رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: وليد سيف النصر 20 نوفمبر، 2016 0 تعليق

الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي الحلقة (7) تحذير العلماء من السير خلف الدعوات الثورية غير المنضبطة بضوابط الشرع الحنيف

 لا شك أن الهاجس الأمني أخذ يحتل المرتبة الأولى على الأصعدة جميعها على مستوى العالم ولاسيما في منطقة الخليج الملتهبة، التي تتصارع على رمالها جميع الدول الكبرى، ويتنافس على ثرواتها كل طامع وحاقد، لقد شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضية نشوء العديد من الحركات الإرهابية والمتطرفة التي لم نسمع بها من قبل وممارستها لأبشع الجرائم بحق الإنسانية من تفجير المساجد والمجمعات التجارية، ونحر البشر وإشاعة الفاحشة وغيرها من الجرائم البشعة التي يشيب لها الولدان.  وإيمانا من مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية بأهمية التركيز على موضوع الأمن وبيان انعكاساته على جميعها نواحي الحياة فقد أفرد المركز هذه الدراسة المهمة بعنوان: (الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون ودور العلماء) التي تتناول الكثير من المواضيع المتعلقة بالأمن على مستوى الخليج العربي والدول العربية، وتربط الدراسة ما بين الإيمان بالله -تعالى- وتطبيق شريعته وما بين الإعداد المادي والمعنوي، والأخذ بجميع الأسباب الممكنة لتحقيق الأمن.

  

 

إن للخروج على الأئمة عواقب وخيمة، وقد أمر الإسلام  بقتال الخوارج بسبب عواقبه وأضراره على الأمن العام للأمة فأمر الشارع بقتالهم، وعدم قتال أئمة الجور. فقد قال أبو الحارث الصائغ سألت أبا عبد الله في أمر كان حدث ببغداد، وهَمَّ قومٌ بالخروج. فقلت يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء؟ فأنكر ذلك عليهم، وجعل يقول: «سبحان الله! الدماء، الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به. الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة التي تسفك فيها الدماء، وتستباح فيها الأموال، وتنتهك فيها المحارم، أمَا عَلمتَ ما كان الناس فيه -يعني أيام الفتنة-».

قلتُ: والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: «وإن كان!! فإنما هي فتنة الخاصة فإذا وقع السيف عمت الفتنة وانقطعت السبل. الصبر على هذا ويَسْلم لك دينُك خيرٌ لك». ورأيته ينكر الخروج على الأئمة وقال: الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به.اـ هـ .

وقال شيخ الإسلام مبيناً سبب ذلك: «أمره صلى الله عليه وسلم  بقتال الخوارج،  ونهيه عن قتال الولاة الظلمة وهذا مما يستدل به على أنه ليس كل ظالم باغ يجوز قتاله.

      ومن أسباب ذلك أن الظالم الذي يستأثر بالمال والولايات، لا يقاتِل في العادة إلا لأجل الدنيا يقاتله الناس حتى يعطيهم المال والولايات وحتى لا يظلمهم فلم يكن أصل قتالهم ليكون الدين كله لله ولتكون كلمة الله هي العليا، ولا كان قتالهم من جنس قتال المحاربين قطاع الطريق الذين قال فيهم: «من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون حرمته فهو شهيد»؛ لأن أولئك معادون لجميع الناس، وجميع الناس يعينون على قتالهم، ولهذا هل يجوز في حال الفتنة قتال الدفع فيه عن أحمد روايتان لتعارض الآثار والمعاني.

      وبالجملة العادة المعروفة أن الخروج على ولاة الأمور يكون لطلب ما في أيديهم من المال والإمارة وهذا قتال على الدنيا ولهذا قال أبو برزة الأسلمي عن فتنة ابن الزبير وفتنة القراء مع الحجاج وفتنة مروان بالشام هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء إنما يقاتلون على الدنيا.

وأما أهل البدع كالخوارج فهم يريدون إفساد دين الناس فقتالهم قتال على الدين.

      والمقصود بقتالهم أن تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله؛ فلهذا أمر النبي  صلى الله عليه وسلم  بهذا ونهى عن ذلك،  ولهذا كان قتال علي رضي الله عنه للخوارج ثابتاً بالنصوص الصـريحة وبإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر علماء المسلمين.

     وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه أنه  صلى الله عليه وسلم  كان يقسم مالا ًفجاء ذو الخويصرة التميمي بين عينيه أثر السجود، فقال: يا محمد اعدل فإنك لم تعدل، فقال: «ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل ثم قال أيأمنني من في السماء ولا تأمنوني! فقال له بعض الصحابة دعني أضرب عنقه، فقال يخرج من ضئضيء هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم» الحديث،  فهذا كلامه في هؤلاء العُبَّاد لما كانوا مبتدعين. وثبت عنه في الصحيح أن رجلاً كان يشـرب الخمر فأتي به إليه مرة فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتى به النبي  صلى الله عليه وسلم  فقال: «لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله»، فنهى عن لعن هذا المعين المدمن الذي يشـرب الخمر، وشهد له بأنه يحب الله ورسوله، فعلم الفرق بين العام المطلق والخاص المعين.

وعلم أن أهل الذنوب الذين يعترفون بذنوبهم أخف ضرراً على المسلمين من أمر أهل البدع الذين يبتدعون بدعة يستحلون بها عقوبة من يخالفهم».

     وله حقوق وهي من النصيحة لأئمة المسلمين المذكورة في الحديث، وهي من مقتضيات بيعة أهل الحل والعقد، والقَسَم الذي يقومون به أمامه، وهي لازمة للرعية كلهم فلا يجوز أن يقول أحد: لا تلزمني بيعته، وأني لم أبايعه!، ولا أن يقول: هذا ليس بحاكم شرعي، وأنا غير راضٍ به، وليس هذا بولي أمر لي، وذلك أن الحاكم يثبت له الولاية بسلطانه على أهل الناحية، واستتباب الأمر له، رضي من رضي، وسخط من سخط، ولو تغلب بالقوة تثبت له الولاية بالإجماع.

     وقال أبو بكر ابن العربي رحمه الله: «وَجَوْرُ السُّلْطَانِ عَامًا وَاحِدًا أَقَلُّ إذَايَةً مِنْ كَوْنِ النَّاسِ فَوْضَى لَحْظَةً وَاحِدَةً»، قال ابن بطال: «وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء».

     وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله: (الإمام) هو ولي الأمر الأعلى في الدولة، ولا يشترط أن يكون إماماً عامّاً للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة، والنبي صلى الله عليه وسلم   قال: «اسمعوا وأطيعوا ولو تأمَّر عليكم عبد حبشي»، فإذا تأمر إنسان على جهةٍ ما، صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً، ومن عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه، وإن لم تكن له الخلافة العامة؛ وبهذا نعرف ضلال ناشئة نشأت تقول: إنه لا إمام للمسلمين اليوم، فلا بيعة لأحد!! -نسأل الله العافية- ولا أدري أيريد هؤلاء أن تكون الأمور فوضى ليس للناس قائد يقودهم؟! أم يريدون أن يقال: كل إنسان أمير نفسه؟!

     هؤلاء إذا ماتوا من غير بيعة فإنهم يموتون ميتة جاهلية -والعياذ بالله-؛ لأن عمل المسلمين منذ أزمنة متطاولة على أن من استولى على ناحية من النواحي، وصار له الكلمة العليا فيها، فهو إمام فيها، وقد نص على ذلك العلماء مثل صاحب سبل السلام وقال: إن هذا لا يمكن الآن تحقيقه، وهذا هو الواقع الآن؛ فالبلاد التي في ناحية واحدة تجدهم يجعلون انتخابات ويحصل صراع على السلطة ورشاوى وبيع للذمم إلى غير ذلك، فإذا كان أهل البلد الواحد لا يستطيعون أن يولوا عليهم واحداً إلا بمثل هذه الانتخابات المزيفة فكيف بالمسلمين عموماً؟! هذا لا يمكن».

وقد قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: «لا يجوز قتل الكافر المستأمن الذي أدخلته الدولة آمناً، ولا قتل العصاة ولا التعدي عليهم، بل يحالون للحكم الشرعي، هذه مسائل يحكمها الحكم الشرعي».

ثم قال: وإذا لم توجد محاكم، فالنصيحة فقط، النصيحة لولاة الأمور، وتوجيههم للخير والتعاون معهم، حتى يحكموا شرع الله.

     أما أن الآمر الناهي يمد يده أو يقتل أو يضرب، فلا، لكن يتعاون مع ولاة الأمور بالتي هي أحسن، حتى يحكِّموا شرع الله في عباد الله، وإلا فواجبه النصح وواجبه التوجيه إلى الخير، وواجبه إنكار المنكر بالتي هي أحسن، هذا هو واجبه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}(التغابن/16)؛ لأن إنكاره باليد أو القتل أو الضرب يترتب عليه شر أكثر، وفساد أكبر بلا شك ولا ريب لكل من سبر هذه الأمور وعرفها».

وسئل سماحته: ما حكم الاعتداء على الأجانب السيَّاح والزوار في البلاد الإسلامية؟

فأجاب رحمه الله: «هذا لا يجوز، الاعتداء لا يجوز على أي أحد، سواء كانوا سيّاحاً أم عمالاً؛ لأنهم مستأمنون، دخلوا بالأمان، فلا يجوز الاعتداء عليهم، ولكن تناصح الدولة حتى تمنعهم مما لا ينبغي إظهاره.

     أما الاعتداء عليهم فلا يجوز، أما أفراد الناس فليس لهم أن يقتلوهم أو يضربوهم أو يؤذوهم، بل عليهم أن يرفعوا الأمر إلى ولاة الأمور؛ لأن التعدي عليهم تعدٍ على أُناس قد دخلوا بالأمان فلا يجوز التعدي عليهم، ولكن يرفع أمرهم إلى من يستطيع منع دخولهم أو منعهم من ذلك المنكر الظاهر، وأما نصيحتهم ودعوتهم إلى الإسلام أو إلى ترك المنكر إن كانوا مسلمين فهذا مطلوب، وتعلمه الأدلة الشرعية، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله»، وسُئلَ فضيلة الشيخ ابن جبرين: هل يُعد الاغتيال لمسؤول في الدولة وغيره، نوعاً من الغدر؟ وهل يجوز اغتيال الكافر؟.

     فأجاب رحمه الله: لا يجوز قتل الغدر للمستأمن أو المعاهد أو الذمي، فضلاً عن المسلم، ففي الحديث: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة». فإن كان المقصود رئيساً أو مسؤولاً كان الإثم أكبر، وذلك أنه قد تعين رئيساً لشركة أو مؤسسة، فقتله فيه افتيات على الدولة، وإذا قدر أنه صدر منه شيء من الأذى فيرفع بأمره إلى المحاكم لينفذ فيه حكم الله -تعالى.

     فبالجملة إنهم يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان كما جاء وصفهم في حديث الخوارج، بل أخذ هؤلاء في التشبه باليهود والنصارى وأهل الكفر في أمور كثيرة منها أساليب التغيير، فأول الفتن الخروج على الأئمة، وأولهم عثمان رضي الله عنه، كما ورد عن  حُذَيْفَةُ رضي الله عنه  قال لأصحابه: «أَيُّ الْفِتَنِ تَعُدُّونَ أَوَّلَ؟» فَسَكَتْنَا، فَقَالَ: «أَوَّلُ الْفِتَنِ الدَّارُ، وَآخِرُهَا الدَّجَّالُ»، وقال أيضاً العلامة الألباني رحمه الله: «فإني أنصح الشباب المتحمس للجهاد، والمخلص: أن يلتفتوا لإصلاح الداخل، وتأجيل الاهتمام بالخارج الذي لا حيلة فيه، وهذا يتطلب عملاً دؤوباً، وزمنا طويلاً؛ لتحقيق ما أسميه بـ(التصفية والتربية)؛ فإن القيام بهذا لا ينهض به إلا جماعة من العلماء الأصفياء، والمربين الأتقياء، فما أقلهم في هذا الزمان، ولاسيما في الجماعات التي تخرج على الحكام!، وقد يزعم بعضهم أنه قد انتهى دور التصفية، فانحرفوا إلى العمل السياسي أو الجهاد، فكم من مخالفات شرعية تقع منهم جميعاً بسبب الإخلال به، وركونهم إلى التقليد والتلفيق، الذي به يستحلون كثيراً مما حرم الله! وهذا هو المثال: الخروج على الحكام؛ ولو لم يصدر منهم الكفر البواح.

وختاماً أقول: نحن لا ننكر أن يكون هناك بعض الحكام يجب الخروج عليهم؛ كذاك الذي كان أنكر شرعية صيام رمضان، وغير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضـرورة، فهؤلاء يجب قتالهم بنص الحديث، ولكن بشرط الاستطاعة.

     لكن مجاهدة اليهود المحتلين للأرض المقدسة، أوجب من قتال مثل ذاك الحاكم من وجوه كثيرة، من أهمها أن جند ذاك الحاكم من إخواننا المسلمين، وقد يكون جمهورهم- أو على الأقل الكثير منهم- عنه غير راضين، فلماذا لا يجاهد هؤلاء الشباب المتحمس اليهود، بدل مجاهدتهم لبعض حكام المسلمين؟! أظن أن سيكون جوابهم عدم الاستطاعة، والجواب هو جوابنا، والواقع يؤكد ذلك؛ بدليل أن خروجهم- مع تعذر إمكانه- لم يثمر شيئاً سوى سفك الدماء سُدى! والأمثلة كثيرة، فهل من مدَّكر؟!».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك