رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 2 أغسطس، 2011 0 تعليق

الحكمة ضالة المؤمن (33) زر غبا تزدد حبا

 


الأخوة الإيمانية، ورابطة العقيدة الإسلامية من أهم الركائز التي يقوم عليها المجتمع المسلم، كما قال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة}، وقال النبي [: «المسلم أخو المسلم»، فالمسلمون إخوة تجمعهم رابطة الإيمان وأخوة العقيدة على اختلاف الزمان وتنوع المكان.

ولهذه الأخوة حقوق وواجبات، وآثار ومقتضيات، كما أن لها أسبابا تقويها، وموانع تحول دون تحقق آثارها ونتائجها.

      والزيارة بين الإخوان من أسباب ترسيخ المحبة وتأكيد الأخوة، كما أنها من الأعمال الدينية المستحبة كما دلت على ذلك النصوص الشرعية كقوله [: «من عاد مريضا أو زار أخا في الله ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا « رواه الترمذي، قال شراح الحديث:»قوله: «من عاد مريضا» أي: محتسبا «أو زار أخا له» في الدين لوجه الله لا للدنيا ناداه مناد» أي ملك «أن طبت» دعاء له بطيب عيشه في الدنيا والآخرة، وطاب ممشاك قال الطيبي: كناية عن سيره وسلوكه طريق الآخرة بالتعري عن رذائل الأخلاق والتحلي بمكارمها، «وتبوأت من الجنة منزلا» أي تهيأت من منازل الجنة العالية منزلة عظيمة ومرتبة جسيمة بما فعلت «اهـ.

      وقال النبي [: «أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته - أي: طريقه - ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربّها عليه؟ - أي: تقوم بإصلاحها - قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجلّ، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه» أخرجه مسلم، قال النووي:»في هذا الحديث فضل المحبة في الله تعالى، وأنها سبب لحب الله تعالى العبد، وفيه فضيلة زيارة الصالحين والأصحاب «اهـ

      ومما جاء في فضل الزيارة قوله [:» ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة ؟ ثم ذكر منهم :» والرجل يزور أخاه في ناحية المصر في الله، في الجنة» أخرجه الدارقطني وحسنه الألباني.

وفي الحديث القدسي قال الله عز وجلّ: «حقت محبتي للمتزاورين فيّ» أخرجه أحمد وصححه الألباني.

      ونلاحظ من الأحاديث المتقدمة وغيرها اشتراط الإخلاص لله تعالى في الزيارة وابتغاء وجه الله والتماس الأجر والمثوبة منه سبحانه، فلا يقصد الزائر مصلحة دنيوية أو منفعة مادية، حتى ينال ذلك الجزاء والفضل، ومن المقاصد المشروعة طلب العلم، وصلة الرحم، وعيادة المريض، وتفقد الأحوال لقضاء الحاجات، وترويح الأنفس بالمباحات ونحوها من مقاصد حسنة ونيات صالحة.

      قال أبو حاتم في روضة العقلاء:»الواجب على العاقل تعاهد الزيارة للإخوان، وتفقد أحوالهم؛ لأن الزائر في قصده الزيارة يشتمل على مصادفة معنيين:

أحدهما : استكمال الذخر في الآجل بفعله ذلك.

والآخر : التلذذ بالمؤانسة بالأخ المزور، مع الانقلاب بغنيمتين معا «.

      وللزيارة آداب وأحكام ينبغي للزائر مراعاتها؛ منها أحكام الاستئذان والسلام وآداب المجلس والحديث، ومنها أيضا أن تكون الزيارة سببا لزيادة الود وليست لترسيخ القطيعة وغرس البغضاء بسبب إثقال الزائر على المزور، أو مضايقته ببعض التصرفات الساذجة، كطلب بعض الأطعمة، أو التدخل في الأمور الخاصة، أو انتقاد ما يراه من أثاث أو طعام أو غير ذلك، أو اصطحاب الأطفال المزعجين، ومن ذلك عدم الإطالة في الزيارة أو تكرارها بما يقتضي الملل؛ ولهذا جاء في الحديث:» زر غبا تزدد حبا» أخرجه البزار وغيره وصححه الألباني.

      ويبين ابن الأثير معنى الحديث فيقول:»الغِبّ من أوراد الإبل أن ترد الماء يوما وتدعه يوما ثم تعود، فنقله إلى الزيارة وإن جاء بعد أيام، يقال : غبّ الرجل إذا جاء زائرا بعد أيام، وقال الحسن: في كل أسبوع، ومنه الحديث:»أغبوا في عيادة المريض» أي لا تعودوه في كل يوم؛ لما يجد من ثقل العوّاد «اهـ.

      فإن قيل إن النبي [ كان يكثر زيارة أبي بكر رضي الله عنه كل يوم بكرة وعشيا، كما ذكرته عائشة رضي الله عنها فيما أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب: هل يزور صاحبه كل يوم بكرة وعشيا؟ فهل هذا يعارض الحديث المذكور؟

      فالجواب كما قال ابن حجر :»لا منافاة بين هذا الحديث وحديث الباب - يعني حديث عائشة - لأن عمومه يقبل التخصيص، فيحمل على من ليست له خصوصية ومودة  ثابتة، فلا ينقص كثرة زيارته من منزلته. قال ابن بطال: «الصديق الملاطف لا تزيده كثرة الزيارة إلا محبة بخلاف غيره»اهـ.

وقال أبو حاتم :» الناس في الزيارة على ضربين :

      فمنهم من صحح الحال بينه وبين أخيه، وتعرى عن وجود الخلل، وورود البغض فيه، فإذا كان بهذا النعت، أحببت له الإكثار من الزيارة، والإفراط في الاجتماع ؛ لأن الإكثار من الزيارة بين من هذا نعته لا يورث الملالة، والإفراط في الاجتماع بين من هذه صفته يزيد في المؤانسة.

      والضرب الآخر : لم يستحكم الود بينه وبين من يواخيه، ولا أداهما الحال إلى ارتفاع الحشمة بينهما فيما يبتذلان لمهنتيهما، فإذا كان بهذا النعت أحببت له الإقلال من الزيارة؛ لأن الإكثار منها بينهما يؤدي إلى الملالة، وكل مبذول مملول، وكل ممنوع ملذوذ، وقد روي عن النبي [ أخبار كثيرة تصرح بنفي الإكثار من الزيارة حيث يقول: «زر غبا تزدد حبا»اهـ.

      فالمسلم يراعي حقوق الله تعالى بالإخلاص والاتباع، ويراعي حقوق العباد بالأخوة والرحمة والإنصاف، دون أن يضر نفسه أو يؤذي غيره حسيا أو معنويا، فيقدر ظروفهم، ويراعي مشاعرهم، ويثمن أخوتهم، وينمي محبتهم، ويحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه؛ لأنه وإياهم كالجسد الواحد يكمل بعضه بعضا، وبالله التوفيق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك