رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 18 مارس، 2014 0 تعليق

الحكمة ضالة المؤمن{ويدرؤن بالحسنة السيئة}


حث النبي  صلى الله عليه وسلم الناس على الصفح والعفو فقال: «ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم» أخرجه أحمد

 

أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين في القرآن الكريم والسنة المطهرة بصفات عديدة، وأخلاق كريمة، تدل على حبه سبحانه لها، وندبه عباده للتحلي بها، ومن جملة ما مدح الله تعالى عباده الصالحين بأنهم يدفعون إساءة من أساء إليهم من الناس بالإحسان إليهم، كما قال تعالى: {{والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار}(الرعد: 22)}(الرعد: 22)، قال ابن زيد: «يدفعون الشر بالخير، فلا يكافئون الشر بالشر، ولكن يدفعونه بالخير»، وقال الحسن: «إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا»، وقال القتبي: «إذا سفه عليهم حلموا»، وقال ابن جبير: «يدفعون المنكر بالمعروف».

قال الشيخ ابن سعدي: «أي: من أساء إليهم بقول أوفعل لم يقابلوه بفعله، بل قابلوه بالإحسان إليه، فيعطون من حرمهم، ويعفون عمن ظلمهم، ويصلون من قطعهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، وإذا كانوا يقابلون المسيء بالإحسان، فما ظنك بغير المسيء».

     وقال ابن كثير: يدفعون القبيح بالحسن، فإذا آذاهم أحد قابلوه بالجميل صبرا واحتمالا، وصفحا وعفوا كقوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}(فصلت: 34- 35)، ولهذا قال مخبرا عن هؤلاء السعداء المتصفين بهؤلاء الصفات الحسنة بأن لهم عقبى الدار.

وحيث إن الإساءة متجددة وقد تحصل مرة بعدة أخرى، جاء التعبير القرآني بالفعل المضارع {ويدرؤون بالحسنة السيئة} كما يقول ابن عاشور إيماء إلى أن تجدد هذا الدرء; لأن الناس عرضة للسيئات على تفاوت، فوصف لهم دواء ذلك بأن يدفعوا السيئات بالحسنات.

ولا شك أن المسلم معرض للإساءة قليلة كانت أم كثيرة، مقصودة كانت أم عفوية وعلى كل حال فله ثلاثة مواقف من هذه الإساءة، كما ذكر الشيخ ابن سعدي أن مراتب العقوبات على ثلاث مراتب: عدل وفضل وظلم.

     فمرتبة العدل: جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقصاً، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله. مع مراعاة ما يجوز في المقابلة بالسيئة وما لا يجوز، فلا يجوز أن يقتص المسلم من غيره بأمر محرم، فلا يكذب على من كذب عليه، ولا يسرق من سرقه، ولايعتدي على عرض من اعتدى على عرضه؛ لأن هذه محرمات لحق الله تعالى، وإنما يستوفي حقه بالطرق المشروعة بالتراضي أو التقاضي.

     ومرتبة الفضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}(الشورى: 40). يجزيه أجرا عظيما، وثوابا كثيرا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به.

وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.

وأما مرتبة الظلم فقد ذكرها بقوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(الشورى: 40).

الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم.

     وقال بعضهم: لما كانت الأقسام ثلاثة: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات، ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية فذكر المقتصد وهو الذي يفيض بقدر حقه لقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}(الشورى: 40)، ثم ذكر السابق بقوله: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ثم ذكر الظالم بقوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين} (الشورى: 40) فأمر بالعدل ، وندب إلى الفضل ، ونهى من الظلم.

     وقال الشيخ ابن سعدي: «يقول تعالى - مبيحا للعدل ونادبا للفضل والإحسان- {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ}(النحل: 126)، من أساء إليكم بالقول والفعل { فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ }(النحل: 126)، من غير زيادة منكم على ما أجراه معكم {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ}(النحل: 126)، عن المعاقبة وعفوتم عن جرمهم {لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}(النحل: 126)، من الاستيفاء، وما عند الله خير لكم وأحسن عاقبة».

     والقرآن الكريم يؤكد هذا المعنى في آيات كثيرة منها قوله سبحانه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَة نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ َ}(المؤمنون: 96)، قال ابن سعدي: «هذا من مكارم الأخلاق، التي أمر الله رسوله بها فقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}(المؤمنون: 96)، أي: إذا أساء إليك أعداؤك، بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإساءة، مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإن ذلك فضل منك على المسيء، ومن مصالح ذلك، أنه تخف الإساءة عنك، في الحال، وفي المستقبل، وأنه أدعى لجلب المسيء إلى الحق، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتوبة عما فعل، وليتصف العافي بصفة الإحسان، ويقهر بذلك عدوه الشيطان، وليستوجب الثواب من الرب، قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}(الشورى: 40).

     ومنها قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا }(الفرقان: 63) قال ابن كثير: «أي: إذا سفه عليهم الجهال بالسيئ، لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرا، كما كان رسول الله   صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما».

     وقال سبحانه: {أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }(القصص: 54)، قال الطاهر: «وعد الله لهم سبع خصال من خصال أهل الكمال، وذكر منها درؤهم السيئة بالحسنة وهي من أعظم خصال الخير، وأدعاها إلى حسن المعاشرة».

وقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}(فصلت: 34).

قال الشيخ الطاهر: «وإنما أمر الرسول- صلى الله عليه وسلم - بذلك لأن منتهى الكمال البشري خلقه كما قال  صلى الله عليه وسلم : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقالت عائشة لما سئلت عن خلقه: «كان خلقه القرآن»؛ لأنه أفضل الحكماء».

وحث النبي  صلى الله عليه وسلم الناس على الصفح والعفو فقال: «ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم» أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر.

وقال أبو بكر: «بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة فينادي: من كان له عند الله شيء فليقم، فيقوم أهل العفو، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس».

ففي هذا الزمان نحتاج إلى التحلي بهذا الخلق الكريم، فيعفو بعضنا عن بعض، ويسمو بأخلاقه فيقابل الإساءة بالإحسان فذلك أفضل أخلاق المؤمن العفو كما قال الحسن، وبالله التوفيق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك