الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي الحلقة (6) علاقة أصحاب الثورات بالخوارج
لا شك أن الهاجس الأمني أخذ يحتل المرتبة الأولى على الأصعدة جميعها على مستوى العالم ولاسيما في منطقة الخليج الملتهبة، التي تتصارع على رمالها جميع الدول الكبرى، ويتنافس على ثرواتها كل طامع وحاقد، لقد شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضية نشوء العديد من الحركات الإرهابية والمتطرفة التي لم نسمع بها من قبل وممارستها لأبشع الجرائم بحق الإنسانية من تفجير المساجد والمجمعات التجارية، ونحر البشر وإشاعة الفاحشة وغيرها من الجرائم البشعة التي يشيب لها الولدان. وإيمانا من مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية بأهمية التركيز على موضوع الأمن وبيان انعكاساته على جميعها نواحي الحياة فقد أفرد المركز هذه الدراسة المهمة بعنوان: (الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون ودور العلماء) التي تتناول الكثير من المواضيع المتعلقة بالأمن على مستوى الخليج العربي والدول العربية، وتربط الدراسة ما بين الإيمان بالله -تعالى- وتطبيق شريعته وما بين الإعداد المادي والمعنوي، والأخذ بجميع الأسباب الممكنة لتحقيق الأمن.
لو سأل سائل: ما علاقة أصحاب الثورات بالخوارج، وهل للخوارج أشباه اليوم؟!
الجواب: قال ابن حزم: «يلحق بهم مَن شايعهم على أفكارهم، أو شاركهم في آرائهم في أي زمان»، وذكرت اللجنة الدائمة تعليقاً على حديث الخوارج: «هذا الحديث وما في معناه قاله النبي [^ في الطائفة المسماة بـ: الخوارج؛ لأنهم يغلون في الدين ويكفرون المسلمين بالذنوب التي لم يجعلها الإسلام مكفرة، ولهم بقايا إلى الآن، والحكم عام في كل من اعتقد عقيدتهم في كل زمان ومكان»، ولا تستغرب- أخي المسلم- لو كان لهؤلاء الخوارج أشباه اليوم، فإن كل مبتدع له نصيب من الخروج، قلّ أو كثر، فجميع الطوائف المبتدعة لديها خروج.
فالصوفية، ينظر ماذا فعلوا من إدخالهم للكفار والغزاة المجرمين إلى بلاد المسلمين، وكفَّروا الشيخ محمد بن عبدالوهاب وجماعته وقاتلوهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «في الصحيحين من حديث أبي سعيد: «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد»، وهذا نعت سائر الخارجين، فإنهم يستحلّون دماء أهل القبلة، لاعتقادهم أنهم مرتدون، أكثر مما يستحلّون من دماء الكفّار الذين ليسوا مرتدين، لأن المرتد شرّ من غيره».
المعتزلة قديمًا وحديثًا
والمعتزلة قديماً وحديثاً هم المعتزلة بقواعدهم الباطلة، وخروجهم على السنة، والأمة والأئمة، وكانوا يقولون: إن المعتزلة هم قعدة الخوارج، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «والْمُعْتَزِلَةُ, وَعِيدِيَّةٌ فِي (بَابِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ) - وَهُمْ أَيْضًا يَرَوْنَ الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ»، ولا تعجب إن قلت لك: بل المرجئة خوارج، قال الصابوني: قال أحمد بن سعيد الرباطي: قال لي عبدالله بن طاهر: «يا أحمد! إنكم تبغضون هؤلاء القوم أي المرجئة جهلاً، وأنا أُبغضهم عن معرفة؛ إنهم لا يرون للسلطان طاعةً ...»، وقال سفيان الثوري واصفاً المرجئة: بأنهم من أهل الأهواء المضلة، ثم قال: «وهم يرون السيف على أهل القبلة»، وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: «إن الخوارج هم المرجئة».
الجهاديون وأصحاب الثورات
والجهاديون وأصحاب الثورات والانقلابات العسكرية: هؤلاء يسلكون سبيل من سبق، ويتعاونون مع الكفار، ونراهم يسيرون في التغيير بسيرة الكفار، وهو في الحقيقة تحقيق للحلم اليهودي في بلاد المسلمين، وتعاونهم مع الفرق الباطنية ضد أهل السنة لم يعد خافياً على أحد، وما أحسن ما قال الحسن البصري رحمه الله: قال قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلَ هذه الجزيرةِ من العرب على الإسلام، لم يقبل منهم غيره وكان أفضل الجهاد، وكان بعده جهاد آخر على هذه الطغمة في أهل الكتاب: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}(التوبة/29)، قال الحسن: «ما سواهما بدعة وضلالة». يعني ما تزعمه الخوارج، ثم إن من شرط الجهاد أن يقوم به ولاة الأمر والسلطان، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «الإمام جنة يُقاتل مِنْ ورائه»، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وَالْجِهَادُ لَا يَقُومُ بِهِ إِلَّا وُلَاةُ الْأُمُورِ»، ولا جهاد إلا بأمير برٍ كان أم فاجرٍ، قال ابن قدامة: «لا يخرجون (أي إلى الجهاد) إلا بإذن الأمير؛ لأن أمر الحرب موكول إليه»، وقال: «وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك».
فالخوارج ومن كان على شاكلتهم سماهم العلماء وحذروا منهم بالاسم، كتحذير العلامة الإمام ابن باز، والعلامة ابن عثيمين من أسامة ابن لادن، ونحوه، وكذلك حذر أئمة العلم المعاصرون من داعش والبغدادي، والظواهري، ونحوهم.
موقف العلماء من نصيحة الحكام
قال الإمام البربهاري: «إذا رأيت الرجلَ يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجلَ يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله. يقول الفضيل ابن عياض: لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان، فأُمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن جاروا وظلموا؛ لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم، وعلى المسلمين، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين».
فعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاثة لا يُغِلُّ عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة الأمر، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم».
وقد قال عياض بن غَنْم لهشام بن حكيم: ألم تسمع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أراد أن ينصح لذي سلطان، فلا يُبْدِهِ علانية، ولكن يأخذ بيده، فإن قبِلَ منه فذاك، وإلا كان قد أدّى الذي عليه».
قَالَ سعيد بن جمهان لابن أبي أوفى: «قُلْتُ: فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ وَيَفْعَلُ بِهِمْ وَيَفْعَلُ بِهِمْ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا غَمْزَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: وَيْحَكَ ابْنَ جُمْهَانَ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ ، وَإِلاَّ فَدَعْهُ ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْه»ُ.
وقريب منه ويؤيده ما ورد عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: «لَمَّا ذَكَرُوا مِنْ شَأْنِ عُثْمَانَ الَّذِي ذَكَرُوا أَقْبَلَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَلاَ تَرَى مَا قَدْ أَحْدَثَ هَذَا الرَّجُلُ، فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ فَمَا تَأْمُرُونِي قَالَ: «تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ الرُّومِ وَفَارِسَ إِذَا غَضِبُوا عَلَى مَلِكٍ قَتَلُوهُ، قَدْ وَلاَّهُ اللَّهُ الَّذِي وَلاَّهُ فَهُوَ أَعْلَمُ لَسْتُ بِقَائِلٍ فِي شَأْنِهِ شَيْئًا» رجاله ثقات» (رواه ابن أبي شيبة/ 38847).
قلت: وهذا أدعى لقبول النصيحة، ويدل على إخلاص الناصح، أما الإعلان بها فهي فضيحة وليست نصيحة.
قال الشوكاني: «ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولا يُظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة، ولا يُذلُّ سلطان الله».
وقال العلامة السعدي عن نصيحة لولاة الأمر: «واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم، فإن فِي ذلك شراً وضرراً وفساداً كبيراً فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك، ثم قال: وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سراً لا عَلَناً بلطف وعبارة تليق بالمقام ويحصل بِهَا المقصود، فإنَّ هذا مطلوب فِي حق كل أحد، ولاسيما ولاة الأمور، فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير، وذلك علامة الصدق والإخلاص».
ثم قال: «واحذر أيها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس، فتقول لهم: إني نصحتهم وقلت وقلت، فإن هذا عنوان الرياء وعلامة ضعف الإخلاص وفيه أضرار أخر معروفة».
لاتوجد تعليقات