رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. ناظم المسباح 13 أغسطس، 2018 0 تعليق

الجنة وطلابها

 

المؤمن يؤمن بالغيب، والغيب كل غائب عن الحاسة، وعن علم الإنسان، ويقال للشيء غيب وغائب باعتباره للناس، لا بالنسبة لله؛ فإنه لا يغيب عنه شيء. قال -تعالى-: {يؤمن بالغيب}، وهو ما لا يقع تحت الحواس ولا تقتضيه بداية العقول، وإنما يعلم بخير الأنبياء -عليهم السلام- مثل الجنة، والنار، وعذاب القبر، وغير ذلك، وبدفعه يقع على الإنسان اسم الإلحاد. ومن أمور الغيب التي يجب على المؤمن أن يؤمن بها، الإيمان بالجنة دار السلام، ومقر المؤمنين والمؤمنات بالآخرة.

الجنة مخلوقة

الجنة مخلوقة موجودة الآن، وهذه عقيدة المسلمين، قال الطحاوي في عقيدة أهل الفرقة الناجية: والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبدا، ولا تبيدان؛ فإن الله -تعالى- خلق الجنة والنار قبل الخلق.

وقال شارح الطحاوية محمد بن أبي العز الحنفي: فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان، موجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك، حتى نبغت نابغة المعتزلة والقدرية؛ فأنكرت ذلك.

     والدليل على وجود الجنة الآن، قوله -تعالى-: {أعدت للمتقين}(آل عمران: 123)، وعن النار {أعدت للكافرين}(البقرة: 24)، وقال -تعالى-: {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى}(النجم: 13-15)، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى، ورأى عندها جنة المأوى.

كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة الإسراء.

وفي آخره: «ثم انطلق جبريل حتى أتى سدرة المنتهى؛ فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال: ثم دخلت الجنة، فإذا فيها حبات اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك».

والأدلة التي تدل على أن الجنة مخلوقة وموجودة كثيرة؛ فيجب على المسلم أن يؤمن بذلك، كما آمن سلف الأمة من الصحابة، والتابعين، والأئمة الأربعة، وغيرهم -رضوان الله عليهم جميعا.

     وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال الله -تعالى-: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}(السجدة: 17). متفق عليه.

نعيم الجنة

     عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أول زمرة يدخلون الجنة في صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة -عود الطيب- أزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء» متفق عليه.

وفي رواية للبخاري ومسلم: «آنيتهم فيها الذهب، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يُرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا».

الدنيا دار النقص

الدنيا دار النقص؛ ففيها المرض؛ فمن منا لا يمرض؟ وفيها البؤس، فمن منا منعم طول حياته؟ وفيها المشيب وضعف الحواس إذا طال بنا العمر، وكأس الموت لا بد لكل ذكر وأنثى أن يتجرعه، أما الجنة فنعيمها وشبابها دائم، ولا مرض ولا موت فيها.

     وعن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي مناد: إن لكم أن تحيوا، فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تصحوا، فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا، فلا تبأسوا أبدا» (رواه مسلم).

الناس يحرصون على نعيم الدنيا، ويؤثرونه على نعيم الآخرة: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (الأعلى)، رغم أن أدنى رجل في الجنة يملك عشرة أمثال الدنيا!.

     وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة، رجل يخرج من النار حبوا، فيقول الله -عز وجل- له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى؛ فيرجع، فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله -عز وجل- له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى؛  فيرجع؛ فيقول: يا رب، وجدتها ملأى؛ فيقول الله -عز وجل- له: اذهب فادخل الجنة؛ فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي، أو تضحك بي وأنت الملك؟!» قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  ضحك حتى بدت نواجذه؛ فكان يقول: «ذلك أدنى أهل الجنة منزلة» (متفق عليه)، فأين القلوب التي تصدق بهذا النعيم العظيم فتشمر لطلبه؟

حرص الصحابة على طلب العلم

إن للإيمان بالجنة أثرا عظيما في حياة المسلم؛ فيدعوه هذا الإيمان لعبادة الله بجد واجتهاد وقوة، ويدعوه لبذل المال في سبيل الله، ويدعوه لبذل النفس رخيصة في سبيل إعلاء كلمة الله في ميادين الجهاد.

لقد آمن سلف الأمة بالجنة، وأيقنت قلوبهم بذلك، فزهدوا في نعيم الدنيا؛ فكانوا أئمة في عبادة الله، وكانوا أبطالا في ساحات الجهاد في سبيل الله.

وإليكم نماذج من حرص الصحابة على طلب الجنة واشتياقهم لها -رضي الله عنهم.

قال أحد السلف: لكأني أنظر إلى جعفر رضي الله عنه في عزوة مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل القوم حتى قتل وهو يقول:

يا حبذا الجنة واقترابها

                                 طيبة وبارد شرابها

والروم روم قد دنا عذابها

                                كافرة بعيدة أنسابها

علىَّ إذ لْاقيتُها ضِرابها

قال آخر: إن جعفر بن أبي طالب  رضي الله عنه : أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت؛ فاحتضنه بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.

عن ابن عمر  رضي الله عنه : أنه وقف على جعفر يومئذ، وهو قتيل فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شيء في دبره، يعني ظهره، أخرجه البخاري.

وهذا فيه بيان فرط شجاعته وإقدامه، وبطولته، أرأيتم -عباد الله- ما يفعل الإيمان إذا استقر في قلب صاحبه؟

دنا المشركون من المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال: عمير بن الحمام الأنصاري  رضي الله عنه : يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم، قال بخ بخ، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : ما يحملك على قول: بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: فإنك من أهلها، قال: فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها حياة طويلة، قال: فرمى ما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل -رحمه الله- ورواه مسلم أيضا كذا في البداية (ج3 ص277). وأخرجه البيهقي (ج9 ص99)، أيضا بطوله، والحاكم (ج3 ص426) مختصرا.

وذكروا أن عميرا قاتل وهو يقول رضي الله عنه :

ركضا إلى الله بغير زاد

                                إلا التقى وعمل المعاد

والصبر في الله على الجهاد

                                وكل زاد عرضة النفاد

غير التقى والبر والرشاد

                               حرص المؤمنات على طلب الجنة

     لقد استقر الإيمان في قلب آسيا بنت مزحم زوجة الطاغية فرعون، وعرفت، قيمة نعيم الجنة؛ فهان من أجل هذا النعيم كل شيء، فتحملت بلاء فرعون وتعذيبه وطلبت إلى ربها -سبحانه- أن يدخلها الجنة، قال -تعالى- حاكيا عن هذه المرأة الصالحة الصادقة: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (التحريم:11).

     سامها فرعون أشد العذاب، ولكنها صمدت على إيمانها أمام عدو الله كملت وسمت في موازيهن السماء، قال صلى الله عليه وسلم  : «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» (أخرجه أحمد وغيره عن أبي موسى).

     وعن عطاء  بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس -رضي الله عنهما-: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟؛ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم  فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله -تعالى- لي، قال: إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله -تعالى- أن يعافيك» فقالت: أصبر: فقالت: فإني أتكشف، فادع الله ألا أتكشف، فدعا لها. (متفق عليه).

     آثرت هذه المرأة السوداء تحمل هذا البلاء، إذا كانت العاقبة الجنة، وفي الحديث بيان حرصها على التستر وعدم كشف عورتها للأجانب رغم أنها مثل هذه الحالة معذروة، فأين هذه من بعض هؤلاء اللواتي لم يبق شيء لم يظهرنه للأجانب، ويزعمن أنهن مسلمات، ويطمعن في الجنة؟ إنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله لهن الهداية.

كيف نكون من أهل الجنة

- أولا: أن ندعو الله -تعالى- أن نكون من أهلها بقلوب صادقة؛ فالجنة يملكها ملك الملوك -سبحانه وتعالى.

- ثانيا: أن نعمل الصالحات؛ فالأعمال الصالحة سبب دخول الجنة، قال -تعالى-: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الزخرف:72)، فالدعوة الجوفاء للإيمان والإسلام لا تغني ولا تنفع.

- ثالثا: أن نسعى أن نكون من الأتقياء؛ فالجنة هي دار الأتقياء في الآخرة، قال -تعالى-: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} (مريم:63).

- رابعا: الخوف من الله -تعالى-، قال -سبحانه-: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} (النازعات).

- خامسا: الحذر من الوقوع في المعاصي، ما ظهر منها وما بطن؛ فالمعصية سبب للحرمان من دخول الجنة مع أول الداخلين، ومن المعاصي التي فشت في مجتمعات المسلمين عدم تستر بعض الفتيات بالحجاب الإسلامي، ويحسبن ذلك هينا وهو عند الله عظيم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».

اتقي الله يا مسلمة في لباسك، واحذري عواقب المعصية؛ فإن المعصية لها عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك