رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 24 أكتوبر، 2016 0 تعليق

الحسب المال، والكرم التقوى

من شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعا، وضِعةَ من كان مقلا ولو كان رفيع النسب كما هـو موجود مشاهد

 

يتفاوت الناس في تقييم الأشخاص والحكم عليهم وذلك لاختلاف المعايير والأسس التي يتم عليها ذلك التقييم، وللبيئة الاجتماعية دور كبير في ترسيخ تلك المعايير والأسس، فبعض البيئات التي يغيب فيها النظام، وتعتمد على القوة والفوضى، يكون للشجاعة والجرأة مكان بارز في الحكم على الرجال، وفي المجتمعات الفقيرة التي تسود فيها الحاجة والعوز يكون للمال تأثير كبير في تقييم الناس.

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر فقال  صلى الله عليه وسلم : «إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه (المال)» أخرجه أحمد والنسائي من حديث بريدة وحسنه الألباني.

ومعنى الحسب كما يعرفه الشوكاني بأنه: «الشرف بالآباء ‏وبالأقارب، مأخوذ من الحساب، لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم ‏وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده على غيره. وقيل المراد بالحسب هاهنا: الأفعال الحسنة، ‏وقيل: المال».‏

قال ابن حجر موضحا معنى الحديث: «فيحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له، فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له.

أو أن من شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعا، وضِعةَ من كان مقلا ولو كان رفيع النسب كما هـو موجود مشاهد».

وجاء في حديث سمرة أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «الحسب المال، والكرم التقوى» أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني.

قال في حاشية السندي على ابن ماجه: «قَوْلُهُ: (الْحَسَبُ الْمَالُ) أَيِ: الشَّرَفُ بَيْنَ أَهْلِ الدُّنْيَا (الْمَالُ)، وَالْكَرَمُ بَيْنَ أَهْلِ الدِّينِ (التَّقْوَى)، أَوِ الشَّرَفُ بَيْنَ النَّاسِ الْمَالُ، وَالْكَرَمُ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ التَّقْوَى، وَإِطْلَاقُ النَّاسِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ هُمْ أَهْلُ الدُّنْيَا».

وقال في تحفة الأحوذي: «قوله: (الحسب) بفتحتين (المال) أي: مال الدنيا الحاصل به الجاه غالبا.

(والكرم) أي: الكرم المعتبر في العقب المترتب عليه الإكرام بالدرجات العلا (التقوى) لقوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (سورة الحجرات: 13)

     قال الطيبي: «(الحسب) ما يعده من مآثره ومآثر آبائه، و(الكرم) الجمع بين أنواع الخير والشرف والفضائل وهذا بحسب اللغة، فردهما  صلى الله عليه وسلم  إلى ما هو المتعارف بين الناس وعند الله، أي: ليس ذكر الحسب عند الناس للفقير؛ حيث لا يوقر ولا يحتفل به بل كل الحسب عندهم من رزق الثروة ووقر في العيون.

وقيل: الحسب ما يعده الرجل من مفاخر آبائه، والكرم ضد اللؤم.

      فقيل: معناه الشيء الذي يكون به الرجل عظيم القدر عند الناس هو المال، والشيء الذي يكون به عظيم القدر عند الله التقوى. والافتخار بالآباء ليس بشيء منهما». وقد قال الله -تعالى- مبينا ميزان التفاضل عنده سبحانه: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}(سورة الحجرات:13)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ليس في كتاب الله آية واحدة يَمْدَحُ فِيهَا أَحَدًا بِنَسَبِهِ، ولا يَذُمُّ أَحَدًا بِنَسَبِهِ، وإنما يمدحُ الإيمانَ والتقوى، ويذمَ بالكفرِ والفسوقِ والعصيان».

وقال القرطبي: «وفي هذه الآية ما يدلك على أن التقوى هي المُراعى عند الله -تعالى- وعند رسوله دون الحسب والنسب. وقرئ (أن) بالفتح كأنه قيل: لم يتفاخر بالأنساب؟ قيل: لأن أكرمكم عند الله أتقاكم لا أنسبكم».

     ويوضح ابن عاشور أن جملة: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} جاءت بعد قوله تعالى: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}، لتكون تلك الجملة السابقة كالتوطئة لهذه وتتنزل منها منزلة المقدمة؛ لأنهم لما تساووا في أصل الخلقة من أب واحد وأم واحدة كان الشأن ألا يفضل بعضهم بعضا إلا بالكمال النفساني؛ وهو الكمال الذي يرضاه الله لهم، الذي جعل التقوى وسيلته، ولذلك ناط التفاضل في الكرم بـ (عند الله)؛ إذ لا اعتداد بكرم لا يعبأ الله به.

والمراد بالأكرم: الأنفس والأشرف، والأتقى: الأفضل في التقوى وهو اسم تفضيل صيغ من اتقى على غير قياس.

     وجملة: {إن الله عليم خبير} تعليل لمضمون: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} أي: إنما كان أكرمكم أتقاكم؛ لأن {الله عليم} بالكرامة الحق، وأنتم جعلتم المكارم فيما دون ذلك من البطش وإفناء الأموال في غير وجه وغير ذلك الكرامة التي هي التقوى، {خبير} بمقدار حظوظ الناس من التقوى فهي عنده حظوظ الكرامة، فلذلك الأكرم هو الأتقى، وهذا كقوله: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} أي: هو أعلم بمراتبكم في التقوى، أي التي هي التزكية الحق.

     ونبه الشيخ إلى أن قوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} لا ينافي أن تكون للناس مكارم أخرى في المرتبة الثانية بعد التقوى؛ مما شأنه أن يكون له أثر تزكية في النفوس، مثل حسن التربية، ونقاء النسب، والعراقة في العلم والحضارة، وحسن السمعة في الأمم وفي الفصائل، وفي العائلات، وكذلك بحسب ما خلده التاريخ الصادق للأمم والأفراد فما يترك آثارا لأفرادها وخلالا في سلائلها قال النبي -  صلى الله عليه وسلم -: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا».أخرجه مسلم

     وأكد النبي  صلى الله عليه وسلم  هذا الأصل في حجة الوداع، فعن جابر رضي الله عنه  قال:خطبنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وسط أيام التشريق في حجة الوداع، فقال: «أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم، ألا هل بلَّغتُ؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فليُبلِغِ الشَّاهدُ الغائبَ» رواه أحمد.

     وقد أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم : أي الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند الله أتقاهم» قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله». قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «فعن معادن العرب تسألوني ؟ «قالوا: نعم. قال: «فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا».

وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».

وعن أبي ذر قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم   قال له: «انظر، فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى».أخرجه الإمام أحمد وحسنه الألباني

عن حذيفة قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «كلكم بنو آدم، وآدم خلق من تراب، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان»أخرجه البزار وصححه الألباني.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك