الحسبـة عند شـيخ الإسـلام ابـن تيميـة
هو شيخ الإسلام الإمام أبو العباس: أحمد بن عبدالحليم ابن عبدالسلام بن عبدالله بن محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبدالله ابن تيمية الحراني ثم الدمشقي.
من أئمة أهل السنة والجماعة، ذب - رحمه الله - عن السنة ودافع عنها في مجتمع انتشرت فيه البدع والضلالات والمذاهب الباطلة وآراء الفلاسفة، فوقف - رحمه الله- وقفة مشهودة فتقوى به أهل السنة وحطم أهل البدع ورد شبهاتهم وجاهد الإفرنجة، فكان ناصحاً ومصلحاً ومجاهداً رحمه الله.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند شيخ الإسلام:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله وهو من الدين.
وبين الله سبحانه أن هذه الأمة خير الأمم للناس وأنفعهم لهم وأعظمهم إحساناً إليهم؛ لأنهم كملوا أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر من جهة الصفة والقدر؛ حيث أمروا بكل معروف ونهوا عن كل منكر لكل أحد، وأقاموا ذلك بالجهاد في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم، وهذا كمال النفع للخلق.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ليس من الكلم الطيب والعمل الصالح، بل الآية تقتضي أن ما لم تأمر به الأمة فليس من المعروف وما لم تنه عنه فليس من المنكر» ا.هـ.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند شيخ الإسلام على الكفاية، واستدل بقوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
وإذا أخبر بوقوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منها لم يكن من شرط ذلك أن يصل أمر الآمر ونهى الناهي منها إلى كل مكلف بالعالم؛ إذ ليس هذا من شرط تبليغ الرسالة.
إذاً فهو لا يجب على كل أحد بعينه بل هو على الكفاية كما دل عليه القرآن، ولما كان الجهاد من تمام ذلك كان الجهاد أيضاً كذلك، فإذا لم يقم به من يقوم بواجبه أثم كل قادر بحسب قدرته؛ إذ هو واجب على كل إنسان بحسب قدرته كما قال النبي[: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».
ويجب على أولي الأمر وهم علماء كل طائفة وأمراؤها ومشايخها أن يقوموا على عاتقهم فيأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر.
والرفق هو سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر غير منكر.
وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبات فالواجبات أو المستحبات لا بد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة؛ إذ بهذا بعثت الرسل وأنزلت الكتب والله لا يحب الفساد.
وإذا تعارضت المصالح والمفاسد فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له: فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته.
وأصل هذا كله أن تكون محبة الإنسان للمعروف وبغضه للمنكر وإرادته لهذا وكراهته لهذا موافقة لحب الله وبغضه وإرادته وكراهته الشرعيتين، وأن يكون فعله للمحبوب ودفعه للمكروه بحسب قوته؛ وقدرته، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
والقائم بالأمر والنهي لا بد أن تتوافر فيه شروط وهي:
العلم بالمأمور به والنهي عنه، والعمل بهذا الأمر، والعلم بحال المأمور وحال المنهي، والرفق والصبر.
وأقسام الناس في هذا ثلاثة:
- القسم الأول: قوم لا يقومون إلا فيما يصلح أنفسهم.
- القسم الثاني: قوم مخلصون لله يقومون بديانة صحيحة.
- القسم الثالث: قوم يجتمع فيهم هذا وذاك، وهم غالب المؤمنين ممن فيهم دين ولهم شهوة.
مواقف من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية:
ومواقف شيخ الإسلام كثيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومما يذكر نصحه للوالي حينذاك، فشدد العقوبة على الخمر وأقام الحدود، وقد كان يتساهل فيها عندهم، وأيضاً دفاعه عن عقيدة أهل السنة والجماعة ومناظراته بهذا الخصوص كثيرة فقد ناظر الملاحدة والصوفيين والشيعة ورد عليهم، وهذا من إنكار المنكر، وكتبه إلى اليوم تعد من أقوى الردود على هذه الفرق.
وأيضاً جهاده للتتار وشجاعته في دفعهم وقد شهدوا له بذلك.
ومما ذكر في ترجمته - رحمه الله - أنه كان ينكر على المتنبي المبالغة في مدح المخلوق، ويقول: إنما يصلح هذا لجناب الله سبحانه وتعالى، وأخبر العلامة شمس الدين بن القيم - رحمه الله - أنه سمع الشيخ تقي الدين ابن تيمية يقول: ربما قلت هذا البيت في السجود أدعو الله بما تضمنه من الذل والخضوع, والبيت هو:
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره
ولا يهيضون عظماً أنت جابره
المصادر:
1- مكارم الأخلاق، شيخ الإسلام ابن تيمية, تحقيق وإعداد عبدالله بدران ومحمد عمر الحاجي، دار الخير, بيروت - لبنان - الطبعة الأولى.
2- البداية والنهاية لابن كثير.
لاتوجد تعليقات