الحرية الحقيقية في التمسك بالقيم الإسلامية
من المبادئ والشعارات المتداولة كثيرا: (مبدأ الحرية)، سواء كان متعلقا بحرية التفكير أو التعبير أو السلوك، وسواء ارتبط بحقوق الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات.
هذا المبدأ المجني عليه بكثير من الأهواء والأوهام والأحلام والأغلاط والمغالطات، أضحى حقا يراد به الباطل؛ ذلك أن كثيرا من الناس يفهمون الحرية أو يريدونها حقا مشروعا مطلقا، لا تلزمه شروط، ولا تقيده ضوابط ولا حدود، بل يرون أن لهم حق التصرف الحر فيه قولا وعملا فيما يشاؤون وكما يشاؤون، دون وازع من دين ولا عقل ولا خلق ولا قانون ! وقد يخرق أحدهم كل الحدود والأعراف والموانع، فيرتكب كل منكر فاحش من الأقوال والأفعال قصدا وعلنا، وحين يعاتب أو يلام، يكون جوابه الجاهز «أنا حر»، ولا يجوز لأحد أن يتدخل في حريته الشخصية أو يقيدها. وهكذا أصبحت الحرية بهذا التصور الأناني الواهم تعطي الضوء الأخضر لكل انحراف بدعوى ممارسة حق الحرية. بل أدى هذا الوهم في فهم الحرية وممارستها إلى الفوضى والاضطراب وانقلاب كثير من القيم والمعايير الدينية والخلقية. ومن نتائج ذلك حالات الصراع والتصادم بين الرجال والنساء، وبين الأزواج والزوجات، والأبناء والآباء، والرؤساء والمرؤوسين، وضياع الحقوق والمصالح، وتراجع الأمن والسلام والاستقرار. من هنا كان لابد من إيضاح مفهوم الحرية الحقيقية، وموقف الإسلام من هذا المصطلح من خلال هذا التحقيق.
لقد حفظ الإسلام حرية الإنسان، وأحاطها بسياج من الحدود والضَّوابط، ففرَض عُقوبات وزَواجر لمن يتعدَّى على حرية الناس ويَعتدي عليهم، فلا يتعرَّض أحد لأحد بأذى، لا في بدنه، ولا عِرضه، ولا دينه، ولا ماله، بأي طريقة مِن الطرائق، فالعدلُ واجب في ميزان الإسلام، فلا احتِقار ولا امتِهان لكرامة الإنسان، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70).
دُعاة الحرية اليوم
إنَّ دُعاة الحرية اليوم -الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عنها والتكلُّم باسمها- قد سبقتهم الشريعة الإسلامية منذ قرون من الزمان، ووضعت ضوابطها، وسنَّت قوانينَ لحمايتها، وبمقارنة سريعة بين المجتمع الإسلامي وغيره من المجتمعات تُنبئك كيف حمَت الشَّريعة الإسلامية حرية الإنسان، وحدَّت مِن الجَرائم التي من شأنها الاعتداء عليها، فقد جاء الإسلام لينظِّم الحياة، بما يَكفُل للناس الحرية الكاملة المنضبطة التي تنظِّم عيشَهم، وتُساعد على مُمارسة الحياة بطريقة آمنة ومستقرة، ضامنًا لهم تحقيق السعادة والتقدم الحضاري في أبهى صوره وأثمن مَعانيه وغاياته.
حق الإنسان الكامل
لقد ضمنَ الإسلام للإنسان حقه الكامل في الثقافة والعلم والتعبير عن رأيه، والتصرُّف في ماله، واختيار طعامه وشرابه وملبسه في إطار مِن المباحات، ولم يُحرم عليه إلا ما كان ضررًا محضًا وخطرًا على صحَّته، وموردًا لهلاكه، فالإسلام لم يُقيِّد الحرية في الطعام والشراب إلا ما كان رجسًا تعافُه النفس ويَستقذره الطبع، أو كان مهلكًا للصحة، أو مغيبًا للعقل.
الحرية في الإسلام
الحرية في الإسلام لا تتبع الهوى ولا الشهوة، وليس فيها إضرار بالآخر، ولا اعتداء على أحد، ولا تعدٍّ على مقدَّسات الأمة وثوابتها ومقدراتها؛ فهي حرية وسطية متوازِنة بين الفرد والمجتمع، ولقد حرَّر الإسلام البشرية مِن أغلال الرق الذي سيطر عليها ردْحًا من الزمن، حتى كان الرجل يبيع ابنه وأمه إذا احتاج لبعض المتاع، ناهيك عن وأد البنات وهن أحياء، أو قتل ولده خشية الفقر.
معنى الحرية وموقف الإسلام من الحريات
وعن معنى الحرية وموقف الإسلام من الحريات، قال رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ د. محمد الحمود النجدي: الحرية أصلاً: ضد العبودية، والحر: ضد العبد، وتحرير الرقبة: عتقها من الرِّق والعبودية، وجاءت في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى} البقرة: 178، والحرية تُعرّف بالاصطلاح بأنها قدرة الإنسان على فعل الشيء، أو تركه، بإرادته الذاتية، وهي ملكة خاصة يتمتع بها كل إنسان عاقل، وتصدر عنها أفعاله، بعيدا عن سلطة الآخرين؛ لأنه ليس مملوكا لأحدٍ، لا في نفسه ولا في بلده ولا في قومه ولا في أمته.
التوحيد يحرر الإنسان
وأضاف: والتوحيد والإيمان في الإسلام يُحرر الإنسان من كل الطواغيت؛ فشهادة التوحيد «لا إله إلا الله» هي جوهر التدين بالإسلام؛ فإنها في مفهومه تحرير الإنسان من العبودية لكل الطواغيت، ومن كل الأغيار، وإفراد الله بالألوهية والعبودية هي جوهر تحرير الإنسان من العبودية لغير الله، ومن ثم فإنها هي المحققة لتحرير الإنسان من كل ألوان الطواغيت المادية التي تسلب منه الإرادة والحرية والاختيار.
الحرية لا تعني التحرر من كل قيد
ثم أجاب الشيخ النجدي عن تساؤل مهم وهو: هل «الحرية» تعني التّحرّر والانطلاق من كلّ قيد؟ فقال: لا يعني ذلك بطبيعة الحال، ولا يوجد نظام أو دين أطلق أقوال الناس وأفعالهم من كل قيد وضابط؛ لأنّ الحرية بهذه الطريقة أقرب ما تكون إلى الفوضى، التي يثيرها الهوى والشهوة، ومن المعلوم أن اتباع الهوى يدمّر الإنسان أكثر مما يبنيه، ويُفسده أكثر مما يُصلحه؛ ولذلك منعت الشرائع من اتباعه، والإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه مدني بطبعه، يعيش بين كثير من بني جنسه، فلم يقر لأحدٍ بحرية دون آخر، ولكنّه أعطى كل واحد منهم حريته كيفما كان، سواء كان فرداً أم جماعة؛ ولذلك وضع قيوداً ضرورية، تضمن حرية الجميع.
ضوابط الحرية
وبين الشيخ النجدي الضوابط التي وضعها الإسلام فذكر منها:
أ- ألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة، إلى تهديد سلامة النظام العام للأمة، وتقويض أركانها، وتدنيس مقدساتها.
ب- ألا تفوت الحرية حقوقا أعظم منها، وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها.
ج - ألا تؤدي حريته إلى الإضرار بحرية الآخرين، أو بالضرر عليهم في أنفسهم وأموالهم وأهليهم.
وبهذا العرض السريع للقيود والضّوابط، ندرك أن الإسلام لم يقر الحرية لفردٍ على حساب الجماعة، كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد، ولكنه وازن بينهما، فأعطى كلا منهما حقّه.
ما الحرية التي يقصدونها؟
من جانبه قال الأستاذ بكلية الشريعة د. مطلق الجاسر: ينادي الكثيرون بأن أعطونا حريتنا أو نريد الحرية، والدفاع عن الحرية، وإعلاء كلمة الحرية، ولا شك أن كلمة الحرية لها بريق ساحر ولها معنى جذاب فكم من دماء أريقت في سبيل الحرية! وكم من أموال دفعت وجهد بذل في سبيلها! لكن ما الحرية التي يقصدونها؟ هل هي الحرية المطلقة من غير قيد؟ لا يقول بذلك عاقل، فلا يقول عاقل: إن هناك حرية مطلقة لا يقيدها أي قيد؛ لأن الذي يقول ذلك لا يمانع من أن يضرب وأن يؤخذ ماله ويعتدى عليه، فالجميع متفق على وجود قيد على الحرية، وأنه لا يوجد حرية مطلقة، والذي له الحق في تحديد هذه القيود هو من خلقنا وخلق الحرية وهو الله -تبارك وتعالى-؛ فالله له الحق في أن يقول لا يجوز لك أن تفعل كذا ويجوز لك أن تفعل كذا؛ لأنه هو الذي خلقنا.
الإنسان حر ما لم يعص الله -تعالى
وأضاف الجاسر، القاعدة الشرعية تقول:«إن الإنسان حر ما لم يعص الله -سبحانه وتعالى» فأنت حر في كل أفعالك ما لم تعص الله -تعالى-، ومن معصية الله الإضرار بالآخرين؛ فلا يحق لك أن تمارس حريتك بما يضر أو يؤذي الآخرين، ولا يحق لك أن تمارس حريتك فيما فيه معصية لله -عز وجل.
الحرية المطلقة خطر على المجتمع
في هذا السياق قال رئيس قطاع العلاقات العامة والإعلام سالم الناشي: إنَّ مفهوم الحرية المطلَقة التي تعني رفض أي نوع مِن التقيُّد خطر على المجتمع، فما كانت الحرية لتفهم على أنها رفع القيود مُطلقًا، فلو تُرك كل إنسان وما أراد لاستحالت الحياة إلى غابة؛ فالنفس الإنسانية بطبيعتها تحبُّ التفلُّت مِن كلِّ قيد، فليست الحرية أن يفعل كل امرئ ما يهواه أو يَحلو له، فعندها تصبح الحرية فوضى؛ لأنَّ الحرية لها ضوابط وقوانين وحدود لا يُمكن تجاهلُها أو إهمالها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينةٍ فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقْنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ مَن فوقنا؟! فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا» متفق عليه.
الحرية المطلقة لا وجود لها
وأكد الناشي أنَّ الحرية المطلقة لا وجود لها في هذا العالم، وإلا تحول المجتمع إلى غابة من الفوضى تضيع فيها الحقوق، وتذوب فيها المسؤوليات، وحينها فقط يُصبِح البقاء للأقوى، ليس الأقوى إيمانًا ولا أخلاقًا ولا برهانًا، وإنما القادر على انتزاع ما بأيدي الآخرين ونهب حقوقهم وسلب حرياتهم، فتقييد الحرية ليس نفيًا لها، وإنما تركها على إطلاقها دون ضوابط هو النفي الحقيقي لها، ومَحْق وجودها.
الحرية الحقيقية
وأضاف الناشي: إن الحرية الحقيقية هي أن تستجيبَ لأمر الله؛ فلا يأمرك إلا بما فيه مصلحتك، ولا ينهاك إلا لمنْع ضررك، وحين تنتفي المصلَحة من هذا التكليف يُرفع الحرج، كجواز فطر الصائم لمرضه مثلاً، فالضروراتُ تُبيح المحظورات.
قضية الحرية قضية دائمة
من جانبه قال الكاتب والباحث في القضايا الفكرية والعقدية م. أحمد الشحات: هناك أسباب عدة تجعل بعضهم يعيش فوضى في مفهوم الحرية وسوء الفهم لها، من تلك الأسباب ما يلي:
- سوء التنشئة التربوية منذ الصغر، فربما لا يتربى بعضهم على المفاهيم الشرعية الواضحة أو المنضبطة في ذلك.
- قضية الحرية قضية فيها منازعة لشيء ما، فالنفس ترغب في التحرر وتكره القيود والضوابط، ومن ثم فهي أمر يداعب خيال الإنسان ويوافق هواه، فالإنسان يميل للتحرر والانطلاق دون أن يكبله شيء.
- المناهج الفاسدة التي تروج على الناس وتزين لهم الحرية بأنها هي التحرر من قيود الشرع، وأن الإنسان يفعل ما يريده، فيترسخ في أذهان الجميع كلمة أنا حر وأفعل ما أريد، ولا يتدخل أحد في شؤوني.
- عدم إدراك الفرد بين كون الإنسان حرا في بعض التصرفات وليس حرا في بعض الآخر؛ فالإنسان عندما يُنصح في تعديل سلوك ما يقول أنا حر، ولا ينتبه أن كلمة أنا حر قد تكون مصادمة للشرع؛ لأن الذي يحدثه أو يوجهه لا يعتدي على حريته الشخصية ولا يتجاوز حدوده، ولا يجور على حقه.
الحرية الشخصية في الإسلام
وعن مفهوم الحرية الشخصية في الإسلام قال الشحات: تتمثل الحرية الشخصية في الإسلام فيما يلي:
أولا: الإنسان عبد لله-عز وجل
الإنسان ليس حرا فيما بينه وبين الله فهو عبد لله وشرف له أن يكون عبدًا، والعبد يسمع ويطيع لا يجادل ولا يعترض ولا يتجاوز حدوده، فحدود الحرية مقيدة بالشرع ليست حدودا مفتوحة وليس لها سقف وليس لها ضابط ولا خطام ولا زمام، وإنما هي أمور مقيدة شرعا، وهذا أمر يستوي فيه البشر جميعا.
ثانيا: الحرية لها سقف
الحرية لها سقف في التعامل بين البشر؛ بما وضعه الله من حقوق وواجبات بين البشر بعضهم بعضا؛ فالمرأة ليست حرة في التصرف في نفسها؛ لأن زوجها له حق عليها، والابن ليس له مطلق التصرف في نفسه؛ لأن والده له حق الطاعة عليه وهكذا، فهناك حقوق متبادلة مثل الحقوق بين الحاكم والمحكوم، والراعي والرعية، هذا الراعي لابد للرعية أن يسمعوا له ويطيعوه، ولكن مع قيد وضابط أيضا وهو السمع والطاعة ما لم يأمر بمعصية الله -عز وجل- كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ولقوله -[-: «إنما الطاعة في المعروف». فهناك ثلاثة أنواع من الطاعة، ولكن قال الله -تعالى- بعد ذلك: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} يعني: الشرع يكون هو الحاكم؛ فهذا ضابط على الجميع، فهو الذي يتحكم في القيود والضوابط، فحدود العلاقات بين الناس فيها مساحة يوجد بها حرية ومساحة، ومن ثم فلا يجوز للمرأة أن تفعل ما تريد دون أن تأخذ إذن زوجها، وتقول: إنها حرة التصرف، وأنها تفعل ما تريد؛ فالأمر لابد أن يكون هناك ضابط وألا تخرج إلا بإذن زوجها، وهذا ليس تقييدا لحريتها.
ثالثا: حرية تصرف الإنسان في نفسه وفيما يملكه
حرية تصرف الإنسان في نفسه وفيما يملكه وفيما يقع تحت يديه فالأصل أن الإنسان حر في ذلك ما لم يتجاوز حق نفسه، فمثلا الإنسان له أن يأكل ما يريد ويشرب ما يريد وينام كما يريد، ولكن لا يأكل ولا يشرب محرما وغير ذلك، فالإنسان حر في نفسه ولكن بشرط ألا يقع هو فيما يخالف الشرع، فلابد أن يحفظ حق المال وحق النفس والأمور التي شرعها الله -تعالى- وضبطها لكي تكون إطارا في تعامله مع نفسه.
رابعا: قضية المصالح المرسلة
وهذا النوع فيه تقييد للحرية، ولكن هذا التقييد يكون لمصلحة، ومثال ذلك الضوابط التي طبعتها إدارات المرور في مختلف دول العالم، هذه الضوابط لابد أن تراعى، ورغم أن فيها تضييقا على الشخص وتعديا على حريته الشخصية ولكن لا يوجد أحد في العالم يعارض في ذلك، وهذا من ضمن الأدلة التي نستدل بها؛ لأنه لو تركت هذه الضوابط لصار الوضع فوضى، ولأهلك الناس بعضهم بعضا، والجميع يذعن رغم أنها قيود بشرية محضة تعتمد على النظر إلا أنها تراعى في جميع أنحاء العالم لأن فيها مصلحة والجميع يذعن لذلك رغم أنها قيود بشرية، والشرع أيضا يطالب الناس بذلك للمصلحة الراجحة، وأنها مصلحة مرسلة تركها الشرع للناس لكي يضبطوها بما يحقق النفع لهم دون أن يكون فيه مخالفة للشرع.
آراء الشباب في مفهوم الحرية
وقد استطلعت الفرقان آراء بعض الشباب في هذه القضية وهذا جانب من مشاراكتهم معنا:
التأثر بالقيم والمفاهيم الغربية
في البداية تحدث الطالب بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة -كلية اللغة العربية، يوسف منصور يوسف عن السبب الذي يجعل بعض الناس يعيش فوضى في مفهوم الحرية وسوء فهم لها؛ فقال: لا شك أن هذه الفئة من الناس قد تأثرت بالقيم والمفاهيم الغربية التي أصبحت منتشرة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية مع الأسف الشديد، ولا شك أن هذا التأثر بالغرب والتقليد الأعمى له، ناقوس خطر ينذر باستهداف عقول شباب الأمة وانحدارها، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: «لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».
تربية الشباب على المبادئ والقيم
وعن تطبيق مفهوم الحرية دون تعدٍ وتجاوز على الآخرين وعلى المجتمع وعلى الذوق العام قال يوسف: هناك قيم ومبادئ يجب أن يتربى عليها الشباب؛ حتى يدركوا أن هناك آدابا عامة للمجتمع، يجب أن يُحافَظ عليها، وأن هناك حقوقا للآخرين يجب أن تراعى؛ فالحرية لا تعني أن أفعل ما أشاء وقت ما أشاء دون مراعاة لحقوق الآخرين، ومن ذلك، مراعاة قيم المجتمع في اللباس والاحتشام، ولا سيما في الأماكن العامة، وكذلك عدم التدخل في خصوصيات الآخرين، ومن أهم النقاط في هذا الجانب عدم المجاهرة بالمعاصي مهما كان حجمها ومهما كان شكلها.
الإسلام دين وسطية واعتدال
وعن ادعاء بعضهم أن الإسلام قيد حرية الناس بأوامره ونواهيه قال يوسف: الإسلام دين وسطية واعتدال؛ فهو لا يقيد الحريات إلا ما خرج منها عن حد الوسطية وعن الفطرة السليمة، والإسلام دين تيسير فهو دين سهل مرتب ومنظم؛ فمن اتبع أوامره واجتنب نواهيه، سهلت عليه أمور الدنيا وظفر بالفوز في الآخرة -بإذن الله.
ضعف التدين وقلة الإيمان
من ناحيته يرى عبداللطيف سالم الناشي (الطالب بالمرحلة الثانوية) أنَّ الذين يعيشون فوضى في مفهوم الحرية وسوء فهم لها، يكون بسبب ضعف تدينهم وقلة إيمانهم؛ لذلك نجد أن هذا الشخص لا يقبل النصيحة، ولا يحب الناصحين، بحجة أن هذا تدخل في الخصوصيات، بل يتهمون من ينصحونهم بأنهم منغلقون ورجعيون ومتزمتون.
انحراف عن المفهوم الحقيقي للحرية
وعن ادعاء بعضهم أن الإسلام قيد حرية الناس بأوامره ونواهيه، قال عبداللطيف: هذا كلام خطأ ولا شك، فلقد جعل الإسلام الحرية الحقيقية حقا من حقوق الإنسان، وجعلها مظهرا لتكريم الإنسان، فمفهوم الحرية في الإسلام هو المفهوم الصادق الصحيح الذي يعبر عن حقيقتها بصدق وواقعية، وإذا كان مفهومها في حياة بعض الناس أن يفعلوا ما يريدون، فإنها في المفهوم الشرعي الصحيح تعني: التحرر من العبودية إلا لله -سبحانه-، أو هي الخضوع لحكم الله -سبحانه.
الحرية لا تعني استبداد الإنسان بتصرفاته
وعن تطبيق مفهوم الحرية الحقيقية دون تعدٍ وتجاوز على الآخرين وعلى المجتمع وعلى الذوق العام، أكد عبداللطيف الناشي أنَّ الحرية لا تعني استبداد الإنسان بتصرفاته، أو أن يفعل ما يحلو له في أي زمان ومكان، وإنما هي نوع من الحق يستطيع الإنسان بمقتضاه أن يقوم بالمصالح المتعلقة به في حدود عدم التصادم مع مصالح الآخرين وحقوقهم، لذلك على الإنسان أن يختار بين البدائل المشروعة، بما يتفق مع حدود المشروعية المنضبطة بما يحقق الأهداف العامة للمجتمع. وهذا المفهوم هو الذي يحول دون تحول الحرية إلى نوع من التسلط المرفوض.
الحرية كلمة جذابة وبراقة
أما الشاب عبدالله منصور يوسف (الطالب بالمرحلة الثانوية) فكان له رأي آخر في كون بعضهم يعيش فوضى في مفهوم الحرية وسوء فهم لها؛ حيث قال: لا شك أن سوء الفهم الذي يعتري بعضهم في مفهوم الحرية، يرجع إلى كون الحرية كلمة جذابة وبراقة ومثيرة للجدل وفيها غموض شديد في مفهومها، وعدد تعاريف الحرية على عدد مدّعيها، ولا يوجد مفهوم واضح لمعنى الحرية؛ فهي كلمة مطاطية، وكل يرى الحرية بمنظوره الخاص؛ فلذلك أصبح هناك تضارب وفوضى في هذا المفهوم الذي جعل بعضهم يلتبس عليه تطبيق هذا المفهوم.
أنت حر ما لم تخالف أمر الله -تعالى
وعن تطبيق مفهوم الحرية الحقيقية دون تعدٍ وتجاوز على الآخرين وعلى المجتمع وعلى الذوق العام أكد عبدالله أن هذا الأمر لن يتم إلا إذا التزمنا بالحرية بمفهومها الشرعي، فالبعض يعتقد أنه حر مالم يضر، وهذا لا شك مفهوم خاطئ وقاعدة غير صحيحة لمفهوم الحرية، والقاعدة الصواب التي تضبط هذا الأمر هي: أن «الإنسان حر ما لم يخالف أمر الله -تعالى»، وهو حر مالم يعص الله -تبارك وتعالى-، وهو حر في حدود أوامر الله التي أمره بها.
المعيار السماوي
وعن ادعاء بعضهم أن الإسلام قيد حرية الناس بأوامره ونواهيه، قال عبدالله: لولا معيار الله الذي هو المعيار السماوي لهلك البشر جميعًا؛ فأنزل الله القرآن الكريم ليكون معيارًا لنا لأنه أرحم بنا وأعلم، الإسلام أعطى مساحة كبيرة وواسعة من الحرية في إطار الحدود الشرعية التي فرضها الله على عباده؛ حيث حررهم الله من الهوى واتباع الشهوات والمنكرات، لكن غير المسلم يظن أنه حر، في حين أنه يعيش العبودية بمعانيها؛ حيث يعيش مأسورًا لهواه وشهواته، وكذلك هناك من يعيش عبدًا لغير الله بل عبدًا للمال ولبشر مثله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إنْ أُعطِي رضي، وإن لم يُعطَ لم يرضَ» رواه البخاري.
الإسلام جاء ليحرر الإنسان من العبودية لغير الله
وأضاف عبدالله منصور، الشريعة لا تريدك أن تكون مأسورا لغير الله -تعالى- وأن تكون حرا لله، والإسلام جاء ليحرر الإنسان من عبودية من لا يستحق سواء كانت هذه العبادة حسية أم معنوية لعبادة من يستحق وهو الله -سبحانه-، ودائرة المباح أكبر من دائرة الحرام بكثير؛ فلا تلتفت إلى الدائرة الضيقة وانظر فيما أباحه الله لك.
وخلاصة القول أنَّ الإسلام وضع أفضل الضوابط على وجه الأرض؛ وذلك لأن تلك الضوابط هي من الخالق -سبحانه- الذي يعرف ما يصلح لعباده وما هو أنفع لهم.
دعوة للانحِراف عن الفطرة السوية
كما شاركت الطالبة بالمرحلة الثانوية: سلمى وائل سلامة فقالت: إنَّ الدعوة للحرية من خلال التكشُّف ونزْع الحِجاب ما هو إلا دعوة للانحِراف عن الفطرة السوية، واختلال مفاهيم القيم الدينية والعقائدية، قال -تعالى-: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} (الأعراف: 27)، إنهم يُريدون باسم الحرية أن يهدموا كيان الأمة المسلمة، ويعبَثوا بأصالة دينها الحنيف، ويزلزلوا ثوابتها الدينية والعقدية، ويطعنوا في أصولها الحضارية والتاريخية، وهذا بمثابة انتزاع للهُوية الإسلامية والعربية.
ثورة على الدين والأخلاق والفضائل
وأكدت سلمى أنَّ المرأة المسلمة عليها ألا تقبل أن تُساق كالقطيع خلف كل ناعق، ولا أن تقاد بلا وعي ولا إدراك ولا بصيرة خلف كل أحد مهما حاول إغراءها وخداعها، ولا سيما الذين يريدون إخراجها من طهرها وعَفافها باسم الحرية، قال -تعالى- في هؤلاء وأمثالهم: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} (النساء: 89)، إن الحرية التي يطالبون بها هي ثورة على الدين والأخلاق والفضائل والأعراف التي تعارف عليها المجتمع، وثورة على الفِطرة البشرية، وتحرُّر وانفِلات، وتمرُّد على كل ما مِن شأنه أن يضبط الغريزة ويقوِّمها.
الفهم السيئ للحرية
خلاصة القول: إن الفهم السيئ للحرية أدَّى إلى خروج جيل يروِّج لنزع الفضيلة تحت شعار الحرية، وتحت مسمى الحداثة والديموقراطية، كما أن الجهل بمعنى الحرية في الإسلام هو الذي حَدا ببعض المسلمين إلى الجري وراء الأمم الأخرى، طالبين ما عندهم من مسميات حداثية، فوقعوا في براثن الإلحاد والتكشُّف والتعري والتفسُّخ الأخلاقي، وانخدعوا ببريق المذاهب المادية ووعودها الزائفة، فتراهم ناكسي رؤوسهم تحت أقدام المدنية الحديثة، ولا أظنُّ هؤلاء وأمثالهم إلا يصدِّرون لنا حرية مزيفة ليسلبوا حريتنا الحقيقية، لقد جاء الإسلام بأكمل المناهج وأعظم الأيديولوجيات التي تحفظ حرية الإنسان في كل مكان، فلماذا نَنصهر في بوتقة التبعية للفكر الوافد والثقافات الدخيلة والدعوات الزائفة الباطِلة، ولا نَحمي هويتنا المتميِّزة الفَريدة التي تحفظ أصالتنا وكرامتنا على امتداد العصور والأزمان، لا نريد حرية مستورَدة تَهوي بنا إلى فحش الأخلاق وسوء النهايات.
هل أقر الإسلام الحرية في العقيدة؟
قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: الإسلام لا يقر الحرية في العقيدة، والقول: إن الإسلام يجيز حرية العقيدة هذا غلط، الإسلام يوجب توحيد الله، والإخلاص له -سبحانه-، والالتزام بدينه، والدخول في الإسلام، والبعد عما حرم الله، وأعظم الواجبات وأهمها توحيد الله، والإخلاص له، وأعظم المعاصي وأعظم الذنوب الشرك بالله -تعالى-، وفعل ما يكفر العبد من سائر أنواع الإلحاد، فلا حرية للإنسان في هذا، ليس له أن يختار دينًا آخر، وليس له أن يعتنق ما حرَّم الله، وليس له أن يدع ما أوجب الله عليه، بل يلزمه، ويفترض عليه أن يستقيم على دين الله، وهو الإسلام.
الحرية الكاملة هي المبنية على الكتاب والسنة
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: من أساليب إضلال المسلمين ترويج الأفكار الرديئة الإلحادية بينهم مثل: (الناس أحرار - دعوا كل أحد يعتنق ما يشاء - لا تستعبدوا الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا)، الإنسان ليس حُرًّا في معصية الله، فمن الخطأ الكبير أن يقول الإنسان: «أنا حُر في تصرفاتي»، أنت لست حُرًّا في معصية الله، بل إنَّك إذا عصيت ربك فقد خرَجت من الرِّقِّ الذي تدَّعيه في عُبودية الله إلى رقِّ الشيطان والهوى، والحرية الكاملة هي المبنية على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد أحكم من الله، ولا أعدل منه، وقد عدل -عز وجل- في الحرية التي منحها لعباده.
الفوزان: الحرية المطلقة تمرد على شرع الله
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله-: الذي يريد الحرية التي لا ضابط لها هذا متمرد على شرع الله، يريد حكم الجاهلية وحكم الطاغوت؛ فلا يكون مسلمًا، والذي ينكر ما علم من الدين بالضرورة من الفرق بين المسلم والكافر ويريد الحرية التي لا تخضع لقيود الشريعة، وينكر الأحكام الشرعية من الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومشروعية الجهاد في سبيل الله، هذا قد ارتكب نواقض عدة من نواقض الاسلام.
ابن حميد: مبالغة خطأ في مفهوم الحرية الشخصية
قال الشيخ صالح بن حميد -حفظه الله-: من أعظم مآسي هذا العصر ومن طَوامِّه هذا الغلو المقيت والمبالغة الخطأ في مفهوم الحرية الشخصية والخصوصية الفردية، في مقابل حق الجماعة ودور المجتمع؛ فباسم الحرية الشخصية وباسم خصوصية الأفراد هَشُّوا للمنكرات وارتضوها، وارتضوا الكفر والإلحاد، وعاشوا في الفسوق والضلال، وحاربوا الفضيلة، ونشروا الرذيلة، كل ذلك باسم الحرية الفردية والحقوق الشخصية.
لاتوجد تعليقات