الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي الحلقة (1) منهج العلماء في الحفاظ على الأمن
لاشك أن سعي العلماء السلفيين في الحفاظ على الأمة من الفتن، وعلى الأمن في المنطقة، ودول الخليج، بل في العالم أجمع هذا أمر واضح بيِّن لكل من له أدنى معرفة واتصال بهم، ونصحهم للأمة، حكاماً ومحكومين، أمر يشهد به القاصي والداني، وإبراز هذا الجانب من خلال تلك المحاور ليساهم في معالجة هذه الأزمة لاسيما في هذه الحقبة، التي تحتاج إلى مزيد عناية واهتمام وتكاتف للجهود، وتعاون بين المصلحين، من الأُمراء، والعلماء والحكماء والفقهاء، والعقلاء، وجميع وسائل الإعلام، ومراكز البحوث والتوجيه؛ من حيث التقعيد والتأصيل، ومن حيث التطبيق والتفعيل.
مما يؤسف عليه أنه قد افتات على أهل العلم أناس تزيوا بزيهم ولبسوا لباسهم وليسوا منهم وكانوا أبواق فتنة في الأمة وكانوا سبباً لكثرة الاضطرابات والفساد
علماء الدعوة السلفية هم كبار أهل العلم، وهم الذين ينبغي أن يصدر الناس عن أقوالهم وإليهم المرجع في النوازل والملمات والمسائل العظام
يجب أن يعلم أن حل المعضلة الأمنية من الناحية العسكرية فقط لايكفي، بل يجب أن تكون ضمن الحلول المطروحة: النواحي الإعلامية، والفكرية والمنهجية؛ لأن تلك العقائد والأفكار المنحرفة راسخة في عقول الكثير، والدعوة إليها لها زمان طويل، وغفلة الكثير من الناس عنها جعلها تستشري في الأمة، رغم توضيح العلماء السلفيين لها لكن هذا التوضيح للشباب كان من خلال الدروس العلمية في المساجد وبعض المؤلفات، والنصائح لولاة الأمر، والفتاوى، مع علمهم بأنه لا يجوز سكوتهم عن الحق وكتمانه ولاسيما إذا تعين البيان، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-: «إذا سكتَّ أنتَ وسكتُّ أنا، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟!».
ومما يؤسف عليه أنه قد افتات على أهل العلم الذين هم أهله أناس تزيوا بزيهم، ولبسوا لباسهم وليسوا منهم، وكانوا أبواق فتنة في الأمة، وكانوا سبباً لكثرة الاضطرابات والفساد، ورفعوا شعارات وتكلموا بكلام ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، ودسوا السم في العسل؛ فاختلطت الأمور على العامة الدهماء، وأسهم في ذلك بعض وسائل الإعلام المأجورة الفاسدة المفسدة؛ فكان لزاماً على أهل الحق أن يميزوا أهل الحق من أهل الزيغ والضلال، وأن يوضحوا سبيل المؤمنين، ويحذروا من سبيل المجرمين.
ولقد قام علماؤنا ولله الحمد بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قديماً وحديثاً أتم قيام بكل ما أوتوا من حكمة، ونصحوا للأمة حكاماً ومحكومين، ولم يألوا جعدا؛ فجزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء، وحذروا من سبيل المفسدين، ومغبة الخروج، والمظاهرات، وهذه الفتن، ولكن يجب أن يكون هناك تعاون أقوى فيما بينهم، واجتهاد أكثر من وسائل الإعلام في إيصال أصواتهم للناس عامة.
والله غالب على أمره، ونحن على يقين أنه متى انتشر الحق وذاع أنه ينقشع الظلام وقد قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}، وقال: {قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}، وقال سبحانه: {وما يبدئ الباطل وما يعيد}.
صفة علماء الدعوة السلفية
علماء الدعوة السلفية هم كبار أهل العلم وهم الذين ينبغي أن يصدر الناس عن أقوالهم، وإليهم المرجع في المدلهمات، والنوازل والملمات، والقضايا الكبار، والمسائل العظام، وهم النور الذي تستضيء به الأمة، وهم أعلم الناس بجميع الفقهيات: (فقه الكتاب – فقه السنة – فقه اللغة – فقه الواقع – فقه السنن الكونية – فقه الخلاف..إلخ)، وهم أهل الرسوخ فيها، وهم أهل الفقه والفهم والاجتهاد في الشريعة، والتمرس فيه، وهم ذووت الخبرة الطويلة، ولديهم بُعد نظر، وبصيرة ودراية، وإلهام وتوفيق وهداية، قَالَ عُمَر]: «فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْر]، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ»، وقد حاول الكثير أن يقصيهم فأبى الله إلا أن يُعْلِي كلمته، ولو كان أكثر الخلق على خلافها.
والعلماء حقاً هم الذين يبلغون الدين الصحيح ولا يبالون بشيء، قال شيخنا العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: «فعالم الملة: هو الذي ينشر دين الإسلام، ويفتي بدين الإسلام عن علم، ولا يبالي بما دل عليه الشرع أَوافقَ أهواء الناس أم لم يوافق»، ويجب على العلماء ما لا يجب على غيرهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والعلماء حقاً بينهم اتفاق ومحبة ووئام، فنجد أن الأئمة الكبار أمثال العلامة ابن باز وابن عثيمين والألباني -رحمهم الله- ومن سار على منهاجهم، كلماتهم واحدة في العقيدة والمنهج والمسائل العظام، يذكرني ذلك بكلمة لقوام السنة ابن الأصبهاني -رحمه الله-؛ حيث قال: «مما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق، أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة، من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم في الديار، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة، يجرون فيها على طريق لا يحيدون عنها، قولهم في ذلك واحد، ونقلهم واحد، لا ترى بينهم اختلافاً، ولا تفرقاً في شيء ما وإن قلّ.
بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم، ونقلوه عن سلفهم، وجدته كأنه جاء من قلب واحد، وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبيّن من هذا؟!، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}(النساء: 82)».
- والخلاصة: أن العلماء حقاً هم السلفيون أتباع الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح، وعلى رأسهم في هذا العصر: أئمة الهدى دعاة هذا المنهج الصافي، الذين عُرِفوا به، ودَعَوْا إليه، ولم يتزحزحوا عنه، فكل سنة انتشرت كانت بفضل جهودهم بعد فضل الله تعالى، وكل بدعة أُميتت إنما يرجع ذلك إلى قيامهم بحربها؛ فلولا فضل الله علينا ثم فضل هؤلاء، لم يميز الحق من الباطل، ولا عرف الرشد من الغي في هذا العصر، وعلى رأسهم: الأئمة الثلاثة المجددون الألباني وابن باز وابن عثيمين -رحمهم الله- ومن سلك سبيلهم، من أمثال العلامة عبد المحسن العباد، والعلامة صالح الفوزان، والعلامة عبدالكريم الخضير ونحوهم، حفظهم الله جميعاً، فليست هذه من الكهانوتية في شيء كما يزعم بعض الناس هداهم الله؛ لأنهم لم يدعوا إلى أنفسهم، ولم يتكلموا في مسألة إلا بالدليل الراجح الصحيح، والحجة والبرهان، فقاموا بالدعوة ممتثلين قوله تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(يوسف: 108)، فجعلهم الله أئمة يهدون بالحق وبه كانوا يعدلون، وجعلهم أئمة للمتقين، وذلك أنهم أهل علم وحلم، ويقين وهدى، ومن أولي الصبر والبصيرة، قال ابن القيم: «خِيَارُهُمْ مِنْ أُوتِيَ الْحِلْمَ وَالْعِلْمَ، فَالْحَلِيمُ لَا يَسْتَفِزُّهُ الْبَدَوَاتُ، وَلَا يَسْتَخِفُّهُ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، وَلَا يُقْلِقُهُ أَهْلُ الطَّيْشِ وَالْخِفَّةِ وَالْجَهْلِ، بَلْ هُوَ وَقُورٌ ثَابِتٌ ذُو أَنَاةٍ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ وُرُودِ أَوَائِلِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ، وَمُلَاحَظَتُهُ لِلْعَوَاقِبِ تَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ تَسْتَخِفَّهُ دَوَاعِي الْغَضَبِ وَالشَّهْوَةِ؛ فَبِالْعِلْمِ تَنْكَشِفُ لَهُ مَوَاقِعُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ، وَبِالْحِلْمِ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَثْبِيتِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْخَيْرِ، وَإِذَا شِئْتَ أَنْ تَرَى بَصِيرًا صَابِرًا لَمْ تَكَدْ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَقَدْ رَأَيْتَ إمَامَ هُدًى حَقًّا فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ»، فآثارهم العلمية من فتاوى وكتب نافعة، وتلاميذ فكلهم خير وبركة على الأمة، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وإن الخير والهدى والحكمة، وإدراك الأمور على حقيقتها والبركة معهم، وقد قال: «البركة مع أكابركم»، وقال عمر بن الخطاب: «قد علمتُ متى صلاح الناس، ومتى فسادهم، إذا جاء الفقه من قِبَلِ الصغير استعصى عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من قِبَل الكبير تابعه الصغير فاهتديا»، وقال الشعبي: «كل أمة علماؤهم شرارها، إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم»، ووضح ذلك ابن تيمية فقال: «وذلك أن كل أمة غير المسلمين فهم ضالون، وإنما يضلهم علماؤهم، فعلماؤهم شرارهم، والمسلمون على هدى وإنما يتبين الهدى بعلمائهم، فعلماؤهم خيارهم».
ثم إنهم يبحثون وينظرون إلى المآلات بغير هوى، ولا غش، مع العلم التام بالمصالح والمفاسد، قال ابن الوزير: «معرفة العواقب الحميدة والغاية الغيبية البعيدة، والمرجحات الخفية عند تعارض المصالح والمفاسد»، وليحذر اتباع الهوى ومآلاته، قال الشاطبي -رحمه الله-: «ومنْ تتبعَ مآلاتِ اتباعِ الهوى في الشرعياتِ وجدَ منَ المفاسدِ كثيرًا، ولعلَّ الفِرقَ الضالةَ أَصلُ ابتداعهَا اتباعُ أَهوائها، دونَ توخي مقاصد الشرع».
ولقد أخذ الله على العلماء الميثاق ببيان الحق وعدم كتمانه، عَنْ قتادة قال: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ} الآية: هَذَا ميثاق، أخذه الله عَلَى أهل العلم، فمن علم علماً، فليعلمه الناس، وإياكم وكتمان العلم، فإنَّ كتمان العلم هلكة»، وقال سفيان: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ»: أَنْ تُنْكِرَ الْمُنْكَرَ، وَتَأْمُرَ بِالْخَيْرِ، وَتُحَسِّنَ الْحَسَنَ، وَتُقَبِّحَ الْقَبِيحَ»، لذا نجد أن أهل العلم أظهروا علمهم للخاصة والعامة، ولاسيما عند الفتن، نصحاً لهم، وإرشاداً ونطقوا بالحق، ولم تأخذهم في دين الله لومة لائم، فأهل العلم ثابتون ثبات الجبال الرواسي، كما قال الأول:
تزول الجبال الراسيات وقلبه
على العهد لا يلوي ولا يتغير
ومن أمثلة ثبات أهل العقل والعلم والهدى في الفتن، وأنهم لا يستجيبون للعامة والطغام، ما ورد عَنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: حدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الآجرِّ، عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ، قَالاَ: قَدِمْنَا الرَّبَذَةَ فَمَرَرْنَا بِرَجُلٍ أَبْيَضِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ أَشْعَثَ، فَقِيلَ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ وَقَدْ فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ، فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَنَا رَايَةً فَنَأْتِيك بِرِجَالٍ مَا شِئْت، فَقَالَ: «يَا أهلَ الإِسلام، لا تعرضوا عليَّ أَذاكم، لا تُذلُّوا السُّلطانَ، فإنَّهُ مَن أذلَّ السُّلطانَ أذلَّهُ اللهُ، واللهِ أَن لَو صلبنِي عثمانُ علَى أطولِ حَبلٍ، أَو أَطولِ خشبةٍ لَسمعتُ وأطعتُ وصبرتُ وَاحتسبتُ ورأيتُ أنَّ ذَلكَ خيرٌ لِي، ولو سَيَّرني ما بين الأُفقِ إلى الأُفقِ، أو بين الْمَشرقِ إلى المغربِ، لَسمعتُ وأطعتُ وصبرتُ واحتسبتُ ورأيتُ أنَّ ذلكَ خيرٌ لي».
فهم ثابتون راسخون، ينظرون بنور الله -تعالى- ويبصرهم الله بحقائق الأمور قبل وقوعها.
فالمضار والمفاسد ظاهرة جداً لكل ذي عينين، ويعرفها العلماء والعقلاء قبل وقوعها؛ ولذا حذّر منها العلماء قديماً وحديثاً؛ لذلك قال الحسن: «إِنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ عَرَفَهَا كُلُّ عَالِمٍ وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَرَفَهَا كُلُّ جَاهل».
لاتوجد تعليقات