رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 23 ديسمبر، 2017 0 تعليق

الحكمة من سمات الأنبياء والصالحين والعلماء العاملين مع النبي صلى الله عليه وسلم

عظم الله العلم والعلماء، ورفع من قدرهم، قال -سبحانه وتعالى-: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، ولم يطلب النبي صلى الله عليه وسلم  الزيادة في شيء إلا من العلم فقال -سبحانه-: {وقل رب زدني علما}، وقد جاء في فضل العلم الشيء الكثير في كتاب الله وسنة رسوله  صلى الله عليه وسلم  وأقوال سلف الأمة من الصحابة ومن بعدهم من الأئمة المتبوعين.

      العلم نور يهدي به الله من يشاء ويقذفه في قلب من يشاء من عباده، وهذا العلم يدعو إلى مكارم الأخلاق، ويدعو إلى التأني وعدم الاستعجال، كما أنه يدعو إلى صفة عظيمة يحتاجها المسلم ولاسيما الدعاة إلى الله، ألا وهي الحكمة.

الحكمة ضالة المؤمن

    الحكمة ضالة المؤمن وصفة الرجال وزينة العلماء، فيها الخير الكثير لصاحبها قال -تعالى-: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب}، وهذه شهادة من الله، وحسبك بها من شهادة لصاحب الحكمة بأنه قد أوتي خيرا كثيرا.

ولذلك فإن العلم لابد فيه من الحكمة، ولابد أن يكون العالم حكيما، قال ابن عباس رضي الله عنه كما صح عند البخاري: ضمني رسول الله  صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم علمه الحكمة». دعا رسول الله  صلى الله عليه وسلم لابن عمه ابن عباس بهذه الدعوة المباركة؛ فظهر أثر هذه الدعوة في علم ابن عباس وفقهه وفتاواه ومعالجته لواقع كثير من الأمور، وكان حبر الأمة وترجمان القرآن.

وضع الشيء في موضعه

      الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، هي الإصابة في القول، هي الفهم عن الله، هي ما يشهد العقل بصحته، هي نور يُعرف بين الإلهام والوسواس، هي سرعة الجواب بالصواب، والحكمة هي العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق للعمل به، والكف عن ضده. والحكيم من حاز ذلك كله.

لفظ الحكمة في القرآن

      وقد جاء لفظ الحكمة في القرآن على معان كثيرة منها: الوعظ في قوله -تعالى-: {حكمة بالغة فما تغن النذر}، ومنها السنة كما في قوله -تعالى-: {ويعلمكم الكتاب والحكمة»، ومنها: الفهم كما في قوله: «آتينا لقمان الحكمة}، ومنها: النبوة كما في قوله -تعالى-: {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}، وغيرها من المعاني.

      والمسلم ينبغي أن يكون حكيما في أموره كلها، يعرف كيف يتكلم؟ ومتى يتكلم؟ ينظر في الأمور بعين البصيرة، يستفيد من التجارب التي تمر به، قال معاوية: لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة.

رفيق بالناس

      الحكيم رفيق بالناس لا يؤذيهم في بدنهم ولا في مشاعرهم، قال عروة بن الزبير: كان يقال: الرفق رأس الحكمة؛ ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلمسيد الحكماء يأتي الأعرابي فيبول وسط المسجد كما في صحيح مسلم فأخذ الصحابة بنهره وزجروه، بل أرادوا تأديبه؛ فمنعهم الحكيم المصطفى وقال: «دعوه يكمل بوله» ثم جاءه وقال له بكل رفق: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر إنما هي لذكر الله -عز وجل- والصلاة وقراءة القرآن»، ومن شدة فرح الأعرابي بهذا الرفق وهذه الحكمة والمعاملة قال: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد معنا!

يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به

      والحكيم يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به، ينكر عليهم المنكر بأسلوب سهل مقنع، روى أحمد عن أبي أمامة أن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم فزجروه؛ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ادن» فدنا قريبا، قال: فجلس فقال له: «أتحبه لأمك؟» قال لا والله، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. أفتحبه لابنتك؟» قال: لا والله. قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: «أفتحبه لأختك، لعمتك، لخالتك»؟ قال: لا والله، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم» قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه» فلم يكن شيء أبغض إليه من الزنا بعد ذلك.

الصمت وقلة الكلام

     الحكيم يعرف بصمته وقلة كلامه، فإذا تكلم تكلم بالحق، إذا تكلم قال خيرا وإلا صمت، صح في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلمقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو يسكت».

عجبت لإدلال العي بنفسه

                                    وصمت الذي قد كان بالقول أعلما

 وفي الصمت ستر للعي وإنما

                                   صحيفة لب المرء أن يتكلما

     وقال وهب بن منبه: أجمعت الأطباء على أن رأس الطب الحمية، وأجمعت الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت، وقال عمر بن عبدالعزيز: إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت ويهرب من الناس فاقتربوا منه فإنه يلقي الحكمة. وقال موسى بن علي: زين المرأة الحياء، وزين الحكيم الصمت. وثبت عند الترمذي من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: «من صمت نجا».

احفظ لسانك أيها الإنسان

                                  لا يلدغنك إنه ثعبان

كم في المقابر من قتيل لسانه

                                  كانت تهاب لقاءه الشجعان

النظر في عواقب الأمور

     الحكيم ينظر في عواقب الأمور، ينكر المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ومع ذلك ينظر في الأفكار والنتائج، ويقارن بها وقد يترك النهي عن المنكر إن رأى مفسدة من ورائه.

      روى البخاري في صحيحه من حديث جابر قصة بعض المهاجرين والأنصار في إحدى الغزوات عند دعاء كل جماعة يا للأنصار يا للمهاجرين؛ فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: «دعوها فإنها منتنة» فسمع بذلك رأس المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول فقال: فعلوها أما والله لئن رجعت إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فقام عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه»، فلم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بقتل ابن أبي كي لا يكون قتله سبب نفور الناس عن الإسلام؛ حيث يقول بعضهم لبعض ما يؤمنكم إذا دخلتم في دينه أن يقتلكم كما قتل صاحبه عبدالله بن أبي، قال النووي تعليقا على هذا الحديث: وفيه ترك بعض الأمور المختارة والصبر على بعض المفاسد خوفا من أن تترتب عليه مفسدة أعظم منه.

     وقال ابن تيمية: فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يجعل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به، بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة.

     هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم في إنكار المنكر ومراعاة المفاسد والمصالح، فأين المتسرعون والعاطفيون من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلمومن حكمه وحكمته، إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب.

     هذه هي الحكمة التي أُمرنا بها فعلينا التزامها، قال ابن عباس: كونوا ربانيين حكماء فقهاء. وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما.

أفضل هدية

     إن أفضل هدية لأخيك هي الحكمة، قال أبو عبدالرحمن الحنبلي: ليس هدية أفضل من حكمة تهديها لأخيك، وقال وهب بن منبه: يا بني عليك بالحكمة فإن الخير في الحكمة كلها، وتُشرف الصغير على الكبير، والعبد على الحر، وتزيد السيد سؤددا وتُجلس الفقير مجالس الملوك.

من سمات الأنبياء والصالحين

     والحكمة سمة من سمات الأنبياء والصالحين والعلماء العاملين، ومن فوائدها: أنها دليل كمال العقل، تُلبس صاحبها تاج الكرامة في الدنيا والآخرة، ينفع الله بصاحبها طلاب العلم ومريدي الخير، يدرأ الله بصاحبها أبوابا كثيرة من الشر، تجعل صاحبها يعمل على وفق الشرع، ويصيب في القول والفعل والعقل والتفكير، ويسير على هدى من الله ونور، هذه هي الحكمة، {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب}.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك