الحرية بين الحق والباطل
الحرية ضد العبودية، وقد عاشها الناس قبل الإسلام؛ حيث عبدوا الأوثان، وأيام دولة القياصرة قسموا الناس إلى عبيد وأحرار، يباعون ويشترون، وهكذا يشرح الوضع جعفر بن أبي طالب] للنجاشي قائلاً: كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء للجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه؛ فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه؛ فأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.
فالإسلام دعا إلى الحرية وتحرير الناس من العبودية؛ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً»، وقال ربعي بن عامر رضي الله عنه: «لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام».
والإسلام جعل أول كفارة للعقوبات والأخطاء تحرير رقبة، فحرية الإسلام منضبطة، فإذا خرج بها الإنسان عن أحكام الدين ونطاق العقل وحدود الأخلاق ومصلحة الجماعة، وجبت مساءلته ومحاسبته وإيقافه عند حده، ورده عن غيه، منعا للضرر الذي قد يقع على الفرد والجماعة، وربما فساد الدين والدنيا. فالحرية في الإسلام لا تعني ارتكاب الموبقات، والمنكرات، واستباحة المحرمات، والانغماس في الشهوات المحرمة.
في عام 1529 ميلادي، قام (مارتن لوثركينج) بثورة ضد الكنيسة؛ بسبب استعبادهم للناس واحتكار كل شيء لهم؛ فقتلوا خلقا كثيرا، وأبرموا اتفاقا أن رجال الدين مكانهم الكنيسة، وأمور الدنيا يتولى أمرها الأغلبية، وبالفعل قاموا بهذا، ولكنهم ضمن ديانة محرفة وباطلة، ومن ضلال إلى ضلال حتى جمعوا بين الفساد والباطل وأباحوا المحرمات!!
لكننا مسلمون وديننا الإسلام الذي ارتضاه الله للبشرية كافة، قال -تعالى-: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(الملك: 14)، وقال -سبحانه-: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(المائدة: 50)، وقال -جل في علاه-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}(الإسراء: 70).
فيجب التسليم المطلق لأوامر الله -عز وجل- ورسوله[. فالحرية منضبطة ولا يجوز أن تتعدى حدود الشرع، ومن ينادي بالحرية يقصد بها الجمع بين الحق والباطل، والكفر والإيمان، والصلاح والفساد، وهيهات هيهات أن تجتمع هذه الأضداد، فلابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نفهم الآيات على مراد الله؛ وكذلك الأحاديث؛ فديننا كامل وصالح لكل زمان ومكان. ونسأل الله الثبات.
لاتوجد تعليقات