رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد أحمد العباد 1 يونيو، 2015 0 تعليق

الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية (6)

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه المقالة السادسة ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث؛ حيث أفردها بعض أهل العلم؛ فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى، واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة، ورتبتها على حروف المعجم، فإلى المادة:

 

1 – مسألة (الرد في الدرهم):

وهي مسألة ينص على تسميتها بهذا الاسم فقهاء المالكية، وصورتها أن يعطى الإنسان درهماً، ويأخذ أمرين مقابل هذا الدرهم:

أ – يأخذ بنصفه أو طعاما أو غير ذلك.

ب – ويأخذ بالباقي فضة.

     قال الحطاب في (مواهب الجليل) (4/ 318): «هذه المسألة تعرف بمسألة الرد في الدرهم». اهـ وقد اختُلِف فيها بين قول بالمنع وبين الجواز بشروط: كأن يكون ذلك في الدرهم الواحد فأقل، وأن يكون ذلك يداً بيد خوفاً من التأخير بين الفضتين، وأن يكون المردود النصف فأقل، وغير ذلك من الشروط، والله أعلم.

2 - مسألة (الزُّبـيـة):

     وهي مسألةٌ تُذكر في أبواب الحدود والجنايات، والزُّبية – كما قال ابن الأثير في (النهاية) (2/ 295) – هي عبارة عن حفيرة تحفر للأسد والصيد ويغطى رأسها بما يسترها ليقع فيها الصيد، وصورة مسألة (الزبية) أن يتدافع ويتزاحم جماعةٌ عند حفرةٍ أو موضعٍ يؤدي الولوج أو السقوط فيه إلى الهلاك، فتسقط منهم مجموعة بسبب محاولة كلُّ واحدٍ منهم الخروج من خلال جذب غيره والتعلق به، قال أبو إسحاق ابن مفلح في (المبدع شرح المقنع) (7/ 278): «فتسمى هذه المسألة: مسألة (الزُّبْيَة)». اهـ وسبب تسمية المسألة بذلك هو ما روي في (مسند أحمد) (2/ 15) عن علي رضي الله عنه قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فانتهينا إلى قوم قد بنوا زُبيةً للأسد، فبينا هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل، فتعلَّق بآخر، ثم تعلق رجلٌ بآخر، حتى صاروا فيها أربعة، فجرحهم الأسد، فانتدب له رجلٌ بحربةٍ فقتله، وماتوا من جراحتهم كلهم.

فقام أولياء الأول إلى أولياء الآخر، فأخرجوا السلاح ليقتتلوا، فأتاهم علي رضي الله عنه على تفيئة ذلك، فقال: «تريدون أن تَقاتَلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي؟! إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم فهو القضاء، وإلا حُجِزَ بعضكم عن بعضٍ حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيكون هو الذي يقضي بينكم، فمَن عَدَا بعد ذلك فلا حق له.

اجمعوا مِن قبائل الذين حضروا البئر: ربع الدية، وثلث الدية، ونصف الدية، والدية كاملة، فللأول الربع؛ لأنه هلك من فوقه، وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية» فأبوا أن يرضوا.

     فأتوا النبي صلى الله عليه وسلموهو عند مقام إبراهيم، فقصوا عليه القصة، فقال: «أنا أقضي بينكم» واحتبى، فقال رجل من القوم: «إنَّ عليّاً رضي الله عنه قضى فينا»، فقصّوا عليه القصة، فأجازه رسول اللهصلى الله عليه وسلم»، وقال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (2/478): «سنده حسن» والأخذ بهذا الحديث هو من مفردات الحنابلة في رواية، وقد أطال ابن القيم في (إعلام الموقعين) (2/ 23) في ترجيحه، والله أعلم.(1)

3 - مسألة (زِه):

     وهي تلقب بهذا اللقب عند الحنفية، وصورتها: فيمن سها عن التشهد الأخير وقام لركعة أخرى زائدة (كمن يقوم سهواً لركعة ثالثة في صلاة الفجر أو لخامسة في صلاة الظهر)؛ فالواجب عليه حينئذ أن يعود للتشهد الأخير، ولكن وقع عند الحنفية خلافٌ فيما لو استمر ساهياً حتى سجد سجدتين في تلك الركعة الزائدة فهل تبطل الصلاة بوضع الرأس على الأرض للسجدة الثانية كما هو قول أبي يوسف القاضي؟ أم أنها تبطل برفع الرأس من السجدة الثانية كما هو قول محمد بن الحسن الشيباني؟

وأثر الخلاف يظهر فيمن سبقه الحدث وهو ساجد؛ فعند أبي يوسف تكون صلاته بطلت بمجرد وضع الرأس ولا أثر للحدث، بينما عند محمد يكون قد أتمَّ الصلاة وأخرجه الحدث من صلاته.(2)

وأما سبب تسميتها بـ (زِه) فهو أن أبا يوسف القاضي لما بلغه قول محمد بن الحسن قال: «زِه ! صلاةٌ فسدَت يُصلِحها الحدث؟!»(3). اهـ

و(زِه) هي كلمة استعجاب عند أهل العراق وكذا عند العجم (4)، وإنما قالها أبو يوسف هنا من باب التهكم.(5)

4 - مسألة (السريجية):

     المسألة السريجية نسبةً إلى أبي العباس ابن سريج الشافعي (6)، وهي مسألة حدثت في الإسلام بعد المائة الثالثة، والهدف منها هو منع الرجل من القدرة على الطلاق، بل تسد عليه باب الطلاق بكل وجه، فلا يبقى له سبيل إلى التخلص منها، وصورة هذه الحيلة أن يقول: كلما طلقتك - أو كلما وقع عليك طلاقي - فأنت طالقٌ قبله ثلاثاً، فقال ابن سريج ومن وافقه: «إن الرجل لو قال في وقتٍ لاحقٍ لامرأته: (أنتِ طالق) لم تطلق؛ لأنه قد سبق وأن ربط أيَّ طلاقٍ يطلقها به بـ ثلاث طلقاتٍ قبله»، بمعنى أنه لو أوقعنا الطلاق الجديد فيلزم من ذلك وقوع ثلاث طلقاتٍ قبله، وبما أن هذه الثلاث لا يمكن ولا يُتصَوَّر وقوعها، فبالتالي حتى الطلاق المنجَّز الذي ربطه وعلَّقه عليها لن يقع.

     وقد ردَّ أكثر الفقهاء على ذلك قائلين: إن التعليق هنا باطلٌ أصلاً، بل هو كالعدم لا وجود له ولا أثر؛ لأن مضمونه وقوع طلقةٍ مسبوقةٍ بثلاث طلقات! وهذا باطل في دين المسلمين، ومضمونه أيضاً أنه (إذا وقع عليكِ طلاقي، لم يقع عليكِ طلاقي!!) وهذا جمع بين النقيضين، وقد تناول هذه المسألة وأطال فيها النَّفَس العلاّمة ابنُ القيم -رحمه الله- في (إعلام الموقعين) (3/ 197 وما بعدها)، فليُراجع.

الحواشي:

(1) المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد (2/ 709)

(2) انظر: النهر الفائق لسراج الدين ابن نجيم (1/ 329)

(3) انظر: البناية شرح الهداية للحافظ العيني (2/ 620)

(4) انظر: الكليات للكفوي (ص 491)، تاج العروس (36/ 391).

(5) انظر: فتح القدير للكمال ابن الهمام (1/ 511)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 150).

(6) انظر: منحة الخالق لابن عابدين (3/ 293)، التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (4/ 413)، مواهب الجليل للحطاب (4/ 64)، شرح مشكل الوسيط لابن الصلاح (3/ 625)، روضة الطالبين للنووي (8/ 165)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (33/ 240)، كشاف القناع للبهوتي (5/ 298)، الموسوعة الفقهية الكويتية (36/ 247)

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك