رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أ.د عبد العزيز الحاج مصطفى 17 أبريل، 2016 0 تعليق

الثورة السورية وحـسابات السوق

المشروع الطائفي أول من تحدث به قادة اليهود من منطق المصلحة الصهيونية وقد كانت سورية إحدى دول المواجهة، التي كان يحسب حسابها

ما ستشهده القضية من (كنتنة) أو (فدرلة) ستتحول إلى مسألة إقليمية، وإلى أتّون ملتهب تحترق بداخله المصالح الكبرى والصغرى ويهرب منها الدخلاء والمأجورون

 

     تقسيم سورية، أو فيدراليتها، حسب السيناريو الجديد المراد له أن ينفذ في سورية، بات اليوم قاب قوسين أو أدنى من الوضع على طاولة المفاوضات، في جنيف أوفي خارجها، ومهما قيل عن هذه الفيدرالية، فهي (المشروع النموذج) الذي يراد له أن يعم المنطقة (الشرق أوسطية) طوعًا أو كرها وبالوسائل المتاحة، وفي إطار مدة زمنية محسوبة.

فكرة جديدة قديمة

وهذه الفكرة وهي (جديدة وقديمة) من صنع القوى الخارجية التي تتآمر على الشعب السوري، وتحاول إجهاض ثورته، والقضاء على وحدته الوطنية وإدخاله في دوامة من الفوضى التي قد لا تنتهي بعشرات السنين.

      والمعروف أن المشروع الطائفي (العرقي والديني)، أول من تحدث به رسمياً قادة إسرائيل (هرتزل وبن غوريون وبيريز)؛ وذلك من منطق المصلحة الصهيونية، وقد كانت سورية إحدى دول المواجهة، التي كان يحسب حسابها، وتشكل خطرًا على الدولة اليهودية منذ نشأتها في فلسطين سنة 1948م.

     وقد أصبح ما يجري في سورية من اقتتال دام بين النظام والفصائل السورية، مدخلا لتحقيق الأهداف الصهيونية من خلال فرض سياسة الأمر الواقع، التي تضطلع بها الدول الكبرى، ومنها تحديدًا روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، بصرف النظر عن رغبة الشعب السوري، أو عن رأيه وإرادته، وبصرف النظر عن الفصائل العاملة على الأرض السورية، وعن حجمها وقدراتها، وطاقتها القتالية، وبصرف النظر عن ماهية النظام السوري، وعن حقيقة ما هو عليه من دموية أو إرهاب.

المضحك المبكي

     و(المضحك و المبكي) في هذه المسألة أن الأبعاد الحقيقية للقضية السورية تقرأ دائماً من قبل أصدقاء سورية، ومن قبل شركائها في المصير بطريقة معكوسة، أو بنظارة غير مطابقة فتكون القراءة غير مجدية ولا تفي بالغرض، وفي بعض الأحيان قد تضرُّ، وهذا  ما لحظ ويلحظ من تصرفاتهم.

إذ إن الحسابات الميدانية الدقيقة، ومنها: معرفة الأعداء والأصدقاء، وما هم عليه من قوة، هي التي يمكن أن تفيد في مثل هذه الظروف الصعبة.

معركة طويلة

     فالمعركة على الأرض السورية ستطول ولن تتوقف، وإذا كانت  قد بدأت  أولا مع النظام ثم تحولت بقدرة  قادر لتصبح بين الإرهابيين وغير الإرهابيين؛ فلا نعجب بعد ذلك إذا أصبحت بين الشعب السوري وبين التحالف الطائفي، ولا نعجب بعدها أن تكون الورطة الكبرى فتصبح إقليمية، وتلك هي براعة المخرج الأول صاحب (السيناريو الجديد) الذي يركب مركب الفيدرالية ويسعى جاهدًا من أجل فرضها على الشعب السوري بوصفه نموذجاً قامت عليه دول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والهند واليابان وغيرها من الدول وواقعاً مفروضاً، بعد الحريق الهائل الذي يعتام سورية كلها، وذلك من باب الخداع والمخاتلة.

     وهذا العرض الموضوعي جدًا، يوقف الأعداء والأصدقاء عند ضرورة معرفة توقعاتهم للمستقبل، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور بعد فدرلة سورية أو كنتنتها وبعد تحويلها إلى بؤر مشتعلة دائما، وهذه البؤر لن تكون مقصورة على الساحة السورية فحسب، كما لن تكون محصورة فيها و بالتالي فهي النار التي ستحرق الأيدي التي أشعلتها أولاً، وستلحق الأذى والضرر بكل المصالح التي كانت ذريعة غير مسوغة للتدخل في سورية، و لإخراج ذلك السيناريو غير المحترم.

فرصة السوريين

     أما السوريون  فتلك فرصتهم، وكما يقول المثل الصيني طريق الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، فقد مشيناها خطاً كتبت علينا ومن كتبت عليه خطا مشاها، وتلك هي فلسفة الثورة، وما عليه الثوريون من إرادة و تصميم؛ فالثورة العظيمة تحتاج إلى الثوار العظماء والثوار العظماء لا يخضعون في قياساتهم للمقاييس الوصولية أو الانتهازية، بل يخضعون للمقاييس الثورية الحقيقية وهي مقاييس معروفة، ولسنا في حاجة إلى التفصيل فيها، أو الحديث عنها أكثر من ذلك.

     وإذا كان اليسار الدولي قد ضرب أكثر من مثل في كوبا وفيتنام ولاوس وكمبوديا، فإن الإسلاميين ضربوا المثل الأكثر روعة في أفغانستان، وقد جعلوا الروس يخرجون صاغرين وهم لا يكادون يلتفتون وراءهم لهول ما لاقوه في مواجهة المجاهدين الأفغان، وهذا يعني أن الدرس سيكون قاسيا، وسيهزم الجمع ويولّون الدبر، مهما كانت المواجهة صعبة، وأمد المعركة طويلا، ومهما جلب الأعداء من قوات.

     وهذا الكلام ليس مبالغة منا، ولا من باب الإنشاء الأدبي، أو ما يدخل في باب الطموحات الشخصية، ولكنه بعض من حسابات السوق الدقيقة التي قد لا يختلف حولها اثنان، فكما هو معروف دوليا أن الحرب تجارة، وأن التجارة عند العقلاء والمجانين يجب أن تكون رابحة، وإن لم تكن رابحة فلا جدوى منها، وهذه هي النهاية الحتمية لأية حرب يوقدها العقلاء أو المجانين.

أتون ملتهب

     فالقضية السورية،  وما ستشهده من (كنتنة) أو (فدرلة) ستتحول إلى مسألة إقليمية، وإلى أتّون ملتهب تحترق بداخله المصالح الكبرى والصغرى، ويهرب منها الدخلاء والمأجورون، والذين تداعوا سابقا إلى ساحتها طمعا بالمرابح؛ وذلك بعد  أن تبين لهم و بالقرينة الدالة أن الميزان أصبح خاسراً، و أنهم لا طاقة لهم بعد  على الاستمرار في تحمل تبعاتها، وقد أصبحوا من المتأذين منها حقيقة.

وإذا كان  بوتين أول من هرب منها بعد أن تبيّن له  أن ميزانه أصبح خاسراً، فإنه سيتبعه آخرون، و هؤلاء الآخرون وهم اليوم يلغون في الدم السوري سينسحبون الواحد تلو الآخر، بعد أن يتبين لهم خسارة الموقف ، وأن الميزان ليس في صالحهم.

     فالأوربيون وهم تجار سيراجعون حساباتهم بدقة، وسيفعلون ما فعله بوتين قبلهم، بعد أن يدركوا ألا جدوى من هذه الحرب، التي تأكل الأخضر واليابس والتي توسع رقعتها قد يشملهم قبل غيرهم. وسيل اللاجئين الذي يتوجه إلى بلدانهم اليوم، سيكون موضع المراجعة، وسيكون القشة التي ستكسر ظهر البعير في هذه المسألة الحسابية الدقيقة والشائكة.

     والأمريكيون، وهم تجار كذلك، سيراجعون حساباتهم بدقة، وسيفعلون ما فعله قبلهم الروس و الأوربيون، وذلك للأسباب ذاتها بعد أن يدركوا أن الميزان أصبح خاسراً. وما تصريحات المرشح الجمهوري ترامب المعادية للمسلمين، إلا  تعبير جاد  عن تأذي الأمريكيين من تشابك العلاقة  مع المسلمين، ومن احتمال انتقال الإرهاب إلى الولايات المتحدة نفسها، بعد  توسعه وانتشاره و تجاوزه الحدود  الإقليمية، التي أريد  له أن يحصر  بداخلها و لا يخرج منها.

المآل الحتمي

     وهذا الانسحاب وهو المآل الحتمي لكل القوى الدولية المشاركة، في الحرب الدائرة في المنطقة الشرق أوسطية سيعيد القضية إلى مربعها الأول، بعد ذلك الانتشار الواسع، وسيكون  الخاسر الوحيد فيها هوالذي ابتعثها أولاً، وقد أراد لها ان تكون قاصمة الظهر بالنسبة لسكان المنطقة الشرق أوسطية؛ فكانت قاصمة الظهر له شخصيا، وهذا ما نبشر به بعد؛ فالمسألة أولاً و آخراً حسابات سوق، وحسابات السوق في حاجة دائماً إلى المختصين، والمختصون هم الذين يجيدون قراءة مثل هذه القضية الخطيرة ، وفهم أبعادها الخفية والمعلنة ،بالرغم من كل ما يثار حولها من إشكالات.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك