رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أحمد حمدي 2 مايو، 2017 0 تعليق

الحكمة من البـلاء

 

ما من أحد وإلا ويبتلى بأمر، من مرض أو فقر أو موت أحد أحبابه أو أقاربه، أو ضياع صفقة أو مال، أو عدم توفيق في سفر أو تجارة أو دراسة أو زواج، أو عدم وجود ولد له أو غير ذلك فيحزن لذلك ابتداءً، والله -عزّ وجلّ- يقول: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}

فمن الإيمان بالقدر: شهود علم الله وحكمته، وأنه ما ابتلاك إلا ليعافيك، وربما تكون المحنة منحة، والله -عزو جل- يبتلي العباد بالخير والشر والضراء والسراء، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، وقال الصحابة: «ابْتُلِينَا بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا، وَابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ فَلَمْ نَصْبِرْ».

والغني فتنة للفقير والعكس، والمريض فتنة للصحيح والعكس، والكافر فتنة للمؤمن، قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}.

وللبلاء حكم عظيمة منها:

- تكفير الذنوب ومحو السيئات، قال صلى الله عليه وسلم : «مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» وقال أيضا: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةَ يَشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» فقد يكون البلاء عقاباً من الله -عزّ وجلّ- على الذنوب، قال أحد السلف: «إني لأرى أثر معصيتي في خلق دابتي وزوجتي».

- الرفعة في الدرجات، قال صلى الله عليه وسلم : «يَوَدُّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ».

- التمحيص والتمييز، قال -تعالى-: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ»، «لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.

- تربية العبد بالبلاء والصلابة وقوة التحمل، فالمؤمن كالذهب يدخل النار ليخرج منه الشوائب والخبث، ويخرج أشد بريقا ولمعانا وصلابة ونقاء وصفاء، مثل الإمام أحمد بن حنبل -إمام أهل السنة والجماعة- دخل محنة خلق القرآن فخرج منها كالجبل الأشم.

- استخراج عبودية الصبر والتوكل والدعاء والتضرع والانكسار والافتقار إلى الله والرضا بقضائه.

- الله -عزّ وجلّ- قد يحرمك من نعمة الصحة أو المال أو الولد لأنك لن تستطيع شكرها فلا يحاسبك على التقصير في الشكر.

- الله -عزّ وجلّ- قد يبتليك ليوقظك من الغفلة؛ فبعض الناس يفهم خطأ أن بسط الرزق أو الصحة أو الولد دليل على رضا الله عنه، قال تعالى: {أيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ}، {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ، كَلاَّ}.

- الله -عزّ وجلّ- قد يمنع النعمة عن العبد رحمة به؛ لأنه ربما يعصيه بها أو يطغى وينسى ربه، أو ربما تكون النعمة وبالا عليه وسببا لشقائه وهو لا يدري؛ فربما يكون الولد عاقا، أو يشرب المخدرات أم يجلب له العار والفضيحة، وربما الصحة تجعله يتجبر على الخلق ويبطش بهم، أو الجاه كذلك، وربما السعة في المال والغنى سببا لنسيان -لله، قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}..

- «إن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، فلو بسطت له لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا السقم، ولو أصححته لأفسده ذلك».

- قد يبتلي الله عبده المؤمن بالمعصية حتى ينكسر له، ولا يعجب بعمله فيحبط، ويعرف أن التوفيق للطاعة فضل من الله، وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنه لولا الله ما اهتدينا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك