رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة: د. أحمد عبدالحميد 22 أغسطس، 2016 0 تعليق

الحرب على الوهابية.. عداء تاريخي أم حرب على السلفية؟(2)

تعد الصوفية من أعتى خصوم دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب ولاسيما وقد بدأ الإمام دعوته بهدم الأضرحة ومزارات التبرك بالأشجار ومواضع الصالحين والموالد وغيرها من المظاهر البدعية الشركية

المملكة العربية السعودية كانت هدفاً لليبراليين لتذويب هويتها الإسلامية من خلال الهجوم على ما أسموه بالجمود الوهابي والسلطوية الدينية

دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب حاربت المظاهر البدعية والشركية مما دفع الصوفية إلى شن حرب شعواء على السلفية والتشنيع عليها بمعاداة أهل البيت

 

من وسط الظلام يولد النور، تكاد هذه الكلمة تنطبق تمامًا على دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله تعالى- التي انطلقت في أرض الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري الموافق القرن الثامن عشر الميلادي؛ ففي ظلمة حالكة طوقت واقع الأمة الإسلامية ظهرت هذه الدعوة التجديدية التي أرادت إعادة الأمة لطريق هدايتها وعزتها، واستلهمت حالة المسلمين الأولى في قرون الخيرية وما كان عليه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وتابعوهم من صحة المعتقد وسنية العمل، واليوم نستكمل الحديث عن هذه الدعوة المباركة فنقول:

الصوفية في قلب الخصومة

     تعد الصوفية من أعتى خصوم دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب لاسيما وقد بدأ الإمام دعوته بهدم الأضرحة ومزارات التبرك بالأشجار ومواضع الصالحين والموالد وغيرها من المظاهر البدعية الشركية، هذا فضلاً عن نشر السنة ومحاربة هذه البدع في مؤلفات الشيخ وتلامذته، وانتشار دعوته في البلاد الإسلامية شرقاً وغرب في الدول التي كانت تخضع للحكم العثماني الذي كان التصوف والانحرافات العقدية تنخر في أوصال دولته خصوصاً في الحجاز ومصر فضلا عن بلاد الأناضول عاصمة الخلافة العثمانية وغيرهم، وهو ما دفع المنتسبين إلى التصوف في هذه البلاد إلى شن حرب شعواء على السلفية ودعوة الإمام ابن عبدالوهاب، والتشنيع عليها بمعاداة أهل البيت والصالحين من المسلمين بل واتهامهم بتكفير الصحابة وعموم المسلمين فضلا عن محاولة تفخيخ العلاقة بين المنتسبين إلى المنهج السلفي وحكومات دولهم والتحريض عليهم كما حدث في الهند ودول وسط آسيا المسلمة، بل وكما يحدث في مصر نفسها.

الحقد الصليبي العلماني في مواجهة الدعوة

     إن المد السلفي الكبير في العقود الأخيرة في دول مصر وتونس والمغرب ضم قائمة جديدة من الخصوم إلى دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، فمن النصارى والعلمانيين في مصر إلى أشباههم في دول المغرب العربي والشمال الإفريقي خصوصاً تونس والمغرب، تجد الهجوم الضاري على كل مظاهر الإسلام وشعائره مع كثرة استخدام مصطلح (الوهابية) وإلصاقه حتى بأعتى خصوم الدعوة السلفية وأعدائها، مثلما كانت تكثر مواقع وصفحات نصارى مصر وأمريكا وأوروبا الهجوم على بعض خصومها وتصنفهم بأنهم (وهابية) بالرغم من عداوته الشديدة وحربه الدائمة على المنهج السلفي وأتباعه، ولكنهم التقطوا الخيط الغربي في استخدام هذا المصطلح في خصومتهم العقدية والسياسية ورواج النفور منه وسط قطاعات كبيرة من المسلمين الذين يجهلون حقيقته وحقيقة السلفية ودعوة الإمام ابن عبدالوهاب بسبب التدليس الإعلامي.

محاولات تذويب هوية المجتمع السعودي

     لم تسلم المملكة العربية السعودية نفسها من الدعوات الليبرالية الداخلية المتلفحة بالتنوير والإصلاح التي جاءت صدى صوت للمحاولات الدولية الرسمية وغير الرسمية لتذويب هوية الدولة السعودية والمجتمع السعودي المتمركز حول الإسلام والسنة من خلال إثارة القضايا المعتادة حول الديموقراطية والمواطنة والحريات على النمط الغربي وحقوق المرأة في العمل السياسي وقيادة السيارات وغيرها، ومن خلال دعم عدد من الكتاب والإعلاميين والمدونين لإثارة هذه القضايا التي تندد على الدوام بما أسموه بالجمود الوهابي والسلطوية الدينية، وتنادي بإنشاء دولة ديموقراطية علمانية حديثة، وتهاجم الرموز العلمية السلفية في المملكة، بل وتهاجم السياسيين الذين عرفوا باعتزازهم بهويتهم الإسلامية، وتحاول إيجاد حالة من الإرهاب الفكري واستدعاء الضغوط الدولية لإدخال السعودية فيما يسمى بمرحلة (ما بعد الوهابية) وهي الحالة التفكيكية التي وجهت لها المراكز البحثية الغربية منذ سنين وأوجدت لها نقاط تمركز في بلادنا ممثلة في مراكز بحثية تتبنى هذه الرؤية، وتغلفها بأغلفة مبهرة لتمريرها إلى وعي الحكام والشعوب.

     وهنا يتفق مع الدعوات التي أطلقها القادة الغربيون بطريقة واضحة، كما جاء في كتابات المفكر الاستراتيجي الأمريكي (فوكو ياما) – في العدد السنوي (للنيوز ويك) (ديسمبر 2001 م – فبراير 2002م)؛ حيث يقول: «إن الصراع الحالي ليس ببساطة ضد الإرهاب، ولكنه ضد العقيدة الإسلامية الأصولية، التي تقف ضد الحداثة الغربية وضد الدولة العلمانية، وهذه الأيديولوجية الأصولية تمثل خطرا أكبر من الخطر الشيوعي، والمطلوب هو حرب داخل الإسلام، حتى يقبل الحداثة الغربية والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي «دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله»!

الفرصة السانحة

     وقد فسر الرئيس الأمريكي الأسبق (نيكسون) في كتابه: (الفرصة السانحة) مراد الأمريكان من (الأصولية الإسلامية)، فقال: «إنهم هم الذين يريدون بعث الحضارة الإسلامية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وجعل الإسلام دينا ودولة، وهم وإن نظروا للماضي فإنهم يتخذون منه هداية للمستقبل، فهم ليسوا محافظين، ولكنهم ثوار»!.

     وقالت (مارجريت تاتشر) -رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق-: «إن تحدي الإرهاب الإسلامي إنما يشمل حتى الذين أدانوا أحداث 11 سبتمبر وابن لادن وطالبان، يشمل كل الذين يرفضون القيم الغربية، وتتعارض مصالحهم مع الغرب»!

     وكتب المستشرق الصهيوني (برنارد لويس) في (النيوز ويك) (عدد 14 يناير 2004) يقول: «إن إرهاب اليوم هو جزء من كفاح طويل بين الإسلام والغرب؛ فالنظام الأخلاقي الذي يستند إليه الإسلام مختلف عما هو في المسيحية واليهودية الغربية، وهذه الحرب هي حرب بين الأديان».

الخاتمة

     مما سبق نجد أن استهداف الغرب للوهابية هدفه الأساس النفاذ إلى المنهج السلفي ومن ثم الإسلام ذاته، وبالتالي لابد أن يدرك الجميع هذا المسلك ويقوموا بدورهم في التصدى له، على المستويين الرسمي والشعبي، ولاسيما وأن الضغوط السياسية الغربية هدفها الواضح والمعلن هو علمنة مجتمعاتنا المسلمة وتذويب هويتها وفي النهاية كسر الدول ذاتها.

     ولا شك أن دور الحكومات مهم جدًا في هذا الاتجاه من خلال صيانة قيم المجتمع وأخلاقه؛ وعليها تقديم الدعم الكافي لمن يقف على ثغرة الإصلاح والحفاظ على هوية الأمة ولاسيما الجهود المنظمة المعروفة بحرصها على الأمة والمجتمع، لأنهم جميعًا في خندق واحد، وكذلك على تلك الحكومات محاربة صور التغريب والتشويه المتعمد للرموز والشعائر الإسلامية في وسائل الإعلام والتوجيه المعرفي والثقافي.

     وكذلك فإن على العلماء والدعاة والمصلحين دوراً كبيراً في بيان حقيقة المنهج السلفي ورد الشبهات عنه وتقريبه ليس فقط لعموم المجتمعات الإسلامية الواقعة تحت القصف الإعلامي التغريبي، وإنما أيضاً للمجتمعات الغربية الواقعة تحت تأثير الإعلام المدمر والحكومات والمنظمات المعادية للإسلام، وكذلك من الضروري إنشاء المراكز البحثية القادرة على استشراف هذه النوعية من الهجمات الممنهجة ومعرفة أبعادها، والاطلاع على مخططات الأعداء والتوعية بشأنها وتحديد طريقة التعامل معها.

حفظ الله بلادنا ومجتمعاتنا من كل سوء.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك