رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 30 يناير، 2012 0 تعليق

الحكمة ضالة المؤمن «48»الدال على الخير كفاعله

 

من رحمة الله عز وجل بعباده أن شرع لهم من العبادات ما يناسب قدراتهم، فلم يكلفهم فوق طاقتهم، ولم يحملهم إلا وسعهم كما قال عز وجل: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، ومن رحمته أيضا أنه فتح لهم أبوابا عديدة لكسب الحسنات وتحصيل الدرجات تتناسب مع عجزهم وضعفهم وقصر أعمارهم واختلاف أحوالهم، فأبواب الخيرات متنوعة، ودرجات القرب متعددة، تناسب كل شخص بحسب عمره وعلمه ونوعه وصحته وفراغه كما قال عز وجل: {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً}.

       ومن هذه الأبواب العديدة لكسب الحسنات ورفع الدرجات «باب الأجور المتراكبة، والحسنات المتضاعفة»، فقد دلت النصوص الشرعية على أن المسلم قد يبذل جهداً محدوداً إلا أنه يعود عليه بحسنات مضاعفة، وأجور غير متناهية، وهذا من عظمة الإسلام، ورحمة الله تعالى بعباده.

       فمن هذه الأدلة ما أخرجه مسلم عن زيد بن خالد الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من جهـّز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا»، قال النووي:  «أي حصل له أجر بسبب الغزو، وهذا الأجر يحصل بكل جهاد وسواء قليله وكثيره، ولكل خالف له في أهله بخير من قضاء حاجة لهم وإنفاق عليهم أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته، وفي هذا الحديث الحث على الإحسان إلى من فعل مصلحة للمسلمين أو قام بأمر من مهماتهم».

       وعنْ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ النبيُّ  صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ؛ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وأخرجه ابن ماجه بلفظ: «زيادة لكم في أعمالكم». فالوصية بالخيرات من أبواب الخير المستمر الذي يجري ثوابه على المسلم ولو بعد موته وانقطاع عمله، وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده وإنعامه عليهم.

        وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال  صلى الله عليه وسلم : «مَن فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء» رواه الترمذي، فالمسلم الذي يتبرع بإطعام الصائم حين فطره يحصل له مثل أجر الصائم الذي أتعب نفسه وأظمأ جوارحه.

      وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَكْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» أخرجه ابن ماجه، وهذه الأمور المذكورة في الحديث مما يبقى أثرها بعد موت فاعلها، ولهذا يظل قلم الحسنات جارياً للفاعل ما دام ذلك الأثر باقياً لأنه تسبب في وجودها وبقاء أثرها النافع لمدد طويلة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وغيرها من نصوص تؤكد هذا المبدأ الشرعي، وتقرر هذا الباب العظيم من أبواب كسب الثواب وتحصيل الأجور والحسنات.

        ومن هذا الباب ما جاء من أحاديث تدل على أن الدال على الخير له مثل أجر فاعله، فقد أخرج الترمذي عن أنس بن مالك قال: أتى النبي  صلى الله عليه وسلم  رجل يستحمله، فلم يجد عنده ما يتحمله، فدله على آخر فحمله، فأتى النبي  صلى الله عليه وسلم  فأخبره فقال  صلى الله عليه وسلم : «إن الدال على الخير كفاعله»، ومعنى قوله: «يستحمله» أي: يطلب منه المركب، وقوله «فحمله» أي: أعطاه المركب.

        وأخرج مسلم عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله»، ومعنى قوله: «من دل» أي بالقول أو الفعل أو الإشارة أو الكتابة «على خير» أي علم أو عمل مما فيه أجر وثواب «فله» أي فللدال «مثل أجر فاعله» أي من غير أن ينقص من أجره شيء.

        قال الإمام النووي في شرحه على هذا الحديث: «فيه فضيلة الدلالة على الخير، والتنبيه عليه، والمساعدة لفاعله، وفيه فضيلة تعليم العلم، ووظائف العبادات ولاسيما لمن يعمل بها من المتعبدين وغيرهم، والمراد بـ«مثل أجر فاعله» أن له ثواباً بذلك الفعل كما أن لفاعله ثواباً، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء».

        وأخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ فَعَلَيْهِ مِن الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ اتَّبَعَ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»، رواه مسلم.

        قال الشيخ ابن سعدي: «هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث فيه الحث على الدعوة إلى الهدى والخير، وفضل الداعي، والتحذير من الدعاء إلى الضلالة والغي، وعظم جرم الداعي وعقوبته، والهدى هو العلم النافع والعمل الصالح، فكل من علم علما أو وجـّه المتعلمين إلى سلوك طريق يحصل لهم فيها علم فهو داع إلى الهدى، كل من دعا إلى عمل صالح يتعلق بحق الله، أو بحقوق الخلق العامة والخاصة فهو داع إلى الهدى.

وكل من أبدى نصيحة دينية أو دنيوية يتوسل بها على الدين فهو داع إلى الهدى، وكل من اهتدى في علمه أو عمله، فاقتدى به غيره فهو داع إلى الهدى.

وكل من تقدم غيره بعمل خيري، أو مشروع عام النفع، فهو داخل في هذا النص، وعكس ذلك كله الداعي إلى الضلالة.

فالداعون إلى الهدى هم أئمة المتقين، وخيار المؤمنين، والداعون إلى الضلالة هم الأئمة الذين يدعون إلى النار.

وكل من عاون غيره على البر والتقوى، فهو من الداعين إلى الهدى، وكل من أعان غيره على الإثم والعدوان فهو من الداعين إلى الضلالة».

        ولا يخفى أن الله عز وجل قد أمرنا بالتعاون على البر والتقوى فقال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، فالدلالة على الخير، والإرشاد إلى المعروف، مندرج تحت التعاون على البر، والقائم بذلك مع امتثاله لأمر الله تعالى فهو ساع في باب الأجور المضاعفة والحسنات المركبة، وفقنا الله وإياكم للفقه في الدين، والعمل بما فيه من الهدي القويم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك