الجُمَل النَّدِية من ألقاب المسائل الفقهية (3)
هذه المقالة الثالثة ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث؛ حيث أفردها بعض أهل العلم؛ فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى، واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة، ورتبتها على حروف المعجم، فإلى المادة في حرف التاء:
1 – مسألة (تطارح الدَّينَين):
وهي فيما إذا كان لرجلٍ في ذمة آخر دنانير (مثلاً 1 دينار إسلامي ويعادل 4.25 جرام من الذهب)، وللآخر عليه دراهم (مثلاً 10 دراهم وتعادل 30 جرام –تقريباً- من الفضة)؛ بحيث يكون كلٌّ من الطرفين دائناً للآخر ومديناً له في الوقت نفسه، فيتفق كِلا الطرفين على المقاصة: بأن يطرح كل واحد منهما دينه على الآخر، فيسقطُ دَينُ هذا بسقوطِ دين ذاك.
وهذه المسألة لها تسميات عدة، فقال السبكي مثلاً في (تكملة المجموع) (10/ 107): «وهذه المسألة تسمى بتطارح الدينين». اهـ، وسماها ابن القيم: «بيع الساقط بالساقط». اهـ، وجاء في (الموسوعة الفقهية الكويتية) (26/ 364): «ولُقِّبت هذه المسألة بـ «الصرف في الذمة»، وهي في الحقيقة من المسائل الخلافيّة التي تنبني عليها أنواع وتطبيقات معاصرة.(1)
2 - مسألة: (تغدَّ معي):
وهي مسألةٌ تُذكر في باب الحَلِف والأَيْمَان ومفادها أنه في اليمين هل يؤخذ فقط بمنطوق اللفظ ومدلوله دون النظر إلى القرائن والسِّياق والحال التي قيلت فيها تلك اليمين؟ قال ابن نجيم في (الأشباه والنظائر) (ص 40): «لأن الكلام يتقيد بقرينة الحال كما في يمين الفور، وهي مسألة يقال: تَغَدَّ معي». اهـ وذلك لكثرة تردد هذا المثال على ألسنة الفقهاء، وكيفيته: في من دخل عليه صديقه فقال له مثلاً: «تَغَدَّ معي... وإن لم تتغد معي فامرأتي طالقٌ»، أو مثلاً دخل عليه صديقه فقال: «تغدَّ معي» فردَّ عليه صديقه قائلاً: «والله لا أتغدى معك»، فهنا هل تقتصر اليمين على غداء تلك الوجبة المخصوصة في ذلك الوقت المخصوص؟ أم أنها لا تقتصر؟ بحيث لو تغدى معه في يومٍ آخر لانحلَّت اليمين؟ على قولين.(2)
3 – مسألة (التهاتر):
يذكر الفقهاء في أبواب القضاء والدعاوى والبيِّنات مسألةً، وهي فيما إذا تخاصم طرفان على أمرٍ ما، وكان لكُلِّ طرفٍ منهما بيِّنةٌ قويةٌ تؤكد صحة قوله وتكذب الطرف الآخر؛ فهنا يقال: «تهاترت البينتان» أي: تعارضتا وتساقطتا، وتهاتر الرجلان إذا ادعى كل واحد على الآخر باطلا، قال االكاساني في (بدائع الصنائع) (6/ 237): «وهي مسألة التهاتر». اهـ
وهذه المسألة لها ثلاث حالات:
- الأولى: أن يمكن العمل والأخذ بالبينتين معاً.
- الثانية: ألا يمكن العمل والأخذ بالبينتين معاً، ولكن يوجد ما يرجّح بينة أحد الطرفين على الآخر.
- الثالثة: ألا يمكن العمل والأخذ بالبينتين معاً ولا يوجد ما يرجّح بينة أحد الطرفين على الآخر.
ولِكُلِّ حالةٍ من هذه الحالات الثلاث طرائق وتفصيلات تختلف من مذهبٍ لآخر ليس هذا موضع تفصيلها، والله أعلى وأعلم.(3)
الهوامش:
(1) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 472)، إعلام الموقعين لابن القيم (1/ 293)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (3/ 95).
(2) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 13)، البحر المحيط في أصول الفقه (4/ 289)، كفاية النبيه في شرح التنبيه (14/ 477)، الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 309)
(3) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (12)
لاتوجد تعليقات