الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي الحلقة (3) هل قام العلماء بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
لا شك أن الهاجس الأمني أخذ يحتل المرتبة الأولى على الأصعدة جميعها على مستوى العالم ولاسيما في منطقة الخليج الملتهبة، التي تتصارع على رمالها جميع الدول الكبرى، ويتنافس على ثرواتها كل طامع وحاقد، لقد شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضية نشوء العديد من الحركات الإرهابية والمتطرفة التي لم نسمع بها من قبل وممارستها لأبشع الجرائم بحق الإنسانية من تفجير المساجد والمجمعات التجارية، ونحر البشر وإشاعة الفاحشة وغيرها من الجرائم البشعة التي يشيب لها الولدان. وإيمانا من مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية بأهمية التركيز على موضوع الأمن وبيان انعكاساته على جميعها نواحي الحياة فقد أفرد المركز هذه الدراسة المهمة بعنوان: (الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون ودور العلماء) التي تتناول الكثير من المواضيع المتعلقة بالأمن على مستوى الخليج العربي والدول العربية، وتربط الدراسة ما بين الإيمان بالله -تعالى- وتطبيق شريعته وما بين الإعداد المادي والمعنوي، والأخذ بجميع الأسباب الممكنة لتحقيق الأمن.
الذين يحملون السلاح في وجوه المسلمين ويدّعون أنَّ هذا هو الأمر المعروف والنهي عن المنكر فهذا مذهب الخوارج ومذهب المعتزلة أهل الضلال
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الدين فإذا وجد فهذا علامة نجاة الأمة وإذا فقد فهذا علامة هلاك الأمة ويجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ومناصحة ولاة الأمور والدعوة لهم بالخير
لا يجوز إزالة الشر بما هو شر منه بل يجب درء الشـر بما يزيله أو يخففه وأما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين
لقد قام علماء السنة من السلفيين قديماً وحديثاً بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حق قيام، وفق قواعد أهل السنة وأصولهم، دونما غلو ولا شطط، وبشروطه المعروفة عند أهل العلم، فمن ذلك ما قرره الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في عقيدته قال: «وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة».
قال العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- شارحاً كلامه: يرى الشيخ كغيره من أهل السنة والجماعة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران: 104)، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران: 110)، وغير ذلك من الآيات.
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(التوبة: 71)؛ فجعل من صفاتهم أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر هذا من المنافقين، قال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ}(التوبة: 67)؛ فهم بالعكس، وها هم أولاء الآن يأمرون بالمنكر، بل يأمرون بكل منكر، ويدعون إليه، ويدعون المسلمين إلى أن يتخلوا عن دينهم، ويسمون التمسك بالدين تشددا وغلوا، فيقولون: لا بد أن يترك المسلمون هذا، ولا بد أن تتمرد النساء ويتركن الحجاب، اتركوا الولاء والبراء واجعلوا الناس سواء ما بينهم فرق. هذا أمر بالمنكر، هم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف دائما وأبدا، عكس المؤمنين فإنهم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر.
من واجبات الدين
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الدين، ولا بد منه في الإسلام، فإذا وجد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا علامة نجاة الأمة، وإذا فقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا علامة هلاك الأمة، قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}(هود: 116)، قليل هم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأنجاهم الله من العذاب، {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}(الأعراف: 165}؛ فلا ينجو إلا أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأما من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر فهو إما منافق ليس في قلبه إيمان، وإما مؤمن ضعيف الإيمان، وإذا هلك أهل المنكر يهلك معهم؛ لأنه لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر بحسب استطاعته؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : «فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، وفي رواية: «وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»؛ فدل على أن الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر هذا هالك مع الهالكين، فلابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تحصل النجاة إلا بوجود هذا الأمر، فإذا فقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حق على الناس الهلاك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقول الشيخ: «على ما توجبه الشريعة»، هذا رد لقول الخوارج والمعتزلة: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الخروج على ولاة الأمور، وشق عصا الطاعة، وتفريق الجماعة، وسفك الدماء، بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا لا توجبه الشريعة، بل تنهى عنه الشريعة، وليس هذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهم يسمون الخروج على ولاة الأمور، وشق عصا الطاعة، واستباحة دماء المسلمين وتكفيرهم، يسمون هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا انحراف في هذا المسمى العظيم، ولهذا يقول شيخ الإسلام وغيره من أهل السنة: «على ما توجبه الشريعة»، كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في «العقيدة الواسطية»؛ لأجل ألا يعتقد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما اعتقده الخوارج والمعتزلة، الذين يكفرون مرتكب الكبيرة من المؤمنين، ويسمون هذا من إنكار المنكر، وهذا خلاف ما توجبه الشريعة، وهو غلو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فيجب التنبه لهذا، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو كما قال صلى الله عليه وسلم : «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه»، هذه كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الاستطاعة، فإذا لم تستطع، فأنت لست مكلفا بذلك، إلا أنك لا بد أن تنكره بقلبك، وتعتزل أهله وتبتعد عنهم.
الذين يحملون السلاح
أما الذين يحملون السلاح في وجوه المسلمين، ويقولون: هذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهذا مذهب الخوارج ومذهب المعتزلة أهل الضلال، فهذا هو القيد الذي أراده أهل العلم بقولهم: «على ما توجبه الشريعة»، (شرح عقيدةالإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله/ص139 وما بعدها).
ولذلك قال ابن تيمية -رحمه الله: «وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب فهزموا وهُزِم أصحابهم فلا أقاموا ديناً، ولا أبْقَوْا دنيا. والله -تعالى- لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين وصلاح الدنيا، أهل الحرة كان فيهم من أهل العلم والدين خلق وكذلك أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خلق من أهل العلم والدين والله يغفر لهم كلهم».
ومما يؤكد ذلك ما ورد عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: مرفوعاً قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»، قال الشيخ العلامة عبدالله ابن حميد معلقاً عليه بقوله: «وهذا يدل على كمال هذه الشريعة وتمام نضوجها في السياسة وغيرها؛ لأنه متى حصل منابذة للحاكم، لابد أن ينجم عن ذلك القتل، وخلل في الأمن، وعدم الاستقرار؛ فيذهب بسبب ذلك الألوف من الأنفس، كما قيل: ملك ظلوم غشوم، خير من فتنة تدوم، وهذا شيء يشهد له التاريخ والواقع، وهناك أنفس شريرة لا يناسبها إلا هذا الوضع، ما لم يضرب عليها بيد من حديد».
وعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ , إِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي أَنْ لَا أَلْقَاكَ بَعْدَ عَامِي هَذَا, فَاسْمَعْ وَأَطِعْ وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجْدَعٌ, إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ, وَإِنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ, وَإِنْ أَرَادَ أَمْرًا يَنْتَقِصُ دِينَكَ فَقُلْ: سَمْعٌ وَطَاعَةٌ, وَدَمِي دُونَ دِينِي , فَلَا تُفَارِقِ الْجَمَاعَةَ».
قال العلامة الألباني -رحمه الله- معلقاً على مثل هذه الأحاديث: « فلا يجوز الخروج عليهم وقتالهم ليس حباً لأعمالهم، وإنما درءاً للفتنة، وصبراً على ظلمهم في غير معصية لله -عزوجل».
مَن ضل في هذا الأصل من أهل البدع؟
اشتهر عن الخوارج والمعتزلة من أصولهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنهم يريدون به الخروج على ولاة الأمور؛ فالذي يخرج على الولاة، هذا هو الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر عندهم، قال الشيخ العلامة ابن جبرين -رحمه الله: وقصدهم به الخروج على الولاة إذا أظهروا المعاصي أو الظلم، وقد أكثر العلماء من الرد عليهم، وإبطال قواعدهم وأصولهم، (شرح لمعة الاعتقاد/ص188)
وقال النووي رحمه الله: «أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِهَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَعَلَى تَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا القاضي»، وقال شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله: فقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}(النساء/59)؛ فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر وهم الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة وهي فريضة في المعروف.
النصوص من السنة
والنصوص من السنة تبين المعنى، وتفيد الآية بأن المراد طاعتهم بالمعروف، لقوله صلى الله عليه وسلم : «ألا مَن وَلِيَ عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعنَّ يداً من طاعة»، وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه : «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا أثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله»، وقال: «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان»؛ فهذا يدل على أنهم لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذلك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يُسَبِّبُ فساداً كبيراً وشراً عظيماً فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تؤمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير.
قاعدة شرعية
والقاعدة الشرعية المجمع عليها (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو شر منه بل يجب درء الشـر بما يزيله أو يخففه) وأما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير واختلال الأمن وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال إلى غير هذا من الفساد العظيم فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ومناصحة ولاة الأمور والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير، هذا هو الطريق السويُّ الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة؛ ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير؛ ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية».
أما من انحرف منهم فله علينا النصيحة ولا ننزع يداً من طاعة لقول صلى الله عليه وسلم : «وألا ننازعَ الأمرَ أهلَهُ، وإن بَغَوْا علينا، وأن نقولَ بالحق حيثما كان، لا نخاف في الله لَومَةَ لائم» متفق عليه.
قال ابن عبد البر: «لا نخاف في الله لومة لائم»، فقد أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، وأنه إذا لم يلحقه في تغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى، فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره بيده، فإن لم يقدر، فبلسانه، فإن لم يقدر، فبقلبه ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكره بقلبه فقد أدّى ما عليه، إذا لم يستطع سوى ذلك، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تأكيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جداً، ولكنها كلها مقيدة بالاستطاعة.
أفضل الجهاد
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال: «أفضل الجهاد كلمة حق عند ذي سلطان»، وقال الله عز وجل: {وجاهدوا في الله حق جهاده}(الحج: 78)؛ ولما وجبت مجاهدة الكفار حتى يظهر دين الحق، فكذلك كل من عاند الحق من أهل الباطل واجب مجاهدته على من قدر عليه حتى يظهر الحق».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فهذا أمر بالطاعة مع استئثار ولي الأمر، وذلك ظلم منه، ونهيٌ عن منازعة الأمر أهله، وذلك نهي عن الخروج عليه؛ لأن أهله هم أُولو الأمر الذين أمر بطاعتهم، وهم الذين لهم سلطان يأمرون به، وليس المراد من يستحق أن يُولَّى ولا سلطان له، ولا المتولِّي العادل؛ لأنه قد ذكر أنهم يستأثرون، فدل على أنه نهي عن منازعة ولي الأمر وإن كان مستأثراً، وهذا باب واسع. انتهى.
وأما من خاف على نفسه فليكره عمله بقلبه، وهو معذور فيما وراء ذلك.
وفي أثر طارق بن شهاب: أتى عتريس بن عرقوب، عبدَ اللهِ بن مسعود، فقال: يا أبا عبد الرحمن هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر.
فقال عبدُ الله بن مسعود: «هلك من لم ينكر المنكر بقلبه، ولم يعرف المعروف بقلبه».
وقد سئل ابن عباس: آمر إمامي بالمعروف؟، قال: «إن كنت فاعلاً ففيما بينك وبينه، ولا تغتب إمامك»، وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحل لمؤمن أن يُذِلَّ نفسَهُ»، قالوا: يا رسول الله وما إذلاله نفسه؟، قال: «يتعرض من البلاء لما لا يقوم له».
ولذلك يقول ابن خلدون واصفاً حال بعض أصحاب الثورات، يقول: «أصحاب الثُّوَّار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء، فإن كثيراً من المنتحلين للعبادة وسلوك طرق الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء، داعين إلى تغيير المنكر، والنهي عنه، والأمر بالمعروف رجاءً في الثواب عليه من الله؛ فيكثر أتباعهم من الغوغاء والدَّهماء، ويعرِّضون أنفسهم في ذلك للمهالك، وأكثرهم يهلكون في هذا السبيل مأزورين غير مأجورين»، وقال ابن عبد البر: «لا يلزم التغيير إلا من القوة والعِزة والمنعة، وأنه لا يستحقُّ العقوبة، إلا من هذه حاله، وأما مَن ضَعُفَ عن ذلك، فالفرضُ عليه التغيير بقلبه، والإنكارُ، والكراهة».
لاتوجد تعليقات