رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 21 أبريل، 2014 0 تعليق

الحكمة ضالة المؤمن- المؤذنون أمناء المسلمين


يدبر الشيطان لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد، وإظهار شعائر الإسلام وإعلانه، وقيل: ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد

 يتمتع المسلمون في العالم الإسلامي بنعمة عظيمة، لا يشعر بقيمتها إلا من فقدها، وهي سماع الأذان خمس مرات في اليوم والليلة، فالمسلمون في البلاد غير الإسلامية يغبطون إخوانهم على هذه النعمة الكريمة؛ حيث حرموا منها في مهاجرهم، فنحن نتلذذ بسماع الأذان من المساجد يعلو مناديا بالتوحيد والتعظيم لله تعالى.

وقد شرع الأذان لحكم عظيمة، قال أبو العباس القرطبي في المفهم: «الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة؛ لأنه بدأ بالأكبرية، وهي تتضمن وجود الله وكماله، ثم ثنى بالتوحيد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ثم بإثبات الدعوة على الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة؛ لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم، وفيه الإشارة على المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيدا، ويحصل بالأذان الإعلام بدخول الوقت، والدعاء إلى الجماعة، وبإظهار شعار الإسلام».

وللمؤذنين في الإسلام مكانة عالية، وأجور وفيرة بإذن الله تعالى ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم وحاجتهم»أخرجه

البيهقي وحسنه الألباني. قال المناوي: «لأنهم يعتمدون عليهم في دخول الوقت، (وحاجتهم) المراد به حاجة الصائمين إلى الإفطار».

وقال صلى الله عليه وسلم : «المؤذنون أمناء المسلمين على فطرهم وسحورهم» أخرجه الطبراني وحسنه الألباني. قال المناوي: لأنهم بأذانهم يفطرون من صيامهم، وبه يصلون، فعليهم بذل الوسع في تحرير دخول الوقت، فمن قصر منهم فقد خان.

ودعا النبي صلى الله عليه وسلم للمؤذنين فقال: «الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم ارشد الأئمة واغفر للمؤذنين» أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.

     قال المباركفوري: «أراد بالضمان هاهنا الحفظ والرعاية لا ضمان الغرامة؛ لأنه يحفظ على القوم صلاتهم، وقيل: إن صلاة المقتدين به في عهدته، وصحتها مقرونة بصحة صلاته، فهو كالمتكفل لهم بصحة صلاتهم، (والمؤذن مؤتمن) أراد أنه أمين على مواقيت الصلاة، وقيل: أمين على حرم الناس؛ لأنه يشرف على المواضع العالية، والحديث استدل به على فضيلة الأذان وعلى أنه أفضل من الإمامة؛ لأن الأمين أرفع حالا من الضمين.

وقوله: «اللهم أرشدالأئمة» أي: أرشدهم للعلم بما تكفلوه والقيام به والخروج من عهدته، «واغفر للمؤذنين» أي: ما عسى يكون لهم تفريط في الأمانة التي حملوها من جهة تقديم على الوقت أو تأخير عنه سهوا».

وبين النبي صلى الله عليه وسلم عظم أجر المؤذنين في الآخرة فقال: «المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة» أخرجه مسلم، قال المناوي: «أي أكثرهم: تشوقا إلى رحمة الله؛ لأن المتشوق يطيل عنقه إلى ما تشوق إليه، أو معناه أكثر ثوابا».

     ونقل النووي عن النضر بن شميل أنه قال: «إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق»، قال النووي: «وقيل معناه: أنهم سادة ورؤساء، والعرب تصف السادة بطول العنق، وقيل معناه: أكثر أتباعا، وقال ابن الأعرابي: معناه: أكثر الناس أعمالا، قال القاضي عياض وغيره: ورواه بعضهم»إعناقا» بكسر الهمزة أي: إسراعا إلى الجنة، وهو من سير العَنَق».

وقال صلى الله عليه وسلم : «المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس، وشاهد الصلاة يكتب له خمس وعشرون صلاة، ويكفر عنه ما بينهما» أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم : «المؤذن يغفر له مدى صوته، وأجره مثل أجر من صلى معه» أخرجه الطبراني وصححه الألباني.

قال المناوي: «أي: غاية صوته، أي يغفر له مغفرة طويلة عريضة على طريق المبالغة،أي: يستكمل مغفرة الله إذا استوفى وسعه في رفع الصوت».

     والأذان يطرد الشيطان كما قال صلى الله عليه وسلم : «إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين»، قال النووي: «قال العلماء: إنما أدبر الشيطان عند الأذان لئلا يسمعه فيضطر إلى أن يشهد له بذلك يوم القيامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة» أخرجه البخاري.

وقيل: إنما يدبر الشيطان لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد، وإظهار شعائر الإسلام وإعلانه، وقيل: ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد».           

     وعن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك، وإلا أغار، فسمع رجلا يقول:الله أكبر، الله أكبر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «على الفطرة» ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خرجت من النار» فنظروا فإذا هو راعي معزى. أخرجه مسلم

قال النووي: قوله: «على الفطرة» أي: على الإسلام، وقوله: «خرجت من النار» أي: بالتوحيد، واحتج به على أن الأذان مشروع للمنفرد.

     وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» متفق عليه. قال النووي: «النداء: هو الأذان، والاستهام: الاقتراع، ومعناه: أنهم لو علموا فضيلة الأذان وقدرها وعظيم جزائه، ثم لم يجدوا طريقا يحصلونه به لضيق الوقت عن أذان بعد أذان، أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد ، لاقترعوا في تحصيله».

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الصحيح أن الأذان فرض كفاية، فليس لأهل مدينة ولا قرية أن يدعوا الأذان والإقامة»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به مالكا بن الحويرث في قوله: «فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم» أخرجه البخاري، ولمداومته[ على فعله؛ لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة، وبناء على هذا فمن صلى بغير أذان ولا إقامة فصلاته صحيحة لما رواه علقمة والأسود قالا: «دخلنا على ابن مسعود فصلى بنا بلا أذان ولا إقامة».

     وأخرج ابن أبي شيبة آثارا عن الصحابة في فضل المؤذنين منها قول عمر: «لو أطقت الأذان مع الأذان مع الخليفى لأذنت»، وقال سعد بن أبي وقاص: «لأن أقوى على الأذان أحب إلي من أن أحج وأعتمر وأجاهد»، وقال ابن عمر لرجل: ما عملك؟ قال: الأذان، قال: نعم العمل، يشهد لك كل شيء سمعك»، وعن عائشة قالت: «ما أرى هذه الآية نزلت إلا في المؤذنين: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}.

فهنيئا للمؤذنين المخلصين ما أعد الله تعالى لهم من المثوبة والكرامة لما بذلوا من جهد في حفظ أوقات العبادة على المسلمين، ومتعنا الله تعالى بسماع الأذان ورزقنا إجابته، وبالله التوفيق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك