رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 20 أبريل، 2015 0 تعليق

الحافزية في المؤسسة الوقفية وتحسين الأداء

لا شك أن الدافع الشرعي والتحفيز الإيماني أساس في أداء الأعمال في المؤسسات الوقفية والخيرية؛ لما له من دور عظيم في دفع الهمم لدوام العطاء، ويحقق الاستمرارية وعدم الملل والكلل، للعاملين والمتطوعين في تلك المؤسسات؛ لأنه إذا تعلق عمله بالله – تعالى - ارتفعت همته، وحسن أداؤه، وراقب مخرجاته، وحرص كل الحرص على الأموال المؤتمن عليها، وأعطى لأصحاب الحاجة مخصصاتهم، ولم يهمل في أداء عمله، وحرص على العدل في أحكامه وتصرفاته، وتتميز المخرجات إذا ترادفت مع هذه الدافعية الشرعية البيئة التي تحسن مع أداء الأعمال وأساليبها باستمرار، والتي من نهجها اتباع النظم الحديثة في التطوير والتغيير.

أجر من يعمل في الخير

     فقد أخبر الله تعالى ما يناله الواقف من الأجر العظيم من حبس نفسه لمنافع الناس والقيام على حاجاتهم، والدعوة لما يصلح لهم شؤون دينهم ودنياهم، قال تعالى : {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء: 114).

السعي في حاجة الناس

     وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم العاملين في الأعمال الخيرية والوقفية، والمساهمين - سواء كانوا أفرادًا أم مؤسسات خيرية - بنيل الأجر وكسبه، والفضل العظيم من رب العالمين في الدنيا، وحسن الخاتمة، واستمرار الحسنات، والمثوبة بعد الموت؛ ففي الحديث الشريف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -عزَّ وجلّ- سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحبَّ إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهرًا»(1).

الخازن المسلم المؤتمن

     وجاء بالسند عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: إن الخازنَ المسلمَ الأمينَ، الذي يُنْفِذُ ( وربما قال يُعطي) ما أُمرَ به، فيعطيه كاملًا مُوَفَّرًا، طيبةً به نفسُهُ، فيدفعُه إلى الذي أُمر له به؛ أحدُ المتصدقين» (2).

فالخازن المسلم المؤتمن، الذي عمل على حفظ الأمانة ورعاها، وأداها كما أَمر بذلك صاحبها، مع طيب نفس منه، فهو بهذا يكون أحد المتصدقين.

من أحيا سنة

     وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المُزني، حدثني أبي عن جدي؛ أن رسول الله قال : «من أحيا سنة من سنتي فعمل بها الناس، كان له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئا، ومن ابتدع بدعة فعمل بها، كان عليه أوزار من عمل بها لا ينقص من أوزار من عمل بها شيئًا» (3).

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه، فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال(4).

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ» (5).

     قال المناوي في فيض القدير: «إن لله تعالى أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد أي لأجل منافعهم: ويقرها فيهم ما بذلوها - أي مدة دوام إعطائهم منها للمستحق: فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم - لمنعهم الإعطاء للمستحق: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}(الرعد: 11).

الحافز الشرعي دائم

     ومما تقدم فإن الحافز الشرعي في أداء الأعمال بإتقان المستمد من كتاب الله -تعالى- وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، هو حافز دائم العطاء إذا احتسب العامل ذلك البذل والجهد والعطاء لله تعالى؛ فالبشائر النبوية للعاملين في المؤسسات والمشروعات والأعمال الوقفية دافعة ومحفزة لديمومة العطاء، وتشعر بالمسؤولية الشرعية والمجتمعية لرعاية كل ما أوكل إليه من مسؤولية وأمانة في الوقف أو غيره من الصدقات والأعمال.

الحاجة إلى تطوير أداء العمل وأساليبه في المؤسسة الوقفية :

     الوقف الإسلامي - في حقيقته- عمل مؤسسي، فمن خلال نظمه وقواعده وضوابطه وأحكامه ومسمياته ومصطلحاته، ترى منظومة مؤسسية محكمة، حققت عبر العهود الإسلامية مقاصد تشريع الوقف، وحافظت على استمرار مؤسساته ونمائها، وقدمت مشاريعه مؤسسات إسهامات حضارية ونماذج رائعة رائدة.

تطوير المؤسسات الوقفية

     ليظل العمل المؤسسي هو الإطار السليم لضمان وجود المؤسسة الوقفية وتطوير أدائها، ونماء إيراداتها ومخرجاتها، والتجربة التاريخية خير شاهد على ذلك. والمشروع الوقفي وجد ليبقى، ولا بقاء من غير تطوير؛ لذا فإنه لا مناص من اتخاذ الوسائل والأساليب والنظم المنهجية، التي تضمن استمرار عطائه، ودوام نفعه، وبقاء أثره، ونماء أصوله، وتجديد مجالاته.

هيكلية إدارية ناجحة

      وينبغي للمشروع الوقفي أن يعتمد في إدارته على هيكلية إدارية قوامها الأمناء في المجتمع، فيختار الناظر المشهود له بالصلاح وحسن الإدارة، ليحقق واجب الولاء وواجب الأداء، ويختار الناظر من المتولين للوقف والعاملين من ذوي الإخلاص والاختصاص، ليحافظوا على الوقف ويحسنوا من الأداء.

المشروع الوقفي ضرورة

     وتتعاظم الحاجة إلى تطوير المؤسسة الوقفية مع تزايد احتياجات المجتمع، فالمشروع الوقفي ضرورة اجتماعية حضارية، وتنمية قدرات أفراده، وتخفيف معاناة معوزيه، لا تتحقق إذا لم يواكب معطيات العصر ومتطلباته.

     ولا شك أن المشروع الوقفي لا يحقق أهدافه وغاياته واستمراريته، إذا فقد ثقة المجتمع، كما إن ضمان استمرار موارد الوقف والمتطلبات اللازمة للتشغيل تعطي ضمانة وإمكانية للتطوير والتحسين والإعمار ونماء أصوله.

ويتضمن الوقف بوصفه تشريعًا ربانيًا، قيمًا سامية عدة، وكثير منها بلا شك يعزز إمكانية التطوير والتميز في الأداء إن التزمنا بها وعملنا بمقتضاها، ومن قيمه الأساسية:

القيم الأساسية للوقف

- الإخلاص في العمل: انطلاقاً من قاعدة : لا ثواب إلا بنية.

- الإتقان: وهو أداء العمل الصحيح في الوقت الصحيح وبطريقة صحيحة.

-  الاستمرارية: العطاء والديمومة طريق الوصول للتطوير والتحسين والتميز.

-  التحسين: أن يؤدى العمل المطلوب أفضل من المطلوب.

- التجديد: فأفضل الأعمال الوقفية ما كان أكثر نفعاً في الزمان والمكان والقصد.

     وقبل كل ما سبق فإن خصائص الوقف وأحكامه ضمان لإدارته إدارة رشيدة تحفظ أصوله، وترعى حقوق الواقفين والموقوف عليهم، وكذلك النظار والمتولين لشؤونه، خير رعاية، وضمان لاستمرارية تحسين أداء مؤسساته، وتطوير أساليب العمل وأنماطه؛ لهذا كانت الحاجة لتطوير أداء العمل وأساليبه في المؤسسة الوقفية ومازالت، ذات أهمية بالغة.

الهوامش:

1- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 12/346 رقم (13646). وصححه الألباني قي صحيح الجامع، برقم : 176.

2- أخرجه البخاري في صحيحه، برقم ( 1438). ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب أجر الخازن الأمين برقم ( 1023)، واللفظ لمسلم.

3- صحيح سنن ابن ماجة، للألباني، باب من أحيا سنة قد أُميتت. برقم 173.

4- حسنه الألباني في صحيح الترغيب، برقم 2618.

5- أخرجه الطبراني (12/358، رقم 13334)، وابن عساكر (54/5). قال الألباني :(حسن لغيره ) صحيح الترغيب والترهيب 2/358.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك