الجهاد …تعريفه – أحكامه – ضوابطه- ضوابط جهاد الطلب تفصيلا
جهاد الطلب هو جهادٌ فرضٌ على الكفاية وهو غزو الكفار لنشر الإسلام ودعوة الخَلق إلى عبادة الخالق سبحانه
المراد من اعتزال الناس زمن الفرقة ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في (الفتح): متى لم يكنْ للناس إمامٌ فافترق الناس أحزاباً فلا يتَّبع أحداً في الفُرقة ويعتزل الجميع إنْ استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر
الجهاد موكول للإمام المسلم ومن صلاحياته وهو الذي يُنادي به دون غيره ويكون تحت رايته إما بقيادته أو بمن يُنيبه ويجب على الرعية طاعته في ذلك
يجب استئذان الأبوين في الجهاد وبذلك قال الجمهور وجزموا بتحريم الجهاد إذا مَنَع منه الأبوان أو أحدهما لأن برّهما فرضُ عين والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا إذن
فضائل الجهاد كثيرة جداً،؛ فهو من أفضل القُربات، ومن أعظم الطاعات، وهو ذروة سنام الإسلام، وبابٌ عظيم من أبواب الشريعة الغراء، يقوم به ذوو الفضل والشرف والسُّؤدد في الدّين، دعوة ودفعاً؛ لما يترتّب عليه من مصالح عظيمة لأمة الإسلام، من نصر للمؤمنين، وإعلاء لكلمة الدين، وقمع للمنافقين والكافرين، وتسهيل لانتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج للعباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام، وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، واستكمالا لما بدأناه في الحلقات السابقة نتكلم اليوم عن ضوابط جهاد الطلب تفصيليًا فنقول:
جهاد الطلب هو جهادٌ فرضٌ على الكفاية، وهو غزو الكفار، لنشر الإسلام، ودعوة الخَلق إلى عبادة الخالق سبحانه، وإخراج الناس من ظلمات الشرك والكفر والجهل، إلى نور التوحيد والإيمان والعلم، كما سبق ذكره، ويمكن إجمال ضوابطه في ثلاثة ضوابط تقريبا، نجدها في كتب الفقه، وشروح الحديث، وكلام العلماء والفقهاء، وقد أخذها أهل العلم من النصوص الشرعية التي دلت على هذه الضوابط.
الضابط الأول
لا بدّ من إذْن الإمام؛ فلا جهادَ دعوةٍ وطلب إلا بإذْن الإمام ولي الأمر: فأهل السنة والجماعة متفقون على أن أمر الجهاد موكول للإمام المسلم، ومن صلاحياته، وهو الذي يُنادي به دون غيره، ويكون تحت رايته، إما بقيادته أو بمن يُنيبه، ويجب على الرعية طاعته في ذلك.
وهذه سُنُّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهديه، وسُنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وهو ما جرى عليه الصحابة والتابعون فمن بعدهم من القرون؛ فإننا لا نعلم أن أحداً منهم خرج مجاهداً بغير إذن إمامه! إنما كانوا يجاهدون ويخرجون للجهاد، تحت راية الإمام، والخروج عن سبيلهم خروج عن سبيل المؤمنين، وإجماع المسلمين، والله -عز وجل- قد حذّر من ذلك، فقال: {ومَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} النساء:115، وقد دلت على ذلك أحاديث نبوية، منها:
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَطَاعَنِي فقدْ أَطَاعَ اللَّهَ، ومَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، ومَنْ يُطِعْ الْأَمِيرَ فقدْ أَطَاعَنِي، ومَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقدْ عَصَانِي، وإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، ويُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وعَدَلَ، فَإِنَّ لَهُ بذلك أَجْرًا، وإِنْ قال بِغَيْرِهِ، فَإِنَّ عليه مِنْهُ».
- وعن أبي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ: أَنَّه سَمِعَ حُذَيفةَ بنَ اليَمَانِ يقول:كان النَّاسُ يَسْأَلُونَ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - عن الْخيرِ، وكُنتُ أَسْأَلُهُ عن الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فقلتُ: يا رسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهذا الْخَيرِ، فهل بعدَ هذا الْخَيرِ مِنْ شَرٍّ؟ قال: «نَعمْ». قُلتُ: وهل بعدَ ذلكَ الشَّرِّ مِنْ خَيرٍ؟ قال: «نعمْ، وفيه دَخَنٌ ! «قُلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قال: «قَومٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ منهم وَتُنْكِرُ ! «قلتُ: فهَل بعد ذَلك الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قال: «نعم، دُعَاةٌ على أَبوابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُم إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فيهاذ! قُلْتُ: يا رسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لنا؟ فقال: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، ويتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا !» قلتُ: فما تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذلك؟ قال: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسلِمِينَ وإِمامَهُم». قلتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ، ولا إِمامٌ؟ قال: «فاعْتَزِلْ تِلكَ الْفِرَقَ كُلَّها، ولو أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذلك». رواه البخاري في المناقب (7084) ومسلم في الإمارة (3/1475)، وهذا الحديث: فيه أنَّ الأصل في الجهاد، أنْ يكون مع الأئمة، أي: الخلفاء والأمراء، فإن لم يكن هناك إمام، فإنه يعتزل الفرق، ولا يُؤمر بجهاد.
المقصود بالإمام المسلم
فإمام المسلمين المقصود به: مَنْ يخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، والخلافة عرفها العلماء بأنها: نيابة عن صاحب الشرع، في إقامة الدين، وسياسة الدنيا به.
والمراد من اعتزال الناس زمن الفرقة: ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في (الفتح) عن الطبري أنه قال: «متى لم يكنْ للناس إمامٌ، فافترق الناس أحزاباً، فلا يتَّبع أحداً في الفُرقة، ويعتزل الجميع إنْ استطاع ذلك، خشية من الوقوع في الشر».
ومتى وَجَد جماعة مستقيمة على الحق، لزمه الانضمام إليها، وتكثير سَوادها، والتعاون معها على الحقّ؛ لأنها والحال ما ذُكر؛ هي جماعة المسلمين بالنسبة إلى ذلك الرجل، وذلك المكان. (فتاوى اللجنة الدائمة).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولهذا استقر رأي أهل السُّنة: على ترك القتال في الفتنة، للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم -، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة، وترك قتالهم». منهاج السنة (2/241).
من هم الجماعة؟
ذكر الإمام الشاطبي في كتابه النافع: (الاعتصام) معنى الجماعة في خمسة أقوال:
أحدها: أنها السواد الأعظم.
الثاني: أنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين.
الثالث: أن الجماعة هي الصحابة -رضي الله عنهم- على الخصوص.
الرابع: أن الجماعة هي جماعة أهل الإسلام.
والخامس: ما اختاره الإمام الطبري من أنّ الجماعة: جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، فأمرَ عليه الصلاة والسلام بلزومها، ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه.
وقد نص العلماء -رحمهم الله- قديماً وحديثاً: على مضي الجهاد تحت راية الأئمة من المسلمين، برّهم وفاجرهم، فلا جهاد دون إذن الإمام، وهذه بعض النقول عنهم:
1- قال أحمد بن حنبل رحمه الله: «والغزو ماضٍ مع الأمراء إلى يوم القيامة، البرِ والفاجر، لا يُتْرك» اهـ.
2- وقال أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله تعالى- في العقيدة: «والحج والجهاد، ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برِّهم وفاجرهم، إلى قيام الساعة، لا يُبطلهما شيء، ولا يَنقضهما» اهـ.
3- وقال ابن قدامه المقدسي رحمه الله: «وأمر الجهاد، موكولٌ إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك» اهـ.
4- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ويرون – يعني: أهل السُّنة والجماعة - إقامة الحج والجهاد والجُمَع، مع الأمراء، أبراراً كانوا أو فجاراً».
5- وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله تعالى: «واستمر العمل على هذا -يعني الجهاد مع الأئمة - بين علماء الأمة، مِن سادات الأمة والأئمة، يأمرون بطاعة الله ورسوله، والجهاد في سبيله، مع كل إمامٍ بر أو فاجر، كما هو معروف في كتب أصول الدين والعقائد».
6- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام، مهما كان الأمر؛ لأنّ المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس أفراد الناس، فأفرادُ الناس تبعٌ لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحدٍ أنْ يغزو دون إذن الإمام، إلا على سبيل الدفاع، وإذا فاجأهم عدو يخافون كًلَبه، فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعين القتال إذًا.
وإنما لم يجز ذلك؛ لأن الأمر منوط بالإمام، فالغزو بلا إذنه افتيات وتعد على حدوده، ولأنه لو جاز للناس أنْ يغزوا دون إذن الإمام، لأصبحت المسألة فوضى، كلُّ مَن شاء ركب فرسه وغزا، ولأنه لو مُكّن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو، وهم يريدون الخروج على الإمام! أو يريدون البغي على طائفة من الناس، كما قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} الحجرات: 9، فلهذه الأمور الثلاثة، ولغيرها أيضاً، لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام»اهـ.
وعلى هذا الضابط نقول: لا جهاد بغير راية إمام، ولا جهاد تحت راية كافرة.
تعدد الأئمة
- مسألة: قد يقول قائلٌ: إذا تعدَّد الأئمة والحُكام، فمَن الإمام الذي تجبُ طاعته؟
والجواب: أنه تلزمه طاعة الإمام الذي هو في بلده، وتحت سلطانه.
وتعدد أئمة المسلمين، لا يمنع من طاعة إمام بلده، وقد وُجد هذا منذ زمن طويل، منذ زمن الدولة الأموية، ولا يلزم أنْ يكون إماماً عاماً لكل المسلمين ليكون مطاعاً.
1- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «والسُّنة أنْ يكون للمسلمين إمامٌ واحد، والباقون نوابه، فإذا فرض أنّ الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها، وعجز من الباقين، أو غير ذلك فكان لها عدَّة أئمة، لكان يجب على كل إمامٍ أنْ يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق...». مجموع الفتاوى ( 35/175-176).
2- وقال العلامة الشوكاني -رحمه الله تعالى- في شرح قول صاحب (الأزهار): (ولا يصح إمامان): «وأما بعد انتشار الإسلام، واتساع رقعته، وتباعد أطرافه، فمعلوم أنه قد صار في كل قطرٍ – أو أقطار – الولاية إلى إمام أو سلطان، وفي القطر الآخر كذلك، ولا ينعقد لبعضهم أمر ولا نهي في قطر الآخر، وأقطاره التي رجعت إلى ولايته.
فلا بأس بتعدّد الأئمة والسلاطين، ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له، على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر.
فإذا قام مَن ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولايته، وبايعه أهله، كان الحكم فيه أنْ يُقتل إذا لم يتب.
ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته، ولا الدخول تحت ولايته، لتباعد الأقطار، فإنه قد لا يبلغ إلى ما تباعد منها خبر إمامها أو سلطانها، ولا يُدرى من قام منه أو مات , فالتكليف بالطاعة والحال هذا، تكليف بما لا يطاق.
وهذا معلوم لكل من له اطلاع على أحوال العباد والبلاد...اهـ. السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (4/512).
3- ويقول الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: «فالأئمة مجمعون من كلِّ مذهب، على أن من تغلَّب على بلدٍ أو بلدان، له حُكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل - قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا - ما اجتمعوا على إمام واحد ! ولا يُعرف أنَّ أحداً من العلماء؛ ذكر أنَّ شيئاً من الأحكام، لا يصح إلا بالإمام الأعظم».اهـ. وذكر مثل هذا الكلام الإمام الصنعاني، وكذلك غيرهم من علماء السُّنة المعاصرين. فإذا كان المسلم في بلدٍ مسلم، حاكمه مسلم، وانعقد الأمر له فيه، فإنَّ طاعته في الجهاد واجبة، ولا يخرج المسلم إلى ساحات الجهاد إلا بإذنه، كي لا يترتب على ذلك مفاسد تلحق بالإسلام والمسلمين، كما سبق بيانه، لاسيما في هذا العصر، الذي ارتبطت فيه الدول الإسلامية بكثيرٍ من المصالح والمعاهدات مع الدول العالمية والعقود.
الضابط الثاني
إذن الوالدين المسلمين، إنْ كانا حيّين أو أحدهما، في جهاد الطلب: وذلك للأحاديث الصحيحة، ومنها:
1- عن عبدِ اللَّه بن عَمْرو رضي اللَّهُ عنهما قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنَه فِي الجهادِ، فقال: «أَحَيٌّ والِدَاك؟» قال: نَعم، قال: «فَفِيهما فَجَاهِدْ».
2- وعنه أيضاً: جاء رجلٌ فقال: يا رسول الله، إني جئتُ أريدُ الجهاد معك، ولقد أتيتُ وإنَّ والدَيَّ يبكيان، قال: «فارجعْ إليهما، فأضْحكهما كما أبْكيتهما». رواه أحمد (2/160) وأبو داود وابن ماجة.
3- وعن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رجلاً هاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - من اليمن، فقال: «هل لك أحدٌ باليمن؟» فقال: أبواي، فقال: «أَذِنا لك؟»، قال: لا، قال: «فارجعْ إليهما، فاسْتأذنهما، فإنْ أذِنا لك فجاهد، وإلا فبرَّهما». رواه أبو داود.
4- وعن معاوية بن جاهمة السلمي: أنَّ جاهمة جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، أردتُ الغزو، وجئتك أسْتشيرك، فقال: «هل لك مِنْ أم؟» قال: نعم، فقال: «الْزمها؛ فإنَّ الجنة عند رجليها». رواه أحمد والنسائي.
وهذه الأدلة كلها وما جاء في معناها، في الجهاد الذي يكون للدعوة والطلب؛ لأنه فرض كفاية، وبرُّ الوالدين فرضُ عين، أمّا في الجهاد العيني، فإنه لا يشترط إذنهما،؛ لأنّ مصلحة الجهاد أعم؛ إذْ هي لحفظ الدِّين، والدفاع عن المسلمين، فمصلحته عامة مقدمة على غيرها، وهو يقدّم على مصلحة حفظ البدن.
فإن كانا كافرين
وهذا في الأبوين المسلمين، فإنْ كانا كافرين، خرج للجهاد بدون إذنهما، فرضاً كان الجهاد أو تطوعاً؛ إذْ كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يجاهدون، وفيهم من له أبوان كافران، من غير استئذانهما، منهم: أبو بكر الصديق فلم يُسْلم أبوه إلا عام الفتح، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم - يوم بدر، وأبوه رئيس المشركين يومئذ وقتل ببدر، وأبو عبيدة قَتل أباه في الجهاد، وفيه نزل قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ولَو كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُم أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} المجادلة:22. أخرجه الطبراني في الكبير (1/154ح 360)، وأبو نعيم في الحلية (1/101)، والحاكم في المستدرك (3/265)، والبيهقي في سننه (9/27) كلهم عن ابن شوذب به، وفيه إرسال، وظاهر حديث عبدِ اللَّه بن عَمْرو: أنه لا بد مِن إذنهما، سواءً وُجد لهما ولد غيره أم لا، وسواء كان بسبب خوفهما عليه، أم لا.
قال الشوكاني رحمه الله: «يجب استئذان الأبوين في الجهاد؛ وبذلك قال الجمهور، وجزموا بتحريم الجهاد إذا مَنَع منه الأبوان أو أحدهما، لأن برّهما فرضُ عين، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن» اهـ.
وكذلك إذن الغَريم: وهو الدائن، فإذا كان الجهاد غير متعين، فمن كان عليه دينٌ لشخص، فإنه يحتاج أنْ يَستأذن من غريمه قبل أنْ يخرج إلى الجهاد المشروع، الذي توفرت فيه الضوابط الشرعية.
لاتوجد تعليقات