رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: وليد سيف النصر 6 نوفمبر، 2016 0 تعليق

الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي الحلقة (5) موقف العلماء السلفيين من أصحاب الدعوات المنحرفة

 لا شك أن الهاجس الأمني أخذ يحتل المرتبة الأولى على الأصعدة جميعها على مستوى العالم ولاسيما في منطقة الخليج الملتهبة، التي تتصارع على رمالها جميع الدول الكبرى، ويتنافس على ثرواتها كل طامع وحاقد، لقد شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضية نشوء العديد من الحركات الإرهابية والمتطرفة التي لم نسمع بها من قبل وممارستها لأبشع الجرائم بحق الإنسانية من تفجير المساجد والمجمعات التجارية، ونحر البشر وإشاعة الفاحشة وغيرها من الجرائم البشعة التي يشيب لها الولدان.  وإيمانا من مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية بأهمية التركيز على موضوع الأمن وبيان انعكاساته على جميعها نواحي الحياة فقد أفرد المركز هذه الدراسة المهمة بعنوان: (الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون ودور العلماء) التي تتناول الكثير من المواضيع المتعلقة بالأمن على مستوى الخليج العربي والدول العربية، وتربط الدراسة ما بين الإيمان بالله -تعالى- وتطبيق شريعته وما بين الإعداد المادي والمعنوي، والأخذ بجميع الأسباب الممكنة لتحقيق الأمن.

 

 

 

قال قتادة: «إن الخوارج خرجوا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  يومئذ كثير بالمدينة وبالشام وبالعراق، وأزواجه يومئذ أحياء، والله إن خرج منهم ذكر ولا أنثى حرورياً قط ولا رضوا الذي هم عليه ولا مالؤهم فيه، بل كانوا يحدثون بعيب رسول الله  صلى الله عليه وسلم إياهم ونعته الذي نعتهم به وكانوا يبغضونهم بقلوبهم ويعادونهم بألسنتهم ويشتد والله أيديهم عليهم إذا لقوهم».

     وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ الله بْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ ، قَالَ: مَا فَعَلَ أَبُوكَ؟ قُلْتُ: قَتَلَتْهُ الأَزَارِقَةُ، فَقَالَ: لَعَنَ الله الأَزَارِقَةَ: مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، حَدَّثَنَا رَسُولُ الله  صلى الله عليه وسلم : «إِنَّهُمْ كِلاَبُ أَهْلِ النَّارِ»، قُلْتُ: الأَزَارِقَةُ وَحْدَهَا أَمِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا؟ قَالَ: بَلِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا، ومن أصول مذهبهم ما يأتي:

ذم الاستخلاف

     ينكرون الاستخلاف وولاية العهد، قال البغوي -رحمه الله-: «واتفقت الأمة من أهل السنة والجماعة على أن الاستخلاف سنة، وطاعة الخليفة واجبة، إلا الخوارج، والمارقة الذين شقوا العصا، وخلعوا ربقة الجماعة»، قال ابن بطال: «إن الإمام يجوز له أن يجعل ولاية العهد بعده لرجل، وقد وردت  السنة بمثله، وأجمعت الأمة على استعماله».

التكفير بالكبائر أو ببعضها

     وأهم ما اشتهروا به التكفير بالكبائر أو ببعضها، قالوا: «من عصى الله فهو كافر، واحتجوا بآية: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(المائدة/44)، وقالوا : إنها نص في أن كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر، وكل من أذنب فقد حكم بغير ما أنزل الله، فوجب أن يكون كافراً»، وقال القرطبي: «إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين، قال القشيري: ومذهب الخوارج أن من ارتشى، وحكم بحكم غير الله فهو كافر» .

ولكنهم لم يجمعوا على التكفير بالكبيرة، كما ذكر عنهم ذلك البغدادي، فهم إذاً دركات في مسألة التكفير، فمنهم من يتجرَّأُ، فيكفر بالمعصية، والكبيرة، ومنهم يجعل الحسنة سيئة والسيئة كفراً، فليسوا جميعاً على التكفير بالمعصية.

الخروج على الحكام والسلاطين

     ويرون الخروج على الأئمة، ويتهجم بعضهم على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، وعمرو بن العاص رضي الله عنه، ولا يلزم من أن يلحق الإنسان بمذهبهم أن يكفر بالمعصية؛ فالنجدات مثلاً لا تكفر بالكبيرة، قال أبو المظفر طاهر السفارييني -رحمه الله-: «النجدات مِنْهُم فَإِنَّهُم قَالُوا: إِن الْفَاسِق كَافِر على معنى أَنه كَافِر نعْمَة ربه فَيكون إطلاق هَذِه التَّسْمِيَة عِنْد هَؤُلَاءِ مِنْهُم على معنى الكفران لَا على معنى الْكفْر؛ وَمِمَّا يجمع جَمِيعهم أَيْضا تجويزهم الْخُرُوج على الإِمَام الجائر»، فهذا فيه أبلغ رد على الذين لا يُدخِلون مجيزي الثورات وأصحاب الخروج، ولو خرجوا بالسيف لا يدخلونهم في جملة الخوارج بحجة أنهم لا يكفرون بالكبائر.

     قلت:  فذو الخويصرة الخارجي لم يكفر الصحابة ولا النبي  صلى الله عليه وسلم ، ولا أحداً، ولكن كان خارجياً بخروجه على السلطان بالكلام، وغلوه في الدين، وكذا الذين خرجوا على عثمان وعلي فهم خوارج سواء كفروهما أم لا، وسواء خرجوا بالسيف أم لا، ولذلك القعدية خوارج،  وينظر إلى قول البربهاري -رحمه الله-: «ومن قال: الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره»؛ فبمعرفة هذا الأصل، وهذه المسألة يزول كثير من الإشكال، ويمكن أن يكون فيه نصيب من قول الخوارج، أو صفة من صفاتها، لذلك نجد عمر رضي الله عنه  كاد أن يضرب عنق من ظن أن به صفة واحدة من صفات الخوارج، عَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه  فإنه قال لصبيغ لما ضربه: «وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ، لَوْ وَجَدْتُكَ مَحْلُوقًا لَضَرَبْتُ رَأْسَكَ، أَلْبِسُوهُ ثِيَابَهُ، وَاحْمِلُوهُ عَلَى قَتَبٍ، ثُمَّ أَخْرِجُوهُ حَتَّى تَقْدِمُوا بِهِ بِلَادَهُ، ثُمَّ لِيَقُمْ خَطِيبًا، ثُمَّ لِيَقُلْ: إِنَّ صَبِيغًا طَلَبَ الْعِلْمَ فَأَخْطَأَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَضِيعًا فِي قَوْمِهِ حَتَّى هَلَكَ وَكَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ»، فلا يلزم أن تجتمع صفاتهم جميعاً، كما لا يلزم أن يقولوا جميعاً بإنكار الرجم، أو الشفاعة، أو الدجال، أو القول بخلق القرآن أو نحوه، حتى نحكم عليهم بأنهم خوارج؛ لذلك حذرنا النبي  صلى الله عليه وسلم  منهم بصفة واحدة من صفاتهم وهي: «اتباعهم المتشابه من النصوص»، فقال عنهم: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم».

     قال العلامة عبدالرزاق عفيفي رحمه الله: «ومن أصولهم الخروج على أئمة الجور، وكل من ارتكب منهم كبيرة، ولذلك سموا بالخوارج، ومن أصولهم -أيضاَ-: التكفير بالكبائر ، فمن ارتكب كبيرة فهو كافر، وتخليد من ارتكب كبيرة في النار إلا النجدات في الأخيرين؛ لذا سموا وعيديه ، ومن أصولهم -أيضاَ- القول بخلق القرآن وإنكار أن يكون الله قادراَ علي أن يظلم.

وتوقف التشريع والتكليف علي إرسال الرسل، فمن وافقهم في هذه الأصول فهو منهم ، وإن خالفهم في غيرها، ومن وافقهم في بعضها، ففيه منهم بقدر ذلك».

     وقال شيخنا العلامة الألباني: عن سفر الحوالي: «يخيل إليَّ أنه يميل إلى مذهب الخوارج، مع أنه يرد عليهم، وغمزني بالإرجاء أكثر من مرة، تارة تصريحاً، وأخرى تلويحاً، مع إظهاره الاحترام والتبجيل»، وقال شيخنا العلامة الألباني في وصفهم: «بدا لي أن أسميهم: خارجية عصـرية، ولكن  من باب: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} (المائدة/8)، فأنا لا أرى أن نطلق القول ونقول فيهم: إنهم خوارج إلا من بعض الجوانب و هذا من العدل الذي أمرنا به».

وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: «قال بعض السلف: من قال إن الناس هلكوا فهو أهلكهم، ومن قال إنهم ضلوا فهو أضلهم، ومرادهم أن من اشتغل بعيب غيره عن عيب نفسه ففيه شعبة من الخوارج».

قد ابتلوا بالغرور والتعالم حتى زعموا أنهم أعلم من عليٍّ وابن عباس، وسائر الصحابة، وكما جاء في حديث أنس أن أحدهم رأى أنه خير من النبي  صلى الله عليه وسلم  وأبي بكر وعمر وعلي وغيرهم من الصحابة.

     وفي الحديث عَنْ أَنَسٍ قَالَ ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّه  صلى الله عليه وسلم  قَالَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ:  «إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدُونَ وَيَدْأَبُونَ حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمْ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ نُفُوسُهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ»،  وفي الأثر: عن أبي العباس محمد بن يعقوب بن الأصم قال: «طاف خارجيان بالبيت، فقال أحدُهما لصاحبه: لا يدخل الجنةَ مِن هذا الخلق غيري وغيرك!، فقال له صاحبه: جنة عرضها كعرض السماء والأرض بنيت لي ولك؟!، فقال: نعم فقال: هي لك وترك رأيه».

يسبون الحكام ويستبيحون حرماتهم وحرمات المسلمين

قال قتادة في قوله: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء}(فاطر: 8) قال: «منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم، فأما أهل الكبائر فليسوا منهم؛  لأنهم لا يستحلون الكبائر».

قال أنس بن مالك رضي الله عنه : «نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: «لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا، فإن الأمر قريب».

وقد سئل ابن عباس: آمر إمامي بالمعروف؟ قال: «إن خشيتَ أن يقتلك فلا، فإن كنت فاعلاً ففيما بينك وبينه، ولا تغتب إمامك».

وعن أبي مجلز أنه قال: «سب الإمام الحالقة، لا أقول: حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين».

ولما سمع أبوبكرة رضي الله عنه  رجلاً يقول عند منبر ابن عامر لما قام خطيباً وعليه ثياب رقاق فقال: انظر إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق، فزجره أبوبكرة، وقال: سمعتُ رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول: «من أهان سلطانَ الله في الأرض أهانه الله».

قلت: فكيف بمن يشتمونهم في المنابر، والصحف، ووسائل الاتصالات، والإعلام المختلفة؟!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك