رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أحمد خليل خير الله 30 يوليو، 2019 0 تعليق

الحج وصناعة رجل الإيمان العمران وأخلاق القرآن


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه». وكأن شخصية الحاج تبنى من جديد من حيثن يدخل إلى خط إنتاج العظماء، وهو الحج. وكأن شخصيته تبنى ويعاد صياغتها من جديد؛ من حيث أفكاره وقناعاته، من حيث اهتماماته وأهدافه، من حيث مهاراته وصفاته النفسية والعقلية.

ولم لا؟ وهي رحلة التغيير والإصلاح إن صدق الحاج وأخلص! وهذا التغيير يظهر من بداية الإعداد للحج؛ قال -تعالى-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (آل عمران:97).

وكأن {من استطاع إليه سبيلا}، ملمح رئيس في صناعة عقلية الحاج التي تتلخص في ثلاثة أهداف: (الإيمان) و(العمران) و(أخلاق القرآن).

     ثلاثة أوعية كبيرة لمعان متجددة تتنوع بتنوع الأعمال والأقوال في الحج؛ ولذلك كان من أولى المقاصد والأهداف البعد الغيبي في الإيمان، ثم الأرضي الواقعي في العمران، ثم البعد المنهجي القرآني في أخلاق القرآن. {من استطاع إليه سبيلا}، نداء في آذان اللاواقعية منذ البداية، حتى لا تجهد نفسك فتحملها فوق طاقتها، ولتوضيح مفهوم من أعظم مفاهيم هذا الدين الحنيف؛ وهو (الاستطاعة)، والعمل في دائرة الممكن والمتاح.

أن تفهم هذا المعنى جيدا وتعمل به، فتبذل الأسباب وتتخذ كل ما يؤدي إلى وقوفك على (عرفة) في عامك هذا.

{من استطاع إليه سبيلا} تعني:

أن تستطيع بعد بذل الأسباب؛ فلا تحمل نفسك فوق طاقتها؛ إذ {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة:286)، ولا تكتئب لفوات الفرصة وقد عذرك الله - عز وجل-، ولا تحصر أسباب النجاة في الحج فقط.

     أن تبذل الأسباب المؤدية لتحصيل الاستطاعة حتى تصل إلى هدفك وتحج بإذن الله. فالحاج متوكل على الله، باذل للأسباب.. متوكل إيمانا، باذل للأسباب عمرانا؛ لذا كان من عجيب أسباب النزول قول الرب -جل وعلا-: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة:197)، روى البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: «كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: (نحن المتوكلون)؛ فإذا قدموا مكة سألوا الناس؛ فأنزل الله -تعالى-: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}».

شخصية الحاج

نعم إن شخصية الحاج شخصية إيمانية، ولكنها عمرانية أيضا؛ تبذل الوسع وتأخذ بالأسباب، وأخلاقها قرآنية؛ لا تسأل الناس شيئا.

شخصية تقية

أهل اليمن توكلوا؛ من وجهة نظرهم، ولكنهم لم يتزودوا؛ فأنزل الله: {وتزودوا} أي: من الطعام لحجكم، وكذلك اعلموا أن خير الزاد التقوى.

     يقول القرطبي -رحمه الله-: «في الآية أمر باتخاذ الزاد، ونقل عن ابن عمر وعكرمة ومجاهد: نزلت الآية في طائفة من العرب كانت تجيء إلى الحج بلا زاد، ويقول بعضهم: كیف نحج بیت الله ولا يطعمنا؟! فكانوا يبقون عالة على الناس، فنُهوا عن ذلك، وأمروا بالزاد».

رحلة الحج: رحلة لتحطيم التواكل وبناء التوكل.

رحلة الحج: رحلة لتحطيم الدروشة والسلبية وبناء الواقعية والإيجابية.

رحلة الحج: إصلاح لمفهوم التقوى الذي يتعرض للتشويه على اختلاف الزمان والمكان والأحداث. فالتقي الحق هو المتوكل الباذل للأسباب الذي لا يكون عالة على الناس ولا على أمته.

إنسان التقوى

إنه إنسان التقوى الذي يُصنع في الحج

     ويلخص أبو حيان في (البحر المحیط) الكلام في صناعة إنسان التقوی صاحب عقلية الحج قائلا: «فتلخص من هذا كله ثلاثة أقوال أحدها: أنه أمر بالتزود في أسفار الدنيا، والثاني: أنه أمر بالتزود لسفر الآخرة، الثالث: أنه أمر بالتزود في السفرين، وهو الذي تختاره».

إذ السفر بزاد من غير توكل مادية عمرانية مقيتة.. والسفر بتوكل من غير زاد تقوی زائفة مخالفة لهدي النبی - صلى الله عليه وسلم - ومخالفة الأخلاق القرآن وأوامره.

كن في حجك متوكلا بقلبك باذلا للأسباب بجوارحك، قرآني الأخلاق بسلوكك. هذا هو مصنع الحج.

إخراج رجل الإيمان والعمران وأخلاق القرآن والله المستعان.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك