رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: وليد سيف النصر 24 أكتوبر، 2016 0 تعليق

الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي الحلقة (2) الجاهلون وحدثاء الأسنان وأنصاف العلماء وأثرهم السيئ في الأمة الإسلامية

 لا شك أن الهاجس الأمني أخذ يحتل المرتبة الأولى على الأصعدة جميعها على مستوى العالم ولاسيما في منطقة الخليج الملتهبة، التي تتصارع على رمالها جميع الدول الكبرى، ويتنافس على ثرواتها كل طامع وحاقد، لقد شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضية نشوء العديد من الحركات الإرهابية والمتطرفة التي لم نسمع بها من قبل وممارستها لأبشع الجرائم بحق الإنسانية من تفجير المساجد والمجمعات التجارية، ونحر البشر وإشاعة الفاحشة وغيرها من الجرائم البشعة التي يشيب لها الولدان.  وإيمانا من مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية بأهمية التركيز على موضوع الأمن وبيان انعكاساته على جميعها نواحي الحياة فقد أفرد المركز هذه الدراسة المهمة بعنوان: (الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون ودور العلماء) التي تتناول الكثير من المواضيع المتعلقة بالأمن على مستوى الخليج العربي والدول العربية، وتربط الدراسة ما بين الإيمان بالله -تعالى- وتطبيق شريعته وما بين الإعداد المادي والمعنوي، والأخذ بجميع الأسباب الممكنة لتحقيق الأمن.

 

  

 

وهم أشبه ما يكونون بالغوغاء والدهماء فلا ينبغي أن نشيخهم وأن ندخلهم في الأمور العظيمة للأمة، فإنهم يفسدون ولا يصلحون،  فعن عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَهُوَ بِمِنًى، فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فَقَالَ: «يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لاَ يَعُوهَا، وَأَنْ لاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ وَالسَّلاَمَةِ، وَتَخْلُصَ لِأَهْلِ الفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ وَذَوِي رَأْيِهِمْ،  فَيَعِي أَهْلُ العِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا»، قَالَ عُمَرُ: «لَأَقُومَنَّ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ».

     وقد ورد وصف أمثال هؤلاء الجاهلين في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «يخرج قوم فِي آخر الزَّمَان أَحْدَاث الْأَسْنَان سُفَهَاء الأحلام يَقُولُونَ من خير قَول الْبَريَّة لَا يُجَاوز إِيمَانهم حَنَاجِرهمْ »،  فالوعاظ والقصاص ونحوهم، لا يجوز أن يتكلموا في أمور العامة، والقضايا المصيرية للأمة، وفي مثل هذه المسائل، التي هي من شأن أهل الحل والعقد، وأهل الشورى والرأي، وأهل العلم، والاختصاص، وأهل الخبرة والحذق في الفنون المختلفة كل في مجاله؛ ولذلك قال ابن قتيبة: «لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ، ولم يكن علماؤهم الأحداث؛ لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب، وحدّتُهُ، وعجلته، وسفهه، واستصحب التجربة والخبرة، ولا يدخل عليه في علمه الشبهة، ولا يغلب عليه الهوى، ولا يميل به الطمع، ولا يستزله الشيطان استزلال الحدث، فمع السن الوقار والجلالة والهيبة، والحَدَث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ، فإذا دخلت عليه، وأفتى هلك, وأهلك».

حديث الرويبضة

     فهؤلاء الأحداث، والقصاص، داخلون في حديث (الرويبضة)، دخولاً  أولياً؛ فالشباب، والنساء، وقليلو العلم، وأنصاف العلماء، والوعاظ، والمذكِّرون، هم مظنة الرعونة والطيش والعجلة، والعاطفة، والسفه، وعدم إدراك الأمور على حقائقها، فيجمعون بين الجهل الظاهر بالشرع، وبين الاندفاع الشديد، وكذلك هم أداة لينة سهلة يستخدمها أعداء الإسلام، لضعف بصيرتهم، فإذا كان الأمر في العهد الأول عهد النور والهدى، والخير والتقى، تكلم بعض الشباب بكلام فيه نوع اعتراض على قسمة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  للغنائم، كما ورد عن أنس رضي الله عنه  وفيه: «أنهم قالوا: يغفر الله لرسول الله يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم  فيهم فقال: «ما حديث بلغني عنكم؟» فقال فقهاء الأنصار: «أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئاً، وأما ناس منا حديثة أسنانهم»، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم  ...».

يحسبون أنهم يحسنون صنعًا

     أهل البدع والأهواء والحزبيون: (أهل كرسي، وعلو وفساد في الأرض)، فهؤلاء جميعاً، قال الله عن  أمثالهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}(إبراهيم/28)، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، «يخربون بيوتهم بأيديهم»، والكلام على الحركيين والحزبيين والإرهابيين ونحوهم يطول.

     ويجب على العلماء أن يقفوا في وجوه هؤلاء بكل قوة وصلابة، كي يميز الحق من الباطل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في بيان الوقوف في وجوه أهل البدع: «هذا من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعًا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء».

     فلينظر في البلاد التي تسلط فيها الشعوبيون وملكوا، كسوريا ولبنان والعراق كيف أهلكوا فيها الحرث والنسل، وأفسدوا الدين والدنيا، وكذا ما تمكن فيه الخوارج وأهل البدع من المتصوفة، حوربت فيه السنة، وقل الخير في الناس، وظهرت البدعة والفساد في الأرض، فكان الأمر كما وصفهم  شيخ الإسلام  ابن تيمية -رحمه الله-: «فلا للإسلام نصروا ولا للأعداء كسروا».

عدم الافتيات على أهل العلم والتقليل من شأنهم واتهامهم بالمداهنة

     قال ابن المبارك: «من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه»، وقال الشوكاني: «إن غالب ما يصدر من المتعصبة من تمزيق أعراض علماء الدين المتمسكين بالسنن الصحيحة الثابتة في هذه الشريعة هو راجع إلى الطعن على الشريعة، والرد لما جاءت به، وتقليب السننَ بدعاً والبدعَ سنناً، والأخذ على أيدي هؤلاء حتى يَدَعوا ما ليس من شأنهم، ويقلعوا عن غوايتهم، ويقصروا عن ضلالتهم واجب على كل مسلم، وإذا لم تتناول أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا لم تتناول غيره» .

     وقد ورد عن بعضهم أنه أساء الظن بأسامة بن زيد رضي الله عنه ، وأنه يسكت عن الباطل، فقالوا له: ألا تدخل على عثمان فتكلمه فقال: «أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه»، وفي أثر طارق بن شهاب: أتى عتريس بن عرقوب، عبدَ اللهِ بن مسعود، فقال: يا أبا عبد الرحمن، هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، فقال عبدُ الله بن مسعود: “هلك من لم ينكر المنكر بقلبه، ولم يعرف المعروف بقلبه”.

     وقال الشيخ محمد بن عبداللطيف ابن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري -رحمهم الله جميعاً-: «ومما أدخل الشيطان على بعض المتدينين: اتهام علماء المسلمين بالمداهنة، وسوء الظن بهم، وعدم الأخذ عنهم، وهذا سبب لحرمان العلم النافع، والعلماء هم ورثة الأنبياء في كل زمان ومكان، فلا يتلقى العلم إلا عنهم، فمن زهد في الأخذ عنهم، ولم يقبل ما نقلوه، فقد زهد في ميراث سيد المرسلين، واعتاض عنه بأقوال الجهلة الخابطين، الذين لا دراية لهم بأحكام الشريعة، والعلماء هم الأمناء على دين الله، فواجب على كل مكلف، أخذ الدين عن أهله».

     وقال أيضاً هؤلاء الأئمة: والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ عمر بن محمد بن سليم، والشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف، -رحمهم الله تعالى-: «ومما ينبغي التنبيه عليه: ما وقع من كثير من الجاهلين، من اتهام أهل العلم والدين، بالمداهنة والتقصير، وترك القيام بما وجب عليهم من أمر الله سبحانه، وكتمان ما يعلمون من الحق، والسكوت عن بيانه، ولم يدر هؤلاء الجهلة: أن اغتياب أهل العلم والدين، والتفكه بأعراض المؤمنين، سم قاتل، وداء دفين، وإثم واضح مبين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}(الأحزاب/ 58).

الطعن في العلماء

     فبعض الناس -هداهم الله- يطعنون في العلماء، ويقلِّلون من شأنهم، ويضعون من هيبتهم في الأمة، وذلك أنهم رأوا ورع أئمة السلف وعلمائهم وإقبال الناس عليهم، والتفافهم حولهم، وأن الناس لا يقبلون إلا منهم، ولا يلتفتون aإلى هؤلاء أصحاب الحماسات والحماقات، فأرادوا أن ينفِّروا العامة منهم فاتهموهم بما هم منه براء، بل كانوا هم أحق بهذا الوصف، وتلك التهم من العلماء السلفيين، وخيرة الأمة، فإياك أن تبغض أحداً من علماء الأمة الكبار من  السلفيين الربانيين؛ فإن هذا نذير شؤم عليك في دينك قبل دنياك، وعاجلك قبل آجلك، نعوذ بالله من الخذلان وفي الصحيح: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب»، فإن لم يكونوا هؤلاء أولياء الله فلا نعلم لله ولياً!

     قال قتيبة بن سعيد: «إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث مثل يحيى بن سعيد القطان وعبدالرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل وذكر آخرين فإنه على السنة ومن خالف هذا فاعلم أنه مبتدع»، وقال أبو حاتم الرازي -رحمه الله-: «علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر»، وقال ابن تيمية:«الذين يعيبون أهلَ الحديث ويعدلون عن مذهبهم جهلة زنادقة منافقون بلا ريب».

     ألا فليتق الله شباب متعجلون، أخذتهم الحمية لدينهم –زعموا-  فظلموا علماء الأمة وورثة نبينا، واتهموهم بأبشع التهم، وأشنع المقالة، فقالوا علماء سلطة، و..و .. إلخ ، ولم يعرفوا لهم قدرهم، الذي أُمِروا أن يعرفوه لهم، وفي الحديث: «ليس منا من لم يُجِلّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعَالِمنا حقه»، فلا خير في قوم لا يعرفون للعلماء قدرهم ومكانتهم، ولا يعطونهم حقهم من الاحترام والتوقير، قال ابن عساكر -رحمه الله-: «لُحُومُ الْعُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ، وَعَادَةُ اللَّهِ فِي هَتْكِ مُنْتَقِصِهِمْ مَعْلُومَةٌ، وَمَنْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ فِي الْعُلَمَاءِ بِالثَّلْبِ بَلَاهُ اللَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمَوْتِ الْقَلْبِ».

خطأ العالم

     فإن أخطأ العالم عن اجتهاد فقال بقول زل وأخطأ فيه، وكان الغالب عليه الصواب في نصر السنة، وذم البدعة، وله قدم صدق في نشر الحق، والجهاد في سبيل ذلك؛ فهؤلاء يشملهم الحديث: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر»؛ فالقاعدة التي جرى عليها علماء الحديث أن العالم الذي كثر خيره، وكثرت حسناته وإصابته، يجب أن يحترم وأن يعرف له ما أصاب فيه، وأن يدعى له بالمغفرة والرحمة، نعم، ولا يُجارى في خطئه، قال ابن القيم -رحمه الله-: «ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالحة وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور، بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك