رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر 20 يونيو، 2019 0 تعليق

الحث على اغتنام الإجازة الصيفية في أعمال البر

إننا نستقبل في هذه الأيام الإجازةَ الصيفية وذلك بعد إمضاء عامٍ دراسيٍّ كامل في الجد والمذاكرة، والبذل والتحصيل على تفاوُتٍ في الهمم وتباين في العزائم، والسؤال الذي يطرحُ نفسه في هذه الأيام؛ ما الذي ينبغي على طالب العلم والمسلم الجادِّ أن يفعله في هذه الإجازة المقبلة؟ وعدد أيامها مائةُ يومٍ تقريبا؛ وهو وقتٌ طويل وأيامٌ عديدة ولحظاتٌ عزيزة ستمُرُّ وتذهب سريعا، أيناسب -عبادَ الله- أو يليق بالمسلم أن يتركها تذهب وتضيع دون أن يغتنمها في الخير؟! ودون أن يتزوّد فيها بزاد التّقوى؟! وهل أيام الإجازة ليست معدودةً في حياة الإنسان وعمره فيتركها تذهب وتنصرم دون تحصيلٍ لفائدة أو اغتنامٍ لها في طاعة أو خير؟! أَأَيامُ الإجازة ليست أيامَ طلبٍ للعلم وتحصيلٍ للإيمان وتزودٍ بزاد التقوى والصلاح؟! مائة يوم من حياتنا ستمر، وأوقات غاليةٌ ستذهب فما نحن صانعون فيها؟

     إن وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم أو العذاب الأليم وهو يمر مر السّحاب، لم يزل الليل والنهار سريعِيْن في نقص الأعمار وتقريب الآجال، مرَّ قبلنا قوم نوحٍ وعادٍ وثمود وقروناً بين ذلك كثيرا؛ فقدِموا على ربهم، ووردوا على أعمالهم، وتصرَّمت أعمارهم، وبقي الليل والنهار غضَّيْن جديدين في أُمَمٍ بعدهم، قال -تعالى-: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (الفرقان:62).

عبرة وعظة

     ينبغي للمسلم أن يتخذ من مرور الليالي والأيام عبرةً وعظة؛ فإن الليل والنهار يُبلِيان كل جديد، ويُقَرِّبان كل بعيد، ويطويان الأعمار، ويُشيِّبان الصغار، ويفنيان الكبار، وهذا كله مشعِرٌ بتولي الدنيا وإقبال الآخرة، قال علي - رضي الله عنه -: «ارْتَحَلَتْ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتْ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ»، وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى:- «إنّ الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب الله على أهلها الظَّعَن - أي الارتحال - فكم من عامرٍ موثَق عن قليلٍ يخرَب، وكم من مقيمٍ مغتبِط عما قليلٍ يظْعن، فأحسِنوا منها الرحلة بأحسنِ ما بحضرتكم من النُّقْلة، وتزودوا؛ فإن خير الزاد التقوى».

عمر الإنسان

     إن العبد في هذه الحياة في هدمٍ لعمره منذ خرج من بطن أمه- بل هو كما قال الحسن البصري -رحمه الله-: «أيامٌ مجموعة فكلما ذهب يوم ذهب بعض الإنسان وجزءٌ منه، اليوم منه يهدم الشهر، والشهر يهدم السنة، والسنة تهدم العمر، وكل ساعة تمضي من العبد فهي مُدْنيةٌ له من الأجل» وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «ما ندمتُ على شيء ندمي على يومٍ غربت شمسه؛ نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي»، وهذا من شدة حرصه على الوقت - رضي الله عنه -. وهذا شأن السلف عمومًا.

     قال الحسن البصري -رحمه الله-: «أدركتُ قوماً كانوا على أوقاتهم أشدُّ منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم»؛ ولهذا فإن من أمضى يومه في غير حقٍ قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثَّله، أو حمدٍ حصَّله، أو خيرٍ أسّسه، أو علمٍ اقتبسه، فقد ظلم يومه، فقد ظلم يومه.

رأس مال الإنسان

     إن الليالي والأيام هي رأس مال الإنسان في هذه الحياة، ربحها الجنة وخسرانها النار، السَنَةُ شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة الله فثمرة شجرته طيبة مباركة، ومن كانت أنفاسه في معصية الله فثمرتها مُرٌّ وحنظل.

أهمية الوقت

     لقد تكاثرت النصوص عن النبي -صلى الله عليه وسلم - في بيان أهمية الوقت والحث على اغتنامه والتحذير من إضاعته وبيان أن العبد مسؤول عنه يوم القيامة؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ»، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»؛ قال بعض أهل العلم: إن من استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقُبُه الشغل، والصحة يعقبها السَّقَم. ومما يؤثر عن السلف قولهم: «من علامة المقْتِ إضاعة الوقت». بل قال ابن القيم -رحمه الله-: «إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها».

الواجب علينا

     إن الواجب علينا ألا نغتر بالدنيا؛ فإن صحيحها يسقم، وجديدها يبلى، ونعيمها يفنى، وشبابها يهرم، ومن كان في هذه الدنيا فهو في سيْرٍ متواصلٍ إلى الدار الآخرة؛ لأن الآجال منقوصة، والأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيراً فيوشك أن يحصد ثوابه وأجره، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد ندامةً وحسرة، ولكل زارعٍ ما زرع.

فرصةٌ مباركة

     ثم اعلموا أن الإجازة الصيفية فرصةٌ مباركة ووقتٌ سانحٌ للجميع لاغتنام هذا الوقت فيما يرضي الله وما يقرِّب منه -سبحانه- من سديدِ الأعمال وصالحِ الأقوال، وإن من أهم ما ينبغي علينا ونحن نستقبل هذه الإجازة أن ننوي نيةً صادقة، وأن نعزم عزيمةً أكيدة على استعمال هذه الإجازة في طاعة الله، وأن نحذر من أن ننوي نوايا غيرَ طيِّبَة نمضي فيها أيام هذه الإجازة، وإن الله -جل وعلا- إذا علِم من عبده صدق نيته وصلاح همته وتمام رغبته يسَّر له الخير، وفتح له أبوابه، وهيأ له سبله، والتوفيق بيد الله وحده.

تحصيلُ العلم النافع

     وإن مما تُغتنم به هذه الإجازة تحصيلُ العلم النافع، ومن نعمة الله علينا ما يُعقد في أيام الإجازة من الدّورات العلمية النافعة التي يقوم بها أهل العلم وطلابه؛ ولهذا ينبغي على الآباء وأولياء الأمور أن يشجِّعوا أبناءهم وأن يأخذوا بأيديهم وأن يحفّزوهم على المشاركة في هذه الدورات.

همسة في أذن الأب

     وإني أهمس في أذنك أيها الأب؛ فأقول ناصحاً ومذكرا: إن جلوس ابنك في حِلَق العلم ومجالس الذكر ورياضه النافعة ينعكس عليك وعلى بيتك بالخير والبركة، وتكون قد اتقيت الله في ابنك؛ حيث دللته على الخير، وهيأت له سبله، وفتحت له أبوابه ليحصِّل من العلم الذي هو زاده حقيقةً في هذه الحياة، ليمشي في حياته على بصيرة ونور من الله يعلم دينه، ويعلم كيف يطيع ربه، ويعلم كيف يَبَرُّ أباه وأمه، ويعلم كيف يقوم بحقوق عباد الله، كل ذلك لا يحصَّل إلا بالجلوس في مجالس العلم، وخير مجالس العلم المساجد.

     ونسأل الله -جل وعلا- أن يصلح أبناءنا وبناتنا، وأن ينشِّئهم على الخير، وأن يجعلهم أبناء بارِّين صالحين، وأن يقيمهم على صراطه المستقيم، وأن يعيذهم من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن. والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني قاله الحسن البصري.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك