رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 13 ديسمبر، 2010 0 تعليق

الحكمـة ضالـة المؤمن (1)


     فالحكمة هي إصابة الحق بالعلم والعقل، وهي العلوم النافعة والعقول المسددة وإصابة الصواب في الأقوال والأفعال، وهي معرفة الحق والعمل به، قال بعضهم: الحكمة كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيحة.

     قال الشيخ ابن سعدي: «الحكمة جمال العلم وآلة العمل، وأقرب الوسائل لحصول المقاصد، الحكمة تهون الصعاب، وبها تندفع العوائق، كم ندم عجول طائش وكم أدرك المطلوب متأن رفيق، لا تساس الولايات الكبار ولا الصغار بمثل الحكم، ولا تختل إلا باختلال طريقها.

     الحكيم إذا لم يدرك جميع المطلوب تنازل إلى بعضه، وإذا لم يحصل له ما قصده من الخير قنع باندفاع الشر، وإذا لم يندفع كل الشر دفع بعضه وخففه، وإذا لم يكن الصعب الشديد وأمكنه تلطيفه لطفه، يسابر الأمور والأحوال فينتهز فرصها ويأتي الأمور مع كل باب ووسيلة، لا يمل السعي ولا يدركه الضجر والسآمة، قد تلقى الأمور بصدر منشرح وقلب ثابت يقلبها بفكره على كل وجه، ويستعين برأي أهل الخبرة من الناصحين على ما يريده، لا تستفزه البدوات وأوائل الأمور حتى ينفذ فكره إلى باطنها، ولا تغره الظواهر حتى يتغلغل في مطاويها وعواقبها، ومع كثرة تفكيره وتقليبه الأمور من جميع وجوهها ومشاورته عند التوقف والاشتباه لابد أن ينكشف له ما كان خافيا ويتضح له ما كان مشتبها.»اهـ

      وقد أثنى الله عز وجل على صاحب الحكمة فقال: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «ضمني النبي [ إلى صدره وقال: «اللهم علمه الحكمة» قال البخاري: «والحكمة الإصابة في غير النبوة».

      وتطلق الحكمة في القرآن على معان منها الموعظة كما قال عز وجل:(حكمة بالغة فما تغني النذر} ، وتطلق على السنة كما قال عز وجل: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}، وتطلق على الفهم كما قال عز وجل: {ولقد آتينا لقمان الحكمة}، وتطلق على النبوة كما قال تعالى: {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}، وتطلق على اللطف واللين كما قال عز وجل: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.

      وفي الحديث قال [: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها» متفق عليه، قال النووي: «معناه: يعمل بها ويعلمها احتسابا، والحكمة: كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح».

     وأما حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله [:»الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها « أخرجه الترمذي وابن ماجه فهو حديث لا يصح، قال عنه الشيخ الألباني: ضعيف جدا. وقد ضعفه غير واحد من علماء الحديث.

      ونقل عن بعض الصحابة الكرام الحث على التماس الحكم والمواعظ والآداب من حيث خرجت والإفادة منها ما دامت صوابا ولا تقتضي باطلا شرعا ولا عقلا ولا عرفا، ففي (جامع بيان العلم وفضله) لابن عبد البر عن علي رضي الله عنه أنه قال: «العلم ضالة المؤمن فخذوه ولو من أيدي المشركين، ولا يأنف أحدكم أن يأخذ الحكمة ممن سمعها منه»، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «خذوا الحكمة ممن سمعتموها؛ فإنه قد يقول الحكمة غير الحكيم، وتكون الرمية من غير رام»، وعند البيهقي في المدخل عن عكرمة: «خذ الحكمة ممن سمعت؛ فإن الرجل يتكلم بالحكمة وليس بحكيم فيكون كالرمية خرجت من غير رام «وعنده أيضا عن سعيد بن أبي بردة قال: «كان يقال: الحكمة ضالة المؤمن، يأخذها حيث وجدها»، وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كان يقال: «العلم ضالة المؤمن يغدو في طلبها، فإن أصاب منها شيئا حواه حتى يضم إليه غيره».

     ومعنى: «الحكمة ضالة المؤمن» قال النووي: «أي لا يزال يتطلبها كما يتطلب الرجل ضالته»، وقال المناوي:» «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن» أي مطلوبه فلا يزال يطلبها كما يتطلب الرجل ضالته «فحيث وجدها فهو أحق بها»؛ أي بالعمل بها واتباعها كما أن صاحب الضالة لا ينظر إلى خسة من وجدها عنده».

وقال بعضهم: الجوهرة النفيسة لا يشينها سخافة غائصها ودناءة بائعها.

      وعن الإمام مالك أنه بلغه أن لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال: «يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء».

     من هذا المنطلق تأتي هذه المقالات الموجزة في بيان بعض الحكم التي وردت في كلام الله تعالى ورسوله الكريم [ وما نقل عن بعض الحكماء من باب التناصح والتذاكر، وقد قال عبد الرحمن الحبلي: «ليس هدية أفضل من كلمة حكمة تهديها لأخيك»، أسأل الله عز وجل أن ينفع بها، وبالله التوفيق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك