رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ذياب أبو سارة 9 مايو، 2016 0 تعليق

الثورة الرقمية.. وآفاق المواطنة الصالحة

تستهدف المواطنة الرقمية إيجاد الطريق الصحيح لتوجيه المستخدمين وحمايتهم ولاسيما الأطفال والمراهقون

المواطنة الرقمية ذات صلة قوية بمنظومة التعليم، من خلال المعلمين والتربويين وأولياء الأمور لترشيد استخدام التواصل الرقمي

هناك أساليب عدة لتعليم وتوضيح محاور المواطنة الرقمية التسعة ، وتعد مبادئ (الاحترام، التعليم، الحماية) أحد هذه الأساليب الجامعة

المواطنة الرقمية تقوم على تثقيف الأفراد وتعليمهم رقميا لما يحتاجونه من التكنولوجيا، واستخدامها بالشكل المناسب والاستفادة من إيجابياتها وتجنب سلبياتها

اهتمت دولة الكويت منذ نشأتها بتقرير مفاهيم المواطنة وقيمها من خلال تنشئة المواطن الصالح؛ وذلك من خلال الدستور الذي ما جاء في الباب الثاني: (المقومات الأساسية في المجتمع) المواد من (7) إلى (26) ، والباب الثالث: (الحقوق والواجبات العامة) من المواد (27) إلى المواد (49)؛ ليحدد بذلك مسؤوليات المواطنة التي كفلها الدستور، ودور مؤسسات الدولة المتمثلة في الحكومة والمجتمع، ثم دور الفرد في تحقيق المواطنة الصالحة.

     وقد اقترحت قبل فترة على بعض القياديين عقد مؤتمر (المواطنة الصالحة في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية)؛ بحيث تقوم فكرة المؤتمر على تشخيص واقع المواطنة والبحث عن أفضل السبل لتحقيق المواطنة الصالحة في المجتمع الكويتي في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية وعلومهما، والخروج بتوصيات المشاركين من الخبراء والباحثين والمشايخ والعلماء من دولة الكويت والعالم الإسلامي، تحت رعاية وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت .

دراسة واقع المواطنة

     ويشمل ذلك بلا شك دراسة واقع المواطنة في المناهج والثقافة العامة والعرف السائد والعادات والتقاليد ذات الصلة، إلى جانب دراسة دور المؤسسات المجتمعية كالمسجد والمؤسسات الإعلامية ودور وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية في ترسيخ تلك القيم المهمة للحفاظ على الهوية الوطنية الإيجابية والبعد عن التصرفات والسلوكيات المخلة بها، مع ضرورة  تسليط الضوء على مخاطر المناهج الدخيلة والأفكار المتطرفة في شق الصفوف وتهديد الوحدة الوطنية، وتدمير المجتمع في ظل ثقافة الإقصاء والعزلة والعدائية المطلقة.

ويستهدف المؤتمر المقترح توجيه الاهتمام لبناء المواطن الصالح وثقافة البناء والتعاون وفق معايير المواطنة وقيمها الصالحة والطرائق الكفيلة بتجسيد ذلك على أرض الواقع تربويا وتعليميا ودينيا وأخلاقيا انطلاقا من تعاليم الدين الإسلامي .

     ولا سيما في ظل ما تمر به المنطقة من تهديدات ومخاطر ومعطيات فكرية ومنطلقات خطيرة تهدد كيان دولها وتعصف بأمنها واستقرارها، ونظرا لتأخر الرد على المقترح المقدم ؛ أحببت أن أنشر الورقة الآتية لتوجيه الاهتمام إلى أمر خطير للغاية؛ ألا وهو: (الثورة الرقمية وآفاق المواطنة الصالحة).

المواطنة الرقمية

يمكن تعريف المواطنة الرقمية بأنها مجموعة القواعد والضوابط والمعايير والأعراف والأفكار والمبادئ المتبعة في الاستخدام الأمثل والقويم للتكنولوجيا، التي يحتاجها الناس جميعا من أجل المساهمة في رقي الوطن.

ويمكن تعريفها في كلمتين: التوجيه والحماية؛ توجيه نحو منافع التقنيات الحديثة، والحماية من أخطارها. وتعني - باختصار- التعامل الذكي مع التكنولوجيا.

أهمية المواطنة الرقمية

     وتبرز أهمية المواطنة الرقمية  Digital Citizenship كونها الوسيلة المثلى لإعداد النشء للانخراط الكامل في المجتمع والمشاركة الفاعلة في خدمة الوطن من خلال الاستخدام الأمثل لمعطيات التكنولوجيا الحديثة، وكونها ثقافة تساعد المعلمين وقادة التكنولوجيا وأولياء الأمور لفهم ما يجب على الطلاب/ الأطفال/ من مستخدمي التكنولوجيا كيفية استخدام التكنولوجيا بطريقة مناسبة.

     ويكفي أن نعلم أن دولا متقدمة عديدة مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا تدرس لطلابها في المدارس مواد تتعلق بالمواطنة الرقمية في إطار منهج التربية الرقمية، كما نجد في الإطار المشروع نفسه الذي وضعته أستراليا تحت شعار: (الاتصال بثقة لتطوير مستقبل أستراليا الرقمي)، الذي ينص على تعميم تدريس المواطنة الرقمية للطلاب مع تدريب الآباء والمعلمين عليها وفق خطة وطنية متكاملة، كما تخطط فرنسا لجعل موضوع المواطنة الرقمية قضية وطنية كبرى.

وما أحوجنا اليوم إلى انتهاج سياسة وقائية ضد أخطار التكنولوجيا، وتحفيزية للاستفادة المثلى من إيجابيات العالم الرقمي ، وفق خطط مدروسة ومناهج متخصصة.

أهداف المواطنة الرقمية

     وتستهدف المواطنة الرقمية إيجاد الطريق الصحيح لتوجيه جميع المستخدمين وحمايتهم ولاسيما الأطفال والمراهقون، وذلك  من خلال تشجيع السلوكات المرغوبة ومحاربة السلوكات المنبوذة في التعاملات الرقمية، من أجل مواطن رقمي يحب وطنه ويجتهد من أجل تقدمه، بعيدا عن أي نوع من أنواع القمع والاستبداد ضد المستخدمين أو ما يتنافى مع قيم الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

ثورة رقمية

     تشير الدراسات والإحصاءات إلى تزايد مستخدمي الأجهزة الرقمية والإنترنت حول العالم؛ حيث يشير موقع (Global web Index) في تقريره (Jan 2015) إلى أن عدد مشتركي الإنترنت حول العالم بلغ (3.010 مليار) مشترك، أي ما نسبته (42%) من عدد سكان العالم، منهم (2.078 مليار) مشترك في مواقع التواصل الاجتماعي، أي (29%) من العدد الإجمالي لسكان العالم، وبين التقرير ذاته أن عدد الساعات التي يقضيها الفرد على الإنترنت يومياً تراوحت بين (2.7 ساعة) باستخدام الأجهزة المحمولة الذكية وبين (4.4 ساعة) باستخدام الكمبيوتر المكتبي أو المحمول.

     وفي عالمنا المعاصر لم يعد استخدام تكنولوجيا الاتصالات الرقمية مقتصرا على التبادل الإلكتروني للمعلومات، والمشاركة الإلكترونية الكاملة فى المجتمع، وشراء البضائع وبيعها عن طريق الإنترنت، وغير ذلك؛ وإنما أصبحت التكنولوجيا (والرقمنة) نمط حياة ولا سيما لأبنائنا الصغار الذين خرجوا إلى الدنيا وفي أيديهم أجهزة الآيباد والأجهزة الذكية .

إيجابيات وسلبيات

     وتبرز خطورة السلبية ومنبعها في سوء الاستخدام لتلك التقنية وتوظيفها في الإضرار بالآخرين ؛ فقد كنا سابقاً نستطيع بسهولة معرفة اهتمامات أبنائنا ومراقبة علاقاتهم بالآخرين، أما الآن وفي ظل تلك التقنيات وانشغالنا بعجلة الحياة وما تفرضه من التزامات فإننا لم نعد قادرين على متابعتهم ؛ وقد يتواصلون مع مجهولين رقميين يشكلون خطرا محتملا، وقد يتصفحون مواقع مشبوهة خطيرة، وأصبح من شبه المستحيل مراقبة كل ما يشاهدونه من صفحات ومن يتصلون به من أشخاص مع انتشار الأجهزة اللوحية والكفية والهواتف الذكية المحمولة في كل زمان ومكان.

أبناؤنا والتكنولوجيا

وقد أصبح من المقلق حقا أن يتجاوز معدل استخدام الأطفال والمراهقين لهذه الأجهزة حاجز الثماني ساعات يوميا، لتصبح تلك الأجهزة بما تبثه وتوفره من معلومات مصدر التلقي الأول، ومنبع التربية وبناء الشخصية!

وقد عجبت أثناء مشاركتي في دورة تدريبية حول المواطنة الرقمية بأننا نحن -كبار السن- وافدون وطارئون (مهاجرون) على العالم الرقمي، بينما أبناؤنا الصغار (مواطنون) رقميون بحكم مولدهم في هذا العصر !!

وذلك نظرا لقدرتهم الفائقة على استخدام التكنولوجيا الرقمية وجميع ميزاتها، في حين يقتصر تفاعل كبار السن على مجرد الرد على المكالمات وإرسال الرسائل في غالب الأحيان .

بين البيت والمدرسة

وجدير بالذكر المواطنة الرقمية لها علاقة قوية بمنظومة التعليم؛ لأنها الكفيلة بمساعدة المعلمين والتربويين عموما وأولياء الأمور لفهم ما يجب على الطلاب معرفته من أجل استخدام التكنولوجيا بنظام مناسب.

     ومن هذا المنطلق تبرز أهمية نشر ثقافة المواطنة الرقمية في البيت بين أفراد الأسرة وفي المدرسة بين صفوف الطلاب؛ وذلك لحماية مجتمعاتنا من الآثار السلبية المتزايدة للتكنولوجيا ومعالجة ما نشهده من طلاب وكذلك البالغين من سوء استعمال واستغلال التكنولوجيا، مع تعزيز الاستفادة المثلى منها في تنمية مجتمع المعرفة وبناء الاقتصاد الرقمي الوطني.

المبادئ الجامعة

     وهناك أساليب عدة لتعليم محاور المواطنة الرقمية التسعة آنفة الذكر وتوضيحها، وتعد مبادئ: (الاحترام، التعليم، الحماية REPSRespect, Educate, and Protect) أحد هذه الأساليب؛  حيث يقسم هذا الأسلوب محاور المواطنة الرقمية إلى ثلاثة مبادئ؛ كل مبدأ يضم ثلاثة محاور، على النحو الآتي:

- مبدأ: (احترم نفسك/ احترم الآخرين)، ويشتمل على: الوصول (النفاذ) الرقمي، اللياقة الرقمية، القوانين الرقمية.

- مبدأ: (علم نفسك/ تواصل مع الآخرين)، ويشتمل على: التجارة الرقمية، الاتصالات الرقمية، محو الأمية الرقمية

- مبدأ: (احم نفسك / احم الآخرين)، ويشتمل على: الحقوق والمسؤوليات الرقمية، والأمن الرقمي، والصحة والسلامة الرقمية.

 

 

محاور المواطنة الإلكترونية

 وقد حددت منظمة (ISTE: International Society for Technology in Education) وسيلة لفهم المواطنة الرقمية وقضايا استخدام التكنولوجيا، وجعلتها في تسعة مجالات (محاور) تحدد مفهوم المواطنة الرقمية ومعاييرها على النحو الآتي:

1- الوصول الرقمي Digirtal access: وتعني المشاركة الإلكترونية الكاملة في المجتمع؛  بحيث يجب أن يتاح الوصول عبر الإنترنت لجميع الأفراد .

2- التجارة الرقمية Digital Commerce: وتعني ببساطة: بيع البضائع وشراءها إلكترونياً؛  بحيث تتيح تبادل الأموال عبر الإنترنت.

3- الاتصالات الرقمية: وتعني ببساطة: التبادل الإلكتروني للمعلومات:

4- الثقافة الرقمية Digital Literacy: ويقصد بها (محو الأمية) وعملية تعليم وتعلم التكنولوجيا واستخدام أدواتها؛ لتعرف كيف تستعمل التكنولوجيا ومتى؟

5- اللياقة (الإتيكيت) الرقمي: ويقصد بها تلك المعايير الرقمية للسلوك والإجراءات، وكيفية التعامل مع المجتمع بطريقة حضارية.

6- القانون الرقمي: ويعني المسؤولية الاجتماعية على الأعمال والأفعال، أي الحقوق الشرعية والمحرمات في عالم التكنولوجيا كسرقة الأفكار ذات حقوق الملكية.

7- الصحة الرقمية: ويقصد بها الصحة النفسية والبدنية في عالم التكنولوجيا الرقمية؛ لتعرف كيف تبقى بصحة تامة عندما تستخدم التكنولوجيا وأجهزتها.

8- الأمن والحماية الرقمية: ويقصد بها إجراءات ضمان الوقاية والحماية الرقمية:

 9- الحقوق والمسؤوليات الرقمية، وتعني الحريات (الحقوق والواجبات) التي يتمتع بها الجميع في العالم الرقمي .

 

الهاجس والمنظور

      تكمن خطورة هذا المبحث في تلك العلاقة الوثيقة بين مفهومي المواطنة والهوية وعلاقتهما بالثورة الرقميّة؛ فهناك جيل يترعرع في ظل التقنيّة، التي بدأت معطياتها تمثل متغيرا مهما في التكوين الثقافي والمعرفي للفرد والمجتمع، ولاسيما مع تنامي تأثير شبكات التواصل الاجتماعي Social Media في التفاعل بين الأفراد، ونشر الآراء والأفكار، والتأثير في الرأي العام، وما أفرزته من مفهوم (الديموقراطيّة التشاركيّة المستندة إلى الإنترنت) !

     ومن هذا المنظور يمكن تعريف المواطنة الرقميّة بأنها حصيلة تجمّع النشاطات الرقميّة بما يسهّل «مشاركة المواطنين»، بالمعنى الواسع للمشاركة، في نشاطات المجتمع، وما يتعلق بذلك من حقوق وواجبات ومدى السلطة الممنوحة لتلك القنوات في التواصل وتبادل المعلومات والبيانات والملفات، وفي الدول العربية لا يزال الأمر «ملتبساً» ..

     وفي ظل ذلك الانفتاح على التواصل السهل، تظهر أسئلة في سياق محاولة تحديد أنواع المواطنة الرقميّة، ترتبط بمدى تأثير الإنترنت في المواطنة، في ظل قوة المعرفة وانتشارها، وفي إطار منظومات القيم والمبادئ الأخلاقية والدينية السائدة ، في جدلية لا تنتهي من الحقوق والواجبات .

وتبقى الثورة الرقميّة سلاحا ذا حدين، وعاملا فاعلا في تغيير المجتمعات، وهاجسا يقلق المربين والمعلمين أملا في تحقيق الاستثمار الأمثل لتقنيات التواصل الإيجابي والتحذير والوقاية من أخطارها وسلبياتها للحفاظ على لحمة الوطن والارتقاء به .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك