الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي الحلقة (9) مفاسد المظاهرات والاعتصامات أو ما يسمى بالربيع العربي
لا شك أن الهاجس الأمني أخذ يحتل المرتبة الأولى على الأصعدة جميعها على مستوى العالم ولاسيما في منطقة الخليج الملتهبة، التي تتصارع على رمالها جميع الدول الكبرى، ويتنافس على ثرواتها كل طامع وحاقد، لقد شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضية نشوء العديد من الحركات الإرهابية والمتطرفة التي لم نسمع بها من قبل وممارستها لأبشع الجرائم بحق الإنسانية من تفجير المساجد والمجمعات التجارية، ونحر البشر وإشاعة الفاحشة وغيرها من الجرائم البشعة التي يشيب لها الولدان. وإيمانا من مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية بأهمية التركيز على موضوع الأمن وبيان انعكاساته على جميعها نواحي الحياة فقد أفرد المركز هذه الدراسة المهمة بعنوان: (الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون ودور العلماء) التي تتناول الكثير من المواضيع المتعلقة بالأمن على مستوى الخليج العربي والدول العربية، وتربط الدراسة ما بين الإيمان بالله -تعالى- وتطبيق شريعته وما بين الإعداد المادي والمعنوي، والأخذ بجميع الأسباب الممكنة لتحقيق الأمن.
إن مفاسد المظاهرات، والإضرابات، والاعتصامات ونحوها، وما يسمى بالثورات العربية، أو الربيع العربي لا تكاد تحصى ولا تعد، ونذكر منها ما حضرنا الآن من مفاسد فيما يأتي:
1- مخالفة النصوص الآمرة بالسمع والطاعة لأولياء الأمور، وقد أمرنا بالصبر على جورهم إن جاروا، سواء قصدوا ذلك أم لا.
2- نقض للبيعة ومقتضاها. وإخفار للمسلمين الذين بايعوا حاكمهم، وأقسموا الأيمان في عهدهم وبيعتهم، قال تعالى: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً}، وعَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعَ النَّاسُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ بَنِيهِ وَأَهْلَهُ ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ»، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْغَدْرِ- إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ- أَنْ يُبَايِعَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى بَيْعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يَنْكُثَ بَيْعَتَهُ، فَلَا يَخْلَعَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ يداً وَلَا يُسْرِفَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَيَكُونَ صَيْلَمٌ بَيْنِي وَبَيْنَهُ»، المؤمن لا يغدر، ولا يحل له أن ينقض بيعته لأجل الأصلح!.
3- الخروج على الحاكم بأنواع الخروج المختلفة، ومن أولها وأخطرها: الخروج باللسان والكلام.
4- مخالفة الهدي النبوي في التغيير، وتهميش قضايا الاعتقاد، والانشغال بالسياسة العفنة عن دعوة التوحيد والسنة.
5- أن تجعل للسفهاء والرويبضة رأياً وسلطة، فيتكلم في قضايا الأمة لكع بن لكع، في حين الشريعة لم تجعل لهم ريادة وقيادة، وفي هذا إقصاء لأولي الألباب، وأهل الحل والعقد وهم الأقل عدداً، والأكثر تأثيراً ونفعاً.
6- سن قوانين تزيد في الفساد، وتؤيد المفسدين، وتهمل الدين، بل تساهم في تبديل الدساتير، مع إهمال الدين، قال عبدالقادر عودة: «أدَّى إهمال الدين والعقائد وإبعاد الأخلاق والفضائل عن دائرة القانون إلى نتائجه الحتمية، ففسدت الأخلاق، وشاعت الفوضى، ونبتت في الجماهير روح التمرد والاستهانة بالقانون، وكثرت الثورات، وتعددت الانقلابات، وتغيرت النظم طبقاً للأهواء، وانتفى الاطمئنان والاستقرار من حياة الشعوب».
7- الانضواء تحت رايات جاهلية، مثل: الحرية، والديمقراطية، والأحزاب ونحوها، وقد ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: « وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ».
8- أنها تضر بدين المرء، بسبب كثرة المخالفات التي بها.
9- أنها اتباع لسبيل المجرمين، والتشبه بالكافرين، وقد كانت قديماً في الجاهلية نُظُمٌ يتوصلون بها إلى الحكم، وإلى حقوقهم، فلم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وشرع لأمته وسائل صحيحة لإقامة الشرع والدين، وقال: {وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} (الأعراف/142)، وقوله صلى الله عليه وسلم «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ... ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية»، وحديث: «ليس منا من عمل بسنة غيرنا»، ولا أشك أنها ليست من سبيل المؤمنين، فقد قام الخوارج متظاهرين على الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه حتى قتلوه صابراً محتسباً، فجميع مظاهر الخروج على الحاكم مرفوضة شرعاً وعقلاً.
10- أنها من الابتداع في الدين، والتشبه بالمبتدعين.
11- تمزيق الأمة، وإشاعة الاختلافات، وكثرة الأحزاب، وإثارة النزاع، والبغضاء بين الناس.
12- إشاعة الفوضى، والفساد، والإكثار من الثورات والتمرد، وعدم الانضباط في الأمة، قال العلامة الألباني رحمه الله: « قد انسحبوا (أي الكفار المستعمرون) -والحمد لله- من البلاد المذكورة، فاستقلت سورية والعراق ومصر، ولكن الكفار قد خلَّفوا في هذه البلاد من ثقافاتهم وقوانينهم وعاداتهم، فقد دبت الفرقة والخلافات الحزبية بين سكانها، وتعددت الانقلابات العسكرية فيها، والله يعلم متى يعود الهدوء إليها، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالرجوع إلى الشرع ».
13- إهلاك الحرث والنسل، وإراقة الدماء وترويع الآمنين، رغم أن إزهاق نفس مؤمنة واحدة أهون من زوال الدنيا بأكملها فضلاً عن الكراسي التافهة.
14- اختلاط الرجال بالنساء، وتعرضهن، لأمور كثيرة، وقد يصل الأمر إلى التحرش بهن، والاعتداء على أعراضهن.
15- تدمير القوى الاقتصادية للبلاد. ومن ذلك هروب المستثمرين بأموالهم من البلاد للبحث عن مكان آمن، وغالباً ما يذهبون بها إلى بلاد الكفار، ليجدوا عندهم ملاذاً آمناً، فيكون فيه تقوية لأهل الكفر على المسلمين، مع إضعاف اقتصاد البلاد الإسلامية.
16- تخريب الممتلكات العامة والخاصة، وتعريض المحلات للنهب والسرقة.
17- الإخلال بالأمن، وإشاعة الخوف والهلع والذعر في البلاد، وكثرة الظلم. فبدلاً من أن يكون ظالمٌ واحدٌ وحاشيته، يكثر الظلم في معظم أفراد البلاد، فيأكل القويُّ فيها الضعيف.
18- تعطيل مصالح العباد، وتعطيل الإنتاج بسبب الإضرابات عن العمل. وتعريض الأمة إلى الأضرار الجسيمة، وما تسببه من زحام، وتعطيل للطرق وسيرها.
19- الاستهانة بالقوانين والنظم، والخروج عن الانضباط.
20- سن سنن الانحراف في الأمة بأسرها؛ فالناس والبلاد يتابع بعضهم بعضاً.
21- استنفاذ طاقات الأمة، كم يكلف الأمة من أموال وطاقات بشرية لأجل حفظ الأمن!
22- الذل والمهانة، وزيادة السوء، وفساد المعيشة، وزيادة الغلاء وشدة المؤنة. وعموم الظلم من الولاة كما جعل الله الحجاج على أهل العراق ، فأصبح الأمر كما قال ابن كثير رحمه الله: «وبالجملة كان الحجاج نقمة على أهل العراق بما سلف لهم من الذنوب، والخروج على الأئمة، وخذلانهم لهم، وعصيانهم، ومخالفتهم، والافتيات عليهم».
23- فتح الباب أمام أهل الفساد، وأهل البدع والزنادقة، والمندسين في صفوف المسلمين لضرب الإسلام ولإظهار شعاراتهم وتسويق معتقداتهم, والتصريح بها. وتمكين الروافض ونحوهم من بلاد أهل السنة، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام من ذهب قال: «وَأَيْنَ ظُلْمُ بَعْضِ وُلَاةِ الْأُمُورِ مِنِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ، بَلْ مِنِ اسْتِيلَاءِ مَنْ هُوَ أَظْلَمُ مِنْهُ؟ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ، وَتَقْلِيلِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَمَعْرِفَةِ خَيْرِ الْخَيْرَيْنِ وَشَرِّ الشَّرَّيْنِ، حَتَّى يُقَدَّمَ عِنْدَ التَّزَاحُمِ خَيْرُ الْخَيْرَيْنِ وَيُدْفَعَ شَرُّ الشَّرَّيْنِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَرَّ الْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَالْخَوَارِجِ (والروافض: خوارج وزيادة) أَعْظَمُ مِنْ شَرِّ الظَّالِمِ».
24- اضطراب أصحاب الثورات، وتناقضهم. فقبل الثورة، يزعمون أنها حق مشروع، فإذا استتب الأمر لهم تغيَّر الحكم، وصار محرماً، وعند بعضهم في أثنائها كان محرماً، ثم بعد زوال رئيسهم أصبحت مشروعة!، وبعد ذلك فيها نظر.
ثم بعض الدول كانت تحث على الثورات، ولما قامت ثورة في بلادهم قمعوها بأشد أنواع القمع، وبعض الدول الأوربية التي تبيح قانون الإضرابات، عندما أضرب العمال فيها عن العمل، فصلتهم من عملهم، وهذا يدل على أنه عمل يتنافى مع الفطرة واستقامة حال الأمم.
25- استعداء الكفار على بلاد المسلمين، وموالاتهم ومظاهرتهم على المسلمين. بل رأينا من المتظاهرين من يستدعي ويستعدي الأمريكان على بلاده, ويستقوي بالاتحاد الأوروبي على دولته, ويتحالف مع الصليبيين لتدمير البلاد والعباد ليصل إلى كرسي الحكم عبر دباباتهم، وبعض الأفراد يرفع أمره لمجلس الأمن، ومنظمات حقوق الإنسان الكافرة، ومنظمات أهل الكفر، والأمم المتحدة وغيرها مما لم نر منهم خيراً قط لبلاد المسلمين، وبغير ضرورة تلجئهم إلى ذلك، هذا غير تعلق القلوب بهم من دون الله كأن النصر على الأعداء والظالمين بأيديهم!!.
قال الطبري -رحمه الله-: «الْأَخْبَار متظاهرة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: «من تعزَّى بعزاء الْجَاهِلِيَّة، فأعضُّوه بِهن أَبِيه وَلَا تَكْنوا»، (يعني: يقال له أعض بأير أبيك) قال: «والتعزي بعزاء الْجَاهِلِيَّة: هُوَ أَن يُنَادي من ركب بظُلْم: يا لبني فلَان!، فَنهى صلى الله عليه وسلم الْمَظْلُوم عَن الاعتزاء بِمَا ذكرنَا وَأمر من ظُلِمَ فاستصرخ على ظالمه أَن يَقُول: يَا لعباد الله، وَيَا للْمُسلمين».
26- هدم عقيدة الولاء والبراء, وذلك بخروج المسلمين في المظاهرات مع الكفار وأهل البدع والأهواء. والأفكار المنحرفة, فيرفع الصليب مع المصحف, كما رأينا، ورأى غيرنا ذلك في أحداث مصر الأخيرة في ميدان التحرير.
27- مخالفة أصحاب الثورات للقواعد الشرعية التي منها:
أولاً- قاعدة: درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح , وهذا على فرض وجود المصالح حقيقة لا وهمية لهذه المظاهرات, إن هذه الاعتصامات والمظاهرات، والعصيان المدني ونحوها، تفضي إلى مفاسد أكيدة متيقنة، دينية، واجتماعية، واقتصادية، وبيئية، وسياسية، وأمنية، وغير ذلك، وأما إفضاؤها إلى إصلاح فمظنون، وما كان كذلك، فحكمه التحريم قطعاً.
فكيف والمصلحة في هذه الوسائل ملغاة تماماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلجأ إليها لا هو ولا أصحابه مع قيام المقتضي لها والباعث عليها .
ثانياً- قاعدة: دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى , والمتمثلة في ظلم الظالم وفسقة ونحو ذلك, فإنها لا شيء أمام ما يقع من جراء هذه المظاهرات من سفك الدماء، ونهب للأموال، وانتهاك للأعراض، وأشد من ذلك كله تسلط الأعداء على بلاد المسلمين .
ثالثاً – قاعدة: سد الذرائع؛ إذ هذه الوسائل ذريعة لوقوع منكرات أكبر ممايراد إزالته بها غالباً وتقع بسببها فتن عظيمة ومصائب جليلة.
رابعاً - قاعدة: لاضرر ولا ضرار, فلا يجوز إلحاق الضرر بالآخرين, ولا يخفى على الضرير فضلاً عن البصير ما لهذه المظاهرات والمسيرات من أضرار وخيمة، ستأتي بالتفصيل.
خامساً- قاعدة: إعمال المقاصد الشرعية, فالشريعة جاءت بحفظ ضروريات وكليات, منها الدين والمال والعرض والنفس, ولا يخفى على ناظر مدى تأثير هذه المظاهرات والمسيرات على هذه الضروريات، فهي في الحقيقة ضياع لها جميعاً.
28- السعي في تحقيق مآرب ومطامع أمريكية وصهيونية في المنطقة، وطاعة الماسونية سواء في ذلك شعروا أم لم يشعروا، قال الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد: «وقد قسمت الماسونية جمعياتها حسب مخططاتها وأغراضها فبعض هذه الجمعيات لإثارة الطلاب وبعضها للاستيلاء على أفكار الصحفيين والكتاب والمؤلفين، وبعضها لإثارة العمال والفلاحين وبعضها مختصة بالعسكريين، وبعضها لإحداث الانقلابات والفتن والقلاقل في الدول إلى غير ذلك».
وقد علم الجميع أن أمريكا وأوربا الآن في حالة ذعر مما يحدث في بلادهم من دمار اقتصادي، فأرادوا أن يسيطروا على العالم لأسباب كثيرة، منها، أو من أهمها القضية الاقتصادية، ويتحدث المراقبون عن احتمال قيام حرب عالمية ثالثة، كما كان هذا هو السبب المباشر في الحربين العالميتين الأولى، والثانية، بل نقل الأستاذ رشيد رضا -رحمه الله- عن بعضهم: «بِأَنَّ جَمِيعَ الثَّوَرَاتِ وَالْحُرُوبِ السِّيَاسِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ ذَاتِ الشَّأْنِ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِ قَدْ كَانَ الْمَالُ سَبَبَهَا الصَّحِيحَ، أَوْ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الْمُؤَثِّرَةِ فِيهَا أَشَدَّ التَّأْثِير».
وإن واحدة من هذه المفاسد كافية في الحكم على مثل هذه المظاهرات بالتحريم، فكيف بها وغيرها مجتمعة؟!.
لاتوجد تعليقات