمل الظاهر والباطن».

ومن السنة المطهرة جاءت أحاديث كثيرة تحث على قيام الليل، منها:

1- قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» أخرجه مسلم.

2- وقال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم» أخرجه الترمذي، قال الشراح: «أي التهجد فيه هو دأب الصالحين أي: عادتهم وشأنهم، ومكفرة للذنوب وساتر لها، وناه عن ارتكاب الإثم كما قال تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}.

3- قال صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» أخرجه الترمذي، قال الشراح: «لأنه وقت الغفلة فلأرباب الحضور مزيد المثوبة، أو لبعده عن الرياء والسمعة».

4- قال صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟» أخرجه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة، فكن» أخرجه الترمذي.

6- عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها» فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائما والناس نيام» أخرجه الطبراني وقال الألباني: حسن صحيح.

7- عن سهل بن سعد قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا محمد، عش ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس» أخرجه الطبراني وقال الألباني: حسن لغيره. والشرف يطلق على المكان العالي، ويطلق على العلو والمجد، فرفعة المؤمن ومجده بكمال عبوديته لربه بقيام الليل مخلصا.

8- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين» أخرجه أبو داود وقال الألباني: صحيح.

ولقيام الليل آداب منها:

1- على المسلم أن ينوي قيام الليل عند نومه لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح، كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه» أخرجه النسائي.

2- أن يستاك إذا استيقظ من نومه «فعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام للتهجد من الليل يشوص فاه بالسواك» أخرجه البخاري.

3- يدعو بما ورد، فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يتهجد قال: «اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن...» الحديث أخرجه البخاري.

4- أن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين كما تقدم ولقول عائشة: «كان رسول الله إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين» أخرجه مسلم.

5- يستحب أن يوقظ أهله لقوله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلا قام من الليل فصلى ثم أيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء» أخرجه النسائي.

6- أن يرقد إذا غلبه النعاس لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه» أخرجه مسلم.

7- أن يختم تهجده بالوتر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا» أخرجه مسلم.

8- أن يقضي ورده إذا فاته لمرض أو نوم لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن حزبه أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل» أخرجه مسلم، وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة، ركعة أخرجه مسلم.

نسأل الله أن يعيننا على قيام الليل ويتقبله منا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك