رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 3 أبريل، 2011 0 تعليق

الحكمة ضالة المؤمن (16) شجرة الكسل تثمر الجوع

 

      يحث الإسلام على النشاط والهمة والحرص على كل ما ينفع الإنسان في دينه ودنياه وآخرته، ويحذر من الكسل والتراخي والغفلة والقعود عن السعي في مصالح الدارين، فقال عز وجل: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم} وقال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}، وقال سبحانه: {فاستبقوا الخيرات} وقال: {لمثل هذا فليعمل العاملون} وقال: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.

       وقال [: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز « أخرجه مسلم، وكان من دعائه [: «وأسألك العزيمة على الرشد»، وكان يقول لأصحابه: «إن الله تعالى يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها» أخرجه الطبراني وصححه الألباني.

        ولا شك أن الكسل من الآفات الاجتماعية الخطيرة، والصفات الشخصية الرذيلة، فما أقبح أن يوصف الإنسان بأنه كسل وكسلان، ساقط الهمة، متخاذل العزم، بليد الحركة، عيال على الناس، خبال على أهله، قد ألف القعود، وأخلد إلى الكسل، واستنام إلى الراحة، وغيرها من الأوصاف التي تدل على الخمول والكسل، فهذا مذموم عند جميع العقلاء وسليمي الطباع.

       والكسل في اللغة: هو التثاقل عن الشيء والقعود عن إتمامه، قال المناوي: الكسل: التغافل عما لا ينبغي التغافل عنه؛ ولذلك عدّ مذموما، وضده النشاط .

        وقد ذمّ الله تعالى الكسل والتباطؤ وجعلهما من صفات المنافقين فقال عز وجل: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} وقال عنهم: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون}.

        وكان من دعائه[: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال» أخرجه مسلم، ومن يتأمل حقيقة ما استعاذ منه النبي[ يجد أنها أبواب الرذائل، ومفاتيح الشر، فالعجز والكسل يقعد أن بالإنسان عما ينفعه في دينه ودنياه وآخرته، والجبن يمنع من الإقدام في مواطن الشجاعة، والبخل يمنعه من الإنفاق في مواطن البذل، وغلبة الدين تجعل الرجل يحدث فيكذب، ويعد فيخلف.

          ويوضح الراغب الأصفهاني أن الكسل خروج من دائرة الحياة إلى عداد الموتى فيقول: «من تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية، بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى، وذلك أنه خص الإنسان بالقوى الثلاث ليسعى في فضيلتها، فإن فضيلة القوة الشهوانية تطالبه بالمكاسب التي تنميه، وفضيلة القوة الغضبية تطالبه بالمجاهدة التي تحميه، وفضيلة القوة الفكرية تطالبه بالعلم الذي يهديه، فحقه أن يتأمل قوته ويسبر قدر ما يطيقه، فيسعى بحسبه لما يفيده السعادة، ويتحقق أن اضطرابه سبب وصوله من الذل إلى العز، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الضعة إلى الرفعة، ومن الخمول إلى النباهة، وإن من تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة، فحب الهوينى يكسب التعب، وقيل: إن أردت ألا تتعب فاتعب لئلا تتعب، وقيل: إياك والكسل والضجر فإنك إن كسلت لم تؤد حقا، وإن ضجرت لم تصبر على حق .

وقال يزيد بن المهلب: ما يسرني أني كفيت أمر الدنيا كله لئلا أتعود العجز .

       وإن الفراغ يبطل الهيئة الإنسانية، فكل هيئة بل كل عضو ترك استعماله يبطل، كالعين إذا أغمضت، واليد إذا عطلت، ولذلك وضعت الرياضات في كل شيء، ولما جعل الله تعالى للحيوان قوة التحرك لم يجعل له رزقا إلا بسعي منه .

      وتأمل حال مريم عليها السلام وقد جعل لها من الرطب الجني ما كفاها مؤنة الطلب، وفيه أعظم معجزة فإنه لم يخلها من أن أمرها بهزها فقال تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة}، وكما أن البدن يتعود الرفاهية بالكسل، كذلك النفس بترك التفكر والنظر فتتبلد وتتبله وترجع إلى رتبة البهائم، فحق الإنسان ألا يذهب عامة أوقاته إلا في إصلاح أمر دينه ودنياه وموصلاته إلى آخرته، مراعيا لها، قال الحجاج: إن امرأ أتت عليه ساعة من عمره لم يذكر فيها ربه ويستغفر من ذنبه أو يتفكر في أمر معاده لجدير أن تطول حسرته يوم القيامة .»اهـ.

ثم ذكر الراغب أن الإنسان محتاج إلى خمسة أمور:

        معرفة المعبود المشار إليه بقوله: {ففروا إلى الله}، ومعرفة الطريق المشار إليه بقوله: {قل هذه سبيل أدعو إلى الله على بصيرة}، وتحصيل الزاد المتبلغ به المشار إليه بقوله: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}، والمجاهدة في الوصول كما قال تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده}، فبهذه الأشياء يأمن الغرور الذي خوفه الله تعالى منه في قوله: {ولا يغرنكم بالله الغرور}، وهذه المعالي التي دونها هول العوالي، ولا ضير لمن رامها أن يتذرع الصبر فقد أصاب من قال:

فقل لمرجي معالي الأمور

                                        بغير اجتهاد رجوت المحالا

       ويبين ابن الجوزي أن العبرة بالمآل فيقول: « تعب عالي الهمة راحة في المعنى، وراحة قصير الهمة تعب وشين إن كان ثم فهم، والدنيا دار سباق إلى أعالي المعالي، فينبغي لذي الهمة أن لا يقصر في شوطه، فإن سبق فهو المقصود، وإن كبا جواده مع اجتهاده لم يلم» .اهـ.

       قال الفراء: « لا أرحم أحدا كرحمتي لرجلين: رجل يطلب العلم ولا فهم له، ورجل يفهم ولا يطلبه، وإني لأعجب ممن في وسعه أن يطلب العلم ولا يتعلم « قال المتنبي:

ولم أر في عيوب الناس عيبا

                                            كنقص القادرين على التمام

        وأختم بقول ابن القيم: « وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة، فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال، واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلا، استراح طويلا، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة، والله المستعان، ولا قوة إلا بالله «اهـ.

        فنسأل الله تعالى أن يرزقنا الهمة العالية، ويوفقنا لمعالي الأمور، وأن يحفظنا من العجز والكسل وسفاسف الأمور.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك